يخرج الجمهور من قاعة السينما بعد مشاهدته فيلم ”الآن بإمكانهم المجيء” بنتيجة واحدة وهي أن الفيلم خال من الخيال وكأن المخرج بصدد إعادة تصوير مشاهد من العشرية السوداء بكل ما تحمله هذه الفترة من دموية وفوضى وحالة من الخوف والهاجس الأمني. عرض الفيلم الجزائري ”الآن يمكنهم المجيء” للمخرج سالم ابراهيم بمسرح عز الدين مجوبي في إطار منافسة الأفلام الروائية لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، وهذا بحضور المخرج سالم ابراهيمي والمنتجة ميشال غافراس، رفقة زوجها المخرج الكبير كوستا غافراس، أحد المساهمين في تتويج الأوسكار الذي نالته الجزائر سنة 1970. يؤدي بطولة الفيلم المغني أمازيغ كاتب رفقة رشيدة براكني وفريدة صابونجي... واقتبس العمل الذي يدوم 95 دقيقة من رواية أرزقي ملال، ويروي قصة الزوجين ياسمينة ونور الدين، اللذين عايشا بداية التوترات وتنامي التطرف في الجزائر منذ 1989 ووصولا إلى العشرية السوداء. الفيلم يعرج على عدة ظواهر وأحداث ميزت تلك الحقبة، مثل الخطاب الديني المتطرف، غلق الشركات، الإفلاس، والندرة في المواد الغذائية، وانتشار الحواجز الأمنية، مع ارتفاع أصوات الاشتباكات والانفجارات على حين غرة. الوقائع تجري في بلدة ”سيدي أحمد” في مدينة البليدة، وتتطور المواقف حين يجد البطل نور الدين نفسه وجها لوجه أمام جماعة إرهابية أعدمت قرية بأكملها، لتطارده رفقة ابنته، لكن الأحداث تتطور بشكل غير متوقع لتنتهي بنتيجة دراماتيكية. نور الدين ذلك الرجل المتفتح الذي تجبره والدته على الزواج من ياسمينة، ليدخل خالة من الفتور الزوجي وتتازم علاقته مع زوجته، ويقسم المخرج سالم ابراهيمي المجتمع الجزائري في تلك الفترة إلى قسمين قسم صوره بالاشتراكي الذي يعادي الإسلاميين وضد الحركة الإسلامية التي قامت في الجزائر بعد أحداث أكتوبر 1988، ويرغب في مواصلة العيش بكل تحرر وضد تقييد المجتمع والحريات، وفي الجهة المقابلة نجد تصاعد التيار السلفي الاسلامي الذي يريد اكتساح الانتخابات وإقامة دولة اسلامية تمشي وفق الشريعة الإسلامية، مع فرض منطق التشدد على الشعب. يحاول سالم إبراهيمي ملامسة جوانب من الواقع الجزائري، من خلال نقل صور حية عن المجازر التي تعرض لها الجزائريون في العشرية السوداء، ولكنه بطريقة أو بأخرى يستغبي الجمهور ويلعب على مشاعره لأنه لم يلم بكل تفاصيل تلك المرحلة من تاريخ الجزائر الدموي، ويكفي أن تشاهد اللقطة الأولى من الفيلم حتى تتنبأ بكل التفاصيل والأحداث التي صورها العمل، خصوصا وأنه اعتمد على تقنية النقل في كتابة السناريو بصفر خيال، وحتى العقدة جاءت ساذجة جدا بحكم أن المتفرج يمكنه التنبؤ بالحل في نهاية الفيلم، التي كان من الممكن أن يختمها بمشهد نور الدين يحمل ابنته ويدق على الأبواب دون أن يفتح له أحد، ولكن المخرج ارتأى تصوير مشاهد أخرى من الدم ليصعقنا بها، مع العلم أن المشهد الأخير من الفيلم كان سنة 1998 وهي السنة التي بدأت تشهد البلاد بعضا من الانفراج الأمني، وهي مغالطة كبيرة وقع فيها المخرج، بالتالي كان مشهدا مقحما لم يضف للفيلم بل بالعكس أثر على سير الأحداث سلبيا. بالعودة إلى الكاستيغ، فإن تصريح الممثل أمازيغ كاتب قبل بداية الفيلم بكونه مغنيا لا علاقة له بالسينما، كان محقا فيه تماما فبالفعل هو مطرب ولا علاقة له بالسينما بدليل الظهور الباهت جدا له في الفيلم وتمثيله بطريقة سطحية، دون إظهار أي تفاعل مع الأحداث داخل الفيلم ففاقد الشيء لا يعطيه، فالممثل الذي لا يبكي ولا تظهر عليه ملامح الحزن بعد قتل صديقه ووفاة أمه، يظهر مدى محدوديته في التمثيل، وهنا الخطأ يقع على المخرج الذي أساء اختيار أبطال فيلمه، فحتى الممثلة رشيدة براكني ظهرت بوجه شاحب نغاير لما عودتنا عليه في أعمالها السابقة، كما أن فريدة صابونجي لم تخرج من عباءة التلفزيون والظهور بوجه المرأة المتسلطة التي تفرض وكالعادة زوجة على ابنها، يعيدها إلينا المخرج بنفس الوجه ونفس الدور.