قدم المخرج الجزائري المقيم بفرنسا سالم الإبراهيمي فيلمه "الآن بإمكانهم المجيء" في عرضه الأول، في إطار مسابقة المهر الطويل من فعاليات مهرجان دبي السينمائي في دورته الثانية عشرة. العمل مُقتبس عن الرواية التي كتبها الجزائري "أرزقي أملال" والتي تحمل نفس العنوان، والتي تدين فترة التسعينات وكل الفوضى التي عاشتها الجزائر أنذاك بمشاهد سوداوية قاتمة. على مدار 95 دقيقة يحضر العنف والصور المؤثرة بقوة، رجال شعث، قمصان ولحى غبر، بتصرفات عنيفة ونظرات ثاقبة، كلهم يتكلمون عن الإسلام، صوّروا على أنهم الغول القادم، جرعات زائدة من العنف التي وظفت بابتذال، لتصور ما عاشته الجزائر في فترة التسعينات. بنسق ثابت، يبدأ الفيلم في تقديم شخصياته، مشهد مغادرة صديقة نور الدين كريمة الجزائر نحو فرنسا، لأنها لم تعد تحتمل الوضع في الجزائر، لكنها تجد الحل في الرحيل ليتمسك هو بالبقاء، تتصاعد معها مشاهد العنف لتنقل تعنيف بعض الإسلاميين لشاب وشابة كانا على الشاطئ وتهديدهم وغيرهم بالانصراف، بعدها صور المخرج العلاقة السلطوية التي تمارسها أم نور الدين والتي جسدت دورها (السيدة فريدة صابونجي) على ابنها والذي قدم دوره "أمازيغ كاتب"، الأم المتسلطة المثالية والتي لا تريد لابنها أن يتأخر خارجا ويمارس حياته بصفة عادية، الأم التي تعيش بحي شعبي محافظ ولكنها لا تجيد كلمة جزائرية واحدة!!! وبينما تأخذك خطابات النقابة عن الاشتراكية وصندوق النقد الدولي ووو... تعيدك شعارات الإسلاميين لفترة مضت عن "دولة الطاغوت" ومقتطفات عن خطابات أهم الإسلاميين المتشددين في تلك الفترة، تسارع أم نور الدين لتدبر أمر زواج ابنها مع جارة لها ظهرت فجأة وقامت بإسعافها تدعى ياسمينة وتقدم دورها (رشيدة براكني) لترد لها الأم الجميل بتزويجها من ابنها الوحيد الذي يرفض الفكرة بدءا، ليستسلم أمام عناد والدته. ولأن العلاقة آلية من بدايتها لا نلمس شيئا من عادات أو تقاليد جزائرية حتى بعد وفاة الأم المتسلطة، وإنجاب ياسمينة لابنها الأول كمال، لا شيء تغير، ولا بيئة جزائرية حاضرة، وكأننا بها معزولة عن الآخر، فلا جيران ولا أصدقاء، فقط بعض الإسلاميات اللائي يظهرن بمشهد مبتذل وهن يطرقن باب ياسمينة لإقناعها بدينهم الجديد فترد عليهن بموسيقى الراي الصاخبة وهي تحاول الرقص، ما يجعلك أمام صورة واهية لا تجد لها موضعا في العمل. وربما لأن الفيلم يستند لأحداث حقيقية كان لابد له من حشد كل ذلك الكم الهائل من الهتافات والكتابات الحائطية وخطابات الجمعة وصور الغول الإسلامي التسونامي القادم. بعدها يجد المشاهد نفسه متعجبا من موقف نور الدين الذي تخلى عن زوجته وأم ابنه ياسمينة من دون أي جهد يذكر لنفاجأ به يستميت في البحث عنها بعد اكتشافه أنها غادرت بيت أبيها المتعصب. جاء الفيلم مرتكزا على أحداثه الحقيقية التي يحاول نقلها لدرجة أنه يشعرك بحشوها في محاولة سرد حدث، فهو لا يقدم حلولا بقدر ما يدين واقعا من خلال بعض الأحكام التي تطلقها شخصيات الفيلم من خلال الحوارات القليلة التي جمعت بين نور الدين وياسمينة، أو نور الدين وبعض أصدقائه من النقابة كعمي صالح، أو البستاني عمي سليمان. "الآن يمكنهم المجيء" يقدم لغة بصرية مكثفة، وجاءت في معظمها سوداوية دموية سواء ما تعلق بطريقة تعامل الإسلاميين مع المدنيين العزل، أو بعمليات التقتيل والتنكيل، أو بصورة البنايات والعمارات الجزائرية التي اكتسحها الحديد في محاولة للتأمين على الحياة. وبقي العمل وفيا لحدة العنف والسوداوية حتى آخره في مشهد مهيب حين يحتضن نور الدين ابنته الصغيرة في محاولة منه لحمايتها من الإرهابيين فتختنق وتموت بين أحضانه. "سالم الإبراهيمي" أكد في معرض حديثه عقب عرض فيلمه أن الفيلم يمكن أن يسقط على كثير من الدول العربية، كما أوضح أنه لا يوثق لفترة التسعينات التي كان محظوظا ولم يعشها!!! على حد قوله - بقدر ما أراد أن ينقل حقيقة ما عاشته الجزائر في تلك الفترة بقوله "لما كنا نصور كنا نلتقي بأناس يترجوننا لنقل ما عاشوه في تلك الفترة". وهو ما يبرر الابتذال الذي وقع فيه مخرج لا يعرف شيئا عن الجزائر، وهو ما يعيد الإشكال الذي تطرحه الأفلام القادمة من وراء الضفة دائما.