كانت من أفضل مفاجآت مهرجان تورنتو السينمائي الدولي عرض فيلم "دعهم يعودون" للمخرج الجزائري سالم الإبراهيمي الذي يتعرض لفترة العشرية السوداء في الجزائر. وهى الفترة التي قامت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بممارسة الإرهاب ضد شعبها وأبناء وطنها عقب إلغاء انتخابات عام 1992هناك. تتضارب الأرقام حول عدد القتلى الجزائريين ضحايا الإرهاب جراء هذه الأحداث، لكن الرقم التقريبي يصل إلى مائتي ألف شهيد. سالم الإبراهيمي يقدم فى أول فيلم طويل له قصة زوجين أتما زواجهما قبل وقت قليل من انطلاق موجة العنف الأسود ضد المدنيين المسالمين انتقاما من الشعب الذي ساند طرد الجبهة من السلطة. دراما الفيلم من النوع الهادئ الذي يتأمل برفق وبرقة حال رجل وامرأة فى خضم أحداث مرعبة لا يظهر الفيلم الجناة فيها إلا فى بعض مشاهد قليلة. لكن الفيلم يضع جل اهتمامه فى تقديم تأثير الفترة الصعبة على مشاعر البشر. بطل الفيلم مثقف صاحب أفكار يسارية تهجره حبيبته في بداية الفيلم لفرنسا هربا من طوفان الإرهاب القادم، ويستجيب لاختيار أمه فى الزواج من إحدى القريبات التي تبدو لطيفة المعشر والطباع، وتتحمل ضغوط أمه التي زادت عصبيتها بسبب اشتداد مرضها حتى توفيت. ما إن استقام الحال بين الزوجين حتى أنجبا طفلا، ثم زادت الضغوط فى الحي الذي يسكنان فيه بالقرب من الجبل فتطلقا وهربت الزوجة بابنها خوفا. يعثر الزوج عليها بعد معاناة ويقنعها بالعودة للحياة فى مكان بعيد عن الإرهاب، ويعودان لبعضهما وينجبان طفلة أخرى. تمضى حياتهما على الحافة بحذر لكن بشجاعة فى استمرار ممارسة الحياة وسط القتل العشوائي من أمراء الظلام. ينتهي الفيلم بمواجهة بين البطل والإرهابيين حيث يمسك بابنته الطفلة خوفا من أن يقتلوها وينتهى الأمر بأنه يخنقها خطأ وهو يحميها منهم فى أحضانه. نهاية مأساوية فى أحدث فيلم جميل عن موضوع الساعة بل آفة القرن فى بلادنا العربية. الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الجزائري الرزقى ملال وأنتجه سالم الإبراهيمي بالتعاون مع المنتجة الفرنسية الشهيرة ميشيل راى جافراس زوجة المخرج الأشهر كوستا جافراس الذي يعد واحدا من أهم كبار السينمائيين العالميين مناصرة لقضايا العرب. وسالم نفسه معروف من قبل كمنتج وكمخرج لبعض الأفلام التسجيلية، وهو نجل الأخضر الإبراهيمي السياسي والدبلوماسي الذي شغل منصب وزير خارجية بلاده فى بداية التسعينيات، وكان مبعوثا للأمم المتحدة إلى أفغانستان ثم إلى العراق. ورغم وطأة الأحداث المؤلمة التي تعرض لها الوطن لمدة عشر سنوات حتى تمت مصالحة مع هذه الجماعات المتشددة لإرساء السلم، إلا أن السينما الجزائرية لم تتطرق للموضوع كثيرا. فقط فيلمان مهمان تحدثا عنها هما "رشيدة" ليمينة شويخ و"التائب" لمرزاق علواش. الفيلم الأول الذي عرض عام 2002 كان أول فيلم واجه الظاهرة بشجاعة.