* خياطي: ”إجبارية الاختيار بين القطاعين يرجح كفة العيادات الخاصة” * تعديلات وإجراءات جديدة تكرس التبذير في عز التقشف جاء قانون الصحة الجديد الذي عرض للنقاش تحت قبة البرلمان نهاية الأسبوع الماضي، مخيبا للآمال وتاركا فجوة وفراغا كبيرين من حيث البنود والقوانين المقترحة. وبالرغم من انتظاره الذي طال 31 سنة إلا أنه لم يكن في مستوى تطلعات أهل الاختصاص الذين أعابوا عليه الكثير من النقائص، على غرار المساس بمجانية العلاج، والعمل على تهميش الكفاءات وضرب القطاع العمومي، وكذا الإسراف في نفقات لا حاجة لها، وغيرها من النقاط السلبية التي تمس المواطن البسيط الذي سيكون المتضرر الأكبر من هذه التعديلات.
هو ثالث قانون للصحة بعد الاستقلال، بعد قانوني 1976 و1985، طال انتظاره مدة 31 سنة. هذه المدة الزمنية الكبيرة التي وقعت الكثير من الأشياء، تغيرت المعطيات وحصلت تجاوزت، جعلت منه أمرا ملحا لأجل ضبط العلاقات في القطاع الصحي، وتفسير السياسة الصحية المتبعة. كما يعمل على غرس ثقافة صحية جوارية من شأنها توثيق العلاقة بين المستشفيات الكبيرة والجامعية والمؤسسات الجوارية، وكذا منع التدخين في الأماكن العمومية وبيع التبغ للقصر مع تناوله معاقبة مخالفي هذا المنع المنصوص بغرامات مالية ومضاعفتها في حال العودة إلى ارتكاب المخالفة. غير أن مجانية العلاج طرحت في قالب جديد يحمل الكثير من الغموض وتشوبه الكثير من التساؤلات. كما أن القانون الجديد قد تضمن أيضا قرار إلغاء النشاط التكميلي مع إجبارية الاختيار بين العمل في القطاع الخاص أو العام، وهو الإجراء الذي أسال الكثير من الحبر، لاسيما أنه يعمل بشكل مباشر على ضرب القطاع العام أكثر من خدمته. كما تضمن القانون في شقه التنظيمي إنشاء مجلس وطني للصحة مهمته تقديم التوصيات وإعداد تقارير سنوية حول الحالة الصحية للمواطنين، مع استحداث المقاطعة الصحية للعمل بشكل مخطط، على غرار الفصل الرابع الذي تناول ”أخلاقيات المهنة”. ومن بين أهم ما تضمنه مشروع قانون الصحة الجديد إنشاء لجنة وطنية لزرع الأعضاء. المساس بمجانية العلاج.. أمر في غاية الخطورة رغم أن القانون في خطوطه العريضة يظهر أنه متمسك بالمكتسبات الاجتماعية، إلا أن مجانية العلاج تحمل الكثير من الغموض واللبس. وفي هذا السياق يقول البروفسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، أن تفحص القانون يجعلنا نتخوف من مصير مجانية العلاج، فإذا كان يقول إن الدولة تضمن كليا حق العلاج المجاني للطبقات الهشة ويقصد بها من لا دخل له، كما تؤكد تكفلها بالأطفال والعجزة دون ذكر السن المحدد لهاتين الفئتين، فذلك دليل على غموضه من جهة، وتهميشه للطبقات قليلة الدخل من حرفيين وعمال بسطاء من غير المسجلين في الضمان الاجتماعي، ما يطرح تساؤلا كبيرا حول مصير هذه الشريحة وموقعها من العلاج المجاني. وفي السياق ذاته عبر محدثنا عن قلقه الكبير من التلاعب بهذه النقطة المهمة، التي إن تم تجاهلها فذلك ما سيخلق فوضى ومشاكل كبرى للمواطن البسيط. وإذا كان المقصود من هذا القانون تحديد فئات دون أخرى من المواطنين الذين يستفيدون من مجانية العلاج، فإن ذلك سينعكس مباشرة على باقي الشرائح الأخرى، حيث يقول البروفسور خياطي إن هذا الغموض الذي يشوب القانون يجعل من التغطية الصحية غير كاملة، باعتبار أن بعض الفئات تدفع نصيبا من التكلفة يقنن فيما بعد، ما يجعل دفع شطر واحد من عملية جراحية يكلف في الغالب ما يقارب 70 ملايين سنتيم كشطر بسيط من قيمة العملية التي تتجاوز 200 مليون سنتيم، وهو ما لا يمكن للمواطن البسيط ولا حتى متوسطي الدخل أن يدفعوا قيمته، وهو ما لفت إليه محدثنا، داعيا نواب البرلمان الذين يمثلون الشعب إلى تحمل مسؤولية الدفاع عن هذا المكسب، من خلال تحري مصلحة المواطن خلال مناقشته في جلسات البرلمان ابتداء من 13 نوفمبر الحالي. الاختيار بين القطاع العام والخاص يحبط آمال الكفاءات يحمل مشروع قانون الصحة الجديدة بين طياته مواد متعلقة بتنظيم القطاع الصحي بشقيه العام والخاص، حيث يحتم على العاملين في المجال الصحي الاختيار بين العمل في القطاع العام أو الخاص، وإن كان الهدف من هذا الإجراء هو منع التجاوزات التي تحصل في المستشفيات العمومية، من تهريب المرضى والعتاد وتحويلهم إلى العيادات الخاصة، أين يزيد ربح الطبيب الذي يتخلى في كثير من المرات عن أخلاقيات المهنة ليتحول إلى ”تاجر” همه جمع المال على حساب صحة المريض، إلا أن قرار إجبارية الاختيار بين القطاعين يقلق القائمين على الصحة في الجزائر، ومنهم الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، وعلى رأسها مصطفى خياطي الذي قال إن هذا القرار سيشكل حالة من الفوضى لا مثيل لها، من خلال استنزاف المستشفيات العمومية من الكفاءات والخبرات التي تختار دون شك هجرة القطاع العام والعمل في عيادات خاصة تجني من خلالها أضعاف الفتات الذي تجمعه في المستشفيات الحكومية. ويضيف محدثنا أن الضغط الذي يعانيه الأطباء في القطاع العام يجبرهم على اختيار البديل الآخر، حيث اعتبر أن معاملة الأطباء بشكل مجحف تجعل من الإجراءات الجديدة حافزا لتهريب الكفاءات، حيث ذكر محدثنا أن القطاع العمومي لا يشجع المجهودات البناءة، ذاكرا أن أكثر من 20 ألف جزائري ينتظرون زرع الكلى. وفي الوقت الذي تمكن مستشفى باتنة خلال سنة 2015 تم إجراء 108 عملية زرع كلى، لم يجر مستشفى قسنطينة سوى عمليتين فقط خلال نفس السنة، فكيف يعقل أن يأخذ الجراحون في المستشفيين المختلفين نفس الأجرة، وهو ما اعتبر أنه محبط للكفاءات ومثبط للعزائم. وأضاف البروفسور خياطي أن بعض الإجراءات المتسرعة، على غرار إلغاء رئاسة الأقسام لمن تجاوز سنهم 67 سنة مثلا، يجعل من تنحية الكفاءات أمرا في غاية السهولة، وهو ما يدفعهم لمغادرة القطاع العام نحو الخاص، خاصة الجراحين منهم، والذي يضمن لهم منصب وأجرة مناسبة لسنوات الخبرة التي لا تقدر بثمن. وفي السياق ذاته اعترض محدثنا على مرونة القوانين واستباحتها من طرف الجميع، منتقدا أن يقوم كل وزير بإلغاء قانون وإضافة آخر، مشددا أن القانون في الأصل لا يمكن أن يلغى إلا بقانون آخر، داعيا إلى الحفاظ على هيبة القوانين. تبذير صريح للأموال في عز التقشف رغم كون إنشاء لجنة وطنية لزرع الأعضاء ليس بالأمر الجديد، حيث تم العمل به كإجراء موجود منذ زمن تحت مسمى ”وكالة وطنية لزرع الأعضاء”، وهو ما اعتبره البروفسور خياطي مجرد إجراء لتبذير الأموال ليس إلا، مشيرا إلى أن هذا الإجراء مكلف جدا ولا يتلاءم مع إجراءات التقشف التي تطبقها حكومة سلال، مضيفا أن إنشاء 6 أنواع من المستشفيات وتصنيفها إلى درجات لا معنى له، قائلا في السياق ذاته:”السؤال المطروح من قال إن المستشفى الجامعي لبشار مثلا أحسن من مستشفى القبة، لكون الأول جامعي فذلك لا يعني أنه يقدم مستوى أعلى من الخدمات”، حيث دعا محدثنا إلى ضرورة تقييم المستشفيات من حيث نوعية الخدمات. كما دعا البروفسور خياطي إلى التخلي عن فكرة تكوين شبه الطبيين من طرف الوزارة، قائلا إن الجامعة أولى بتكوين وتأطير هؤلاء لما يتوفر لديها من وسائل مادية وبشرية، تغني الخزينة عن إنفاق تكاليف باهظة، إضافة إلى أن وزارة الصحة لا تملك الخبرة الكافية للتأطير. ودعا البروفسور خياطي إلى وضع رزنامة ترتيب النقاط، حيث أشار إلى أن فكرة إنشاء منظومة إعلام وطنية تسمح بترتيب الامور أمر مكلف جدا، ولا يسمح برفع التقارير إلى البرلمان إلا كل سنوات، وهي مدة طويلة حسب تقدير محدثنا الذي أكد التقرير يجب أن يكون سنوي ليتيح تصحيح الأخطاء وتقويم العيوب، منتقدا دفع الميزانيات الضخمة دون متابعة ميدانية للخدمات المقدمة، في عز زمن التقشف الذي يظهر تبذيرا واضحا وصريحا للأموال دون تقديم خدمات واضحة، فكل القرارات خيالية تتخذ من المكاتب دون معاينة ميدانية.