شنت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في افتتاحيتها ليوم أمس، هجومًا لاذعًا على الزعيم الكوبي الرّاحل فيديل كاسترو، قالت فيه أنّ ”ملاك الفقراء” خلّف وراءه إرثا فظيعا. ولفتت الصحيفة إلى أنه على خلافا لحياة الزعيم الكوبي الطويلة المشحونة بالعنف الشفهي والجسماني، كانت وفاته عن عمر ناهز 90 عاما على ما يبدو بسلام. وأضافت أنّه لم يكن متوقعا أن تكون تلك نهاية ”الديكتاتور الشيوعي” الذي حكم كوبا بيد من حديد منذ عام 1959، إلى غاية تسليمه السلطة مجبرا لا مخيرا لشقيقه راؤول، في عام 2006، بعدما أنهكه المرض، إذا ما نظرنا الى حياة كاسترو المضطربة والمحفوفة بالأعداء، بما في ذلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي يبدو أنه سرت لخبر موته بعد سنين العداء.يذكر أنّ الزعيم الكوبي نجا من محاولات اغتيال عديدة وعاصر وهو في السلطة تسعة رؤساء أمريكيين، حيث تسلم السلطة بينما كان دوايت أيزنهاور رئيسا للولايات المتحدة وتركها أثناء الفترة الرئاسية الثانية لجورج بوش الابن.وتابعت الصحيفة في افتتاحيتها أنّ فيديل كاسترو خلّف إرثا عمره ”57 عاما من الثورة” ألقى بظلاله على الملفات الدولية، ولا سيما في أمريكا اللاتينية، وأنّه ”تحوّل في السنوات الاخيرة إلى متحف متهالكة قطعة على الطراز السوفييتي الشمولي”، وأنه على الرغم من اعتراضات الزعيم الكوبي، فقد حاول شقيقه راؤول الحفاظ على النظام وتكييفه مع المتغيرات على الساحة الدولية، من خلال تفتحه على الولاياتالمتحدة، وأن تلك الخطوة لاقت ترحيبا واسعا من لدن الرئيس باراك اوباما. كما جلبت المبادرة بعض الدولارات والسياح لكنها لم تضع حدا لقمع حريات التعبير والتجمع وغيرها من حقوق الإنسان الأساسية.وقالت واشنطن بوست في افتتاحيتها إنّ كوبا في عهد فيديل كاسترو تتباهى بالسيادة والاستقلال عن الولاياتالمتحدة، وأنّ قطاع الصحة العمومي، ومحو الأمية عرفا مؤشرات خلال حكمه أفضل من كثير من تلك المحققة في دول أمريكا اللاتينية (وكان الأمر كذلك حتى قبل الثورة).وترى الصحيفة أن الشعب الكوبي دفع ثمن تلك ”الإنجازات” باهظا أعلى بكثير مما كان يتوقعه عندما تعهّد كاسترو بهافانا، باستعادة الحريات السياسية المسلوبة تحت الديكتاتورية المدعومة من طرف واشنطن، والتي تمكن من إسقاطها، في الأول من يناير 1959 عندما أطاح على رأس مجموعة ”باربودوس” (أصحاب اللحى) بفولغينسو باتيستا الذي كان يحكم الجزيرة منذ 1952، وأقام كاسترو جمهورية موحدة اشتراكية بقيادة الحزب (الواحد )الشيوعي الكوبي. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أنه وعلى الرغم من السياسات الاجتماعية والإنسانية ظاهريا بلغ القمع السياسي الذي انتهجه كاسترو أوجه مقارنة بسلفه باتيستا، وأن التجاوزات بدأت بعمليات الإعدام الجماعي لمسؤولين في نظام باتيستا دون محاكمة (تشير إحدى التقديرات إلى إعدام من 15 إلى 17 ألف شخص في تلك الفترة)، واعتقال آلاف من الرجال والنساء المثليين جنسيا، وإرسالهم إلى معسكرات العمل، حيث خضعوا لإعادة تأهيل طبي وسياسي، وتضييق الخناق على المواطنين، والفنانين والكتاب والصحفيين المنشقين وإنشاء محاكمات صورية وإعدامات طالت أعضاء في الحزب الحاكم.وأشارت الصحيفة إلى أن كاسترو اختار في ذلك المدرسة الشمولية المعادية للديمقراطية وللولايات المتحدةالأمريكية بتحالفه مع الاتحاد السوفيتي، وجعل من الجزيرة الكوبية منصة للصواريخ النووية السوفياتية، التي كادت أن تؤدي إلى صدام نووي عام 1962، مضيفة أن الزعيم الكوبي ”موّل حركات تخريبية عنيفة في ست دول أمريكا اللاتينية، حتى في سنين شيخوخته وخرفه، عندما ساعد على جرّ فنزويلا إلى كارثة سياسية واقتصادية برعايته لرئيسها الراحل هوغو شافيز”.ولفتت الصحيفة إلى أنّ الاقتصاد الكوبي قبل كاسترو كان شديد الاعتماد على صادرات السكر وترك الشعب يقبع في الفقر، وأنّ الحظر التجاري الأمريكي الذي فرض على الجزيرة الشيوعية بعد 1961 أعاق ازدهارها. لكن بحسب الصحيفة، كان لكاسترو حصة الأسد من الضرر الذي لحق ببلاده وتسبب في إفقارها من خلال سيطرة الدولة المطلقة على الاقتصاد، والمخططات الاقتصادية الواهية القائمة على المبادئ الاشتراكية، حيث عاشت كوبا الفقيرة والمفلسة في تلك الأثناء على الإعانة السوفياتيّة التي كان عنوانها شراء 10 مليون طن من محصول السكّر من هافانا، والتي توقفت مع وصول ميخائيل غورباتشوف إلى الكرملين.وخلصت الصحيفة في افتتاحيتها إلى أن كوبا وجدت نفسها اليوم، خارج النفط الفنزويلى، والملايين من أموال أولئك الفارين من نظام كاسترو. ومن هذا المنطلق، فإن الثورة الكوبية قامت بدورة كاملة لتعود مجددا إلى أحضان عهد باتيستا. وتستبعد الصحيفة أن يغير رحيل فيديل كاسترو الكثير، وأرجعت ذلك إلى سعي شقيقه راؤول إلى الحفاظ على النظام وتوطيده. لكن ومع ذلك سيعطي رحيل من ظل شوكة في حلق واشنطن، على مدى 50 عامًا، زخما إضافيا للإدارة الأمريكية الجديدة كي تعيد التفكير في أفضل السبل لتعزيز حرية التجارة وتحسين العلاقات مع ”الأمة الموهوبة و المدمرة” التي خلفها فيديل كاسترو. يذكر أنّ الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو توفي مساء الجمعة في العاصمة هافانا عن عمر ناهز 90 عاما. وجاء الإعلان عن وفاة كاسترو بعد ثلاثة أشهر على احتفالات كوبا بعيد ميلاده ال 90 حيث نظمت احتفالات حاشدة في العاصمة هافانا في 18 أوت الماضي شارك فيها الآلاف واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وتزامنت مع كرنفال هافانا السنوي. وظهر كاسترو علنا خلال الاحتفال إلى جانب شقيقه راؤول والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. ورغم استهدافه من طرف الإدارة الأمريكية وحلفاؤها ووصفه ب”الشيطان”، إلا أنه ظل يحظى بمكانة فريدة في قلوب عشاق الاشتراكية في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، حتى وفاته.