ووري الثرى ظهر الخميس الماضي، جثمان فقيد الأغنية الشعبية أعمر الزاهي بمقبرة القطار في الجزائر العاصمة، في جو جنائزي مهيب وبحضور حشود من المحبين والمقدرين لعطاء الرجل على مدى سنوات عديدة. وصل جثمان الفنان إلى المقبرة القديمة للقطار مسجى بالعلم الوطني بعد الصلاة عليه بمسجد ”البراني” بباب جديد بالقصبة، بحيث تجمع عشاق ومعجبو الفنان عميمر أمام بيته بالعاصمة منذ الإعلان عن وفاته الأربعاء. وتوفي عميد أغنية الشعبي عن عمر ناهز 75 عاما، بعد ظهر الأربعاء بمنزله بالجزائر العاصمة، وكان الفنان المعروف اعمر الزاهي قد دخل المستشفى شهر سبتمبر الفارط بالعاصمة بعد إصابته بوعكة صحية. وكان من المنتظر تحويل الفنان إلى مؤسسة استشفائية خارج الوطن لتلقي العلاج، حسبما صرح به وزير الثقافة عز الدين ميهوبي قبل عشرة أيام في صفحته على الفايسبوك، إلا أن الموت سبق رحلة العلاج ليعلق الكثيرون إن لم نقل أغلبية جمهور الزاهي بجملة واحدة: ”عاش مرفوع الراس ومات شامخاً”، فهو حبيب الفقراء والشباب، وظاهرة فنية في الجزائر، كيف لا وقد اختار طريقاً مختلفاً عن باقي الفنانين، بعيداً عن الأضواء والمؤتمرات الصحافية والمهرجانات واكتفى بحياة الفنان الشعبية والغناء في الأعراس والحفلات لدى الجيران والأحباب”. وظهر الزاهي مرات تعد على الأصابع في التلفزيون والإذاعة الرسميين، كما سجل ما لا يزيد عن سبع أسطوانات فقط”، لأنه كان يرى أن ”عالم الأضواء صنع لغيره وأن عالمه هو الجزائر العميقة والبسطاء”، ويلفت إلى أن ”مختلف القصائد التي تغنى بها تشجّع على التسامي بالروح عن كل الرذائل، ومن بينها ما جاء في قصيدة العربي المكناسي: مول الغتبه حاز خمس عيوب كبارْ خذ القول الصحيح، وأفهم تعبارُه العجب والكبر والحسد يعميوا الأبصارْ مثل المكلوب سل عينه باظفارُه بالكذب والنفاق كان خلا دارُه”. وتعلق الكثيرون به، خصوصاً في الأحياء الشعبية، فأغانيه كانت تصدح في المقاهي والأعراس، بحكم أنه تربى في حي شعبي، حيث يرى الحفلات التي يحييها بسيطة جداً وجمالها في بساطتها” ويعد الراحل ”فنان الشعب”، لأنه شخصية بسيطة ويحيي الحفلات حتى على الأسطح ومن دون بروتوكولات وشروط تعجيزية، لذلك استطاع جذب الأضواء أكثر من غيره وكسب أكبر شريحة من الشعب، من دون ديكورات ولا تسويق وإعلانات”. وبدأ اعمر الزاهي وهو أحد أعمدة الأغنية الشعبية العاصمية، وإسمه الحقيقي اعمر آيت زاي، مسيرته الفنية مع نهاية الستينات بتبني طريقة فنان كبير آخر هو بوجمعة العنقيس ”1927-2015”. وعرف الفنان ببساطته وتواضعه وبإحيائه لحفلات عائلية على مر أكثر من خمسين عاما من مساره الفني، وكان آخر ظهور له على الساحة الفنية في 1987 حينما أحيى حفلا بقاعة ابن خلدون بالجزائر العاصمة. وحظر جنازة مطرب الفقراء ”اعمر الزاهي”، كل من وزير الثقافة عز الدين ميهوبي والفنان عبد القادر شاعو والمجاهد ياسف سعدي والباحث الموسيقي عبد القادر بن دعماش وبعض الوجوه الرياضية على غرار علي بن شيخ ومحي الدين خالف، وحضور إعلامي كبير وناهيك عن وسائل الإعلام الأجنبية. ونشير أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بعث برقية تعزية لأسرة الفنان اعمر الزاهي الذي وافته المنية ظهر يوم الأربعاء الماضي، حيث أكد من خلالها أن الجزائر فقدت برحيله أحد أعمدة الغناء على مدى عقود طويلة، بحيث سيظل قدوة للمبدعين ومعينا يمكنهم من المزاوجة بين الأصالة والحداثة. وكتب الرئيس بوتفليقة في برقية التعزية ”تلقيت بأسى وأسف نبأ انتقال المغفور له الفنان اعمر الزاهي إلى جوار ربه تعالى، هذا المبدع الذي أمضى حياته في خدمة التراث الموسيقي الوطني، أثرى المشهد الثقافي برصيد معتبر من الأغاني والألحان التي حفظها الجمهور وتمتع بها محبو الفن الشعبي”. كما أكد رئيس الجمهورية بأن الفقيد كان من الفنانين الذين ”تميزوا وأبدعوا روائع جميلة تنم عن فن أصيل، فغنى لشعراء الفحول، منتقيا الكلمة المؤثرة والحكمة البليغة والأداء الرفيع بما تطرب له الأذن ويسمو به الذوق”. وختم رئيس الجمهورية برقية التعزية بالقول ”نسأل المولى الذي عمت رحمته العالمين، أن يغدق عليه من خزائن رحمته ثوابا ومغفرة وأن يلهم أهله وذويه وكل الأسرة الفنية صبرا جميلا وسلوانا عظيما، وإذ أقف إلى جانبكم في هذا المصاب الجلل، أعرب لكم جميعا عن تعازي الخالصة ومواساتي الصادقة”.