إذا اخترنا عنوانا لسنة 2016 وما ميزها من أحداث ثقافية، يكون ”عام الرحيل” هو الأبرز، لأننا فقدنا فيه ثلة من المبدعين الذين رسموا ملامح المشهد الثقافي في الجزائر والعالم العربي والعالم ككل.. أعمر الزاهي، الحاج محمد الطاهر الفرڤاني، فتح النور بن براهيم، مالك شبل، بوعلام بسايح، الطاهر بن عيشة، محمد الميلي، محمد خان، محمود عبد العزيز، بشير حمادي.. وغيرها من الأسماء التي رحلت عنا تاركة فراغا رهيبا في المشهد الثقافي لا يملؤه إلا حضورها. عرفت سنة 2016، خصوصا في الشهرين الأخيرين، رحيل عمالقة الفن في الجزائر والعالم العربي، أسماء تركت بصمة كبيرة في مجالها، ورحل عنا في هذا الشهر أيقونة فن الشعبي محبوب البسطاء أعمر الزاهي عن عمر ناهز 75 عاما، وكان الفنان المعروف قد دخل المستشفى شهر سبتمبر الفارط بالعاصمة بعد إصابته بوعكة صحية. وكان من المنتظر تحويل الفنان إلى مؤسسة استشفائية خارج الوطن لتلقي العلاج، حسبما صرح به وزير الثقافة عزالدين ميهوبي قبل عشرة أيام في صفحته على فايسبوك. وبدأ اعمر الزاهي وهو أحد أعمدة الأغنية الشعبية العاصمية، واسمه الحقيقي اعمر آيت زاي، مسيرته الفنية مع نهاية الستينات بتبني طريقة فنان كبير آخر هو بوجمعة العنقيس. وعرف الفنان ببساطته وتواضعه وبإحيائه لحفلات عائلية على مر خمسين عاما من مساره الفني، وكان آخر ظهور له على الساحة الفنية في 1987 حينما أحيا حفلا بقاعة ابن خلدون بالجزائر العاصمة. فنان آخر رحل منذ أيام فقط هو عميد أغنية المالوف الشيخ محمد الطاهر الفرڤاني، عميد أغنية المالوف، الذي وافته المنية عن عمر يناهز 88 سنة ويعتبر معلما من معالم موسيقى المالوف لقسنطينة. وقد ولد محمد الطاهر، واسمه الحقيقي رڤاني، يوم 9 ماي 1928 بقسنطينة من اسرة موسيقيين، وكان والده الشيخ حمو فرڤاني (1884-1972) مغني و ملحن معروف في نوع الحوزي. فتح النور بن براهيم واحد من الأسماء التي تألمت الساحة الثقافية لرحيله، لأنه يعد واحدا من أكبر النشطاء في الحركة المسرحية الجزائرية، وعانى الراحل من مرض السرطان الذي كافح من اجل الشفاء منه ولكنه رحل في الأخير تاركا فراغا رهيبا لدى محبيه. المفكر الجزائري مالك شبل هو الآخر رحل عن هذا العالم، وهو مفكر أقام في فرنسا واختص في الأنثروبولوجيا ودراسة الأديان، عرف بأفكاره التي تدعو إلى ”الحداثة الإسلامية”، وهو صاحب فكرة ”إسلام التنوير”. بوعلام بسايح.. هذه القامة الكبيرة في مسار الجزائر السياسي والتاريخي والثقافي، انتقل إلى جوار ربه. وعرف بسايح، المولود عام 1930، الطريق إلى العمل الثوري مبكرا، حيث كان عضوا بالأمانة العامة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية بين عامي 1959 إلى 1962، ويعتبر بسايح سياسيا محنكا ودبلوماسيا سابقا وكاتبا، وأطلق رئيس الجمهورية اسمه على أوبيرا الجزائر. الطاهر بن عيشة المفكر الموسوعة والعلبة السوداء للثقافة الجزائرية، ودع هو الآخر هذا العالم عن عمر ناهز 91 عاما، إثر معاناة مع المرض الذي لازمه. ويعد الراحل، واحدا من الذين تدرّجوا الحلم فبلغوه بهدوء، ويوصف بأنه شاهد كبير، شاهد رأى بأم عينه مختلف التحولات الكبيرة والصغيرة التي شهدتها الجزائر، لأنه كان صديق المثقفين. اسم آخر رحل هذا الشهر، هو المجاهد والدبلوماسي والمثقف محمد الميلي، الذي توفي في باريس بعد معاناة مع المرض. ويعد محمد الميلي قامة ثقافية وفكرية وإعلامية، تشبع بثقافة الحركة الوطنية والإصلاحية، وعايش الثورة كفاعل إعلامي فيها ومن النخب الوطنية التي أسهمت في بناء دولة الاستقلال. يملك العديد من المؤلفات التي تدخل في صميم الثقافة الوطنية، تثبت أن هذا الرجل ترك بصمة كبيرة في مسار الحركة الثقافية الجزائرية وترك بصمته كذلك في المؤسسات التي أدارها سواء في المجال الإعلامي وفي المجال الثقافي. ونذكر أيضا رحيل الفنان والنائب السابق، أحمد بن بوزيد، المدعو ”الشيخ عطا الله” الذي وافته المنية إثر حادث أليم أودى بحياته وهو في أوج العطاء والتألق، فالفنان الموهوب نجح بأسلوبه العفوي الصادق في منح التراث البدوي قيمة مضافة في الساحة الثقافية والفنية من خلال البرامج والخيمات الشعبية، قام بخدمة التراث الوطني الأصيل. وفقدت الجزائر أيضا في 2016، أحد أعمدة الأغنية الشعبية القبائلية، لوناس خلوي، وأثرى الفنان طوال مساره الفني الأغنية الشعبية القبائلية مستلهما من أعمال عمالقة الفن الذين سبقوه أمثال الشيخ الحسناوي، الذي ظل مثله الأعلى، وسليمان عازم، شيخ أعراب، بويزڤارن، أكلي يحياتن، وشريفة، وحنيفة وغيرهم من الفنانين الذين تركوا بصماتهم في التراث الجزائري الأصيل. كما نذكر رحيل الفنان صحراوي محمد المعروف ب”محند اوبلعيد” الذي يعتبر أحد أعمدة الفن الشاوي الأصيل، فهو من الأوائل الذين خاضوا تجربة الفن الشاوي المستمد من التراث، إذ تغنى كثيرا بالثورة الجزائرية ومثل الاغنية الشاوية في العديد من المهرجانات المحلية والدولية التي مكنته من اكتساب مكانة مميزة في الوسط الفني. كما رحل سنة 2016 عازف الكمان واستاذ الموسيقى الاندلسية ”مامد شاوش”، ويعد رصيد الفنان جد حافل بالإنجازات الموسيقية التي ستخلد اسمه ضمن أسماء المبدعين على المستوى الوطني، خاصة أن الفقيد قد تميز بوجوده وعطائه الفني ابن ثورة التحرير، حيث التحق بالجمعية الفنية الحياة سنة 1946 التي كان ينتمي إليها المغني والموسيقي أحمد سري، كما التحق بعد الاستقلال بتدريس الموسيقى بمعهد الموسيقى بالجزائر العاصمة. ورحلت أيضا الشاعرة والمبدعة الجزائرية المقيمة بتونس آمال جبران، التي ظلت طول مسيرتها الإبداعية تكتب للإنسان وللوطن والغربة، حاملة هم وطنها وهويتها وتاريخها. وليس بعيدا عن الجزائر، أسماء كبيرة رحلت هذه السنة وتملك رصيدا كبيرا في الفن العربي مثل المخرج المصري الكبير محمد خان الذي رحل شهر جويلية الفارط، بالإضافة إلى الفنان المصري الكبير محمود عبد العزيز والموسيقار اللبناني ملحم بركات، ليلتحق بهم قبل أيام فقط الممثل المصري الكبير جميل راتب. كما فقد الفن العربي والجزائري أحد كبار الملحنين تيسير عقله، والذي ارتبط اسمه بالفن الجزائري، فالفقيد الذي توفي عن عمر ناهز ال77 سنة، كان صديقا للجزائر وللثورة التحريرية، فالجزائر احتضنته لمدة أربعين سنة أبدع خلالها في الموسيقى العربية ولحن عدة أغاني وطنية خالدة للجزائر، وعرف بأغنية ”يا ثورة الأحرار” التي أدتها الفنانة الراحلة صليحة الصغيرة.