يعيش الجزائريون أيام برد شديدة بجميع الولايات، ليكون المطبخ الفضاء الرئيسي الذي تقبل نحوه ربات البيوت لإعداد وجبات ساخنة ودسمة، تضمن دفئا للجسم ونكهة لا تضاهى في جو عائلي، خاصة وأن إعدادها يكون بتخزين العولة التي تحفظ ماء الوجه إذا سدت الثلوج الطرقات. تغمر بيوت الجزائريين هذه الأيام روائح أطعمة تقليدية شعبية، وكلها تسد الجوع ومفيدة للصحة، مثل طبق ”تيكربابين”، ”أفطير أوقسول”، ”الكسكسي”، ”حساء العدس”، ”حساء اللوبياء بالكرعين”، مرق أبيسار بالكسكسي، البركوكس، وغيرها من الوجبات الساخنة، التي تشعرك بدفء المنزل قبل تناولها. وتعتبر وجبات المناطق الجبلية ذات شهرة كبيرة حتى بالمدن الساحلية، لأنها صحية وغير مكلفة. وهو ما جعل محلات البيتزا تغلق أبوابها قبل الساعة السابعة مساء لتراجع الزبائن إلى حد كبير، فمن الذي بإمكانه الاستغناء عن لذة أطباق المائدة المحلية، هذا ما لمحناه في كثير من الأماكن التي تدل فيها عبارات الشباب على شوقهم لدخول البيت بعد العمل كعبارة ”ليوم تع لوبيا”، ”اليوم ما يسلكها غير البركوكس”، كما أن ربات البيوت العاملات تجتهدن للعودة في أقرب وقت ممكن لتحضير واحد من هذه الأطباق لأن إعدادها يتطلب مراحل قد لا يكون بعضها من نصيب أفراد العائلة إلا في يوم إجازتهن. ”تيكربابين”.. وجبة تقليدية جبلية تجد طريقها نحو بطون الجزائريين كان طبق ”تيكربابين” التقليدي محصورا في ناحية منطقة القبائل وتحديدا بني ورتيلان، التي كانت الوحيدة على المستوى الوطني التي تقوم النسوة بها بتحضير هذا الطبق، وهو لا يتطلب مكونات كثيرة، لكنه غني بالخضر الموسمية مثل الجزر، والبطاطا، والخرشف، والقرعة، وبإمكان الاستغناء فيه عن اللحم، فهو يتماشى مع ميزانية جميع الأسر، ويستعمل فيه الدقيق لصنع كريات ممزوجة بالأعشاب الغذائية العطرية مثل النعناع اليابس، والمعدنوس، وكذلك تخلط معه كمية من الشحم الذي تم تخزينه من أضحية عيد الأضحى، وجمع الدقيق مع كل تلك المكونات يكون بالمرق حتى تكون للكريات نكهة خاصة، أما حجمها فيكون متوسطا. وطبق ”تيكربابين” هو نمط من الأكل البطيء التقليدي الذي تزخر به الثقافة الجزائرية، ورغم كل الأطباق التي تم استوردناها إلا أن أطباق الأجداد هي المرجعية الأساسية. قد يعتبر البعض أن تحضير الأطباق الشتوية الجزائرية يتطلب جهدا ووقتا لتعلمها، لكنها لا تستدعي سوى التركيز وحب إعدادها، كما أن الحبوب الجافة جزء مهم من المكونات التي يعد بها المرق وهي مهمة جدا، لاحتوائها على نسبة عالية من البروتين والحديد، ما يجعل الاستغناء عن اللحم أمرا عاديا، كما أنها أطباق تمنح الجسم حرارة في موسم البرد وتشعر بالشبع لمدة طويلة. إلى جانب ”تيكربابين” يعتبر مرق ”أبيسار” المرافق للكسكسي من أنواع المرق اللذيذة والصحية، والدليل على ذلك أن جداتنا كن يحضرنه للمرأة التي تكون في فترة النفاس، لأنه يمنحها الطاقة ويمكن احتساؤه بدون إضافته للكسكسي، وهو مرق يتم تحضيره من الفول اليابس أو المعروف محليا ب”الفول لمدشش”، ويطبخ المرق بلحم الدجاج. لتكون هذه الأطباق وغيرها موعد الجزائريين في وجبة عشاء ساخنة.