نعت الأوساط الأدبية والثقافية في العراق الناقد ناظم السعود، عراب الصحافة الثقافية والأدبية، الذي رحل عن الدنيا عن عمر 61 عاما بعد صراع مرير مع المرض في إحدى قرى محافظة كربلاء، التي لجأ إليها هروبا من الطائفية التي نشبت عام 2006، وقد قتله إهمال المؤسسات الثقافية الجاحدة. ويعد الناقد الأدبي والثقافي ناظم السعود رمزا من رموز الأدب العراقي والثقافة العراقية لمسيرته الطويلة المميزة خاصة في عقد التسعينيات، حيث كان الأكثر مشاكسة فيها وموضوعية في الطرح والتعبير لاسيما في رصده لأحوال الحركة الثقافية وتوجيه النقد البناء في قراءة نتاج الأدباء وما يدور في الوسط الأدبي من ظواهر ويشار إليه بالبنان حين يأخذ بيد الناشئين من الأدباء والكتاب والصحافيين، فنشر نتاجاتهم وأسهم في تعريف الوسط الثقافي بهم، حتى صار الأشهر بين مثقفي العراق لعلاقاته الواسعة مع أدباء ومثقفي العراق الذين كانوا يتفاعلون مع كتاباتهم لثقتهم العالية به. والراحل ( ناظم سعود العامري) من مواليد محافظة بابل 1956، أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في بغداد، سافر نهاية السبعينيات إلى النمسا وعاش فيها نحو سنتين، وكان يراسل من هناك مجلة (الإذاعة والتلفزيون) ومن ثم (فنون) باسم (اسعد العربي)، ومنها حاول إكمال دراسته الجامعية بالفلسفة في القاهرة عام 1981 إلا أن وزارة التربية العراقية رفضت إعطاءه تأييدا بشهادة الإعدادية إلا بحضوره شخصيا، فلما حضر اعتقلته السلطات في مطار بغداد الدولي وطلبت منه أن يؤدي الخدمة العسكرية بسبب قيام الحرب العراقية الإيرانية عام 1980. بدأ حياته الأدبية عاشقا لقراءة الكتب وحسب قوله ”بدأت أول الأمر مع الأدب فكتبت مسودات في الرواية والشعر، لكنني حين اطلعت مليا على ما كتبت ووجدت نفسي لا أصلح للأدب فمزقت مخطوطاتي السابقة، واتجهت من وقتها اتجاها معاكسا (من الذاتية إلى الموضوعية) وقررت أن اكتب عن الآخرين وإبراز جهودهم والدفاع عنهم، وهكذا اكتشفت أن حقل (الصحافة الأدبية ) هو القريب إلى نفسي والقادر على إخراج ما ادخرته من لغة وسلوك وثقافة وجدل مع نصوص وحيوات الآخرين”. احترف السعود العمل في الصحافة عام 1978 (الصحافة الثقافية والأدبية تحديدا) ولم يزل، وقد عمل في مختلف المسؤوليات الصحفية والمهنية وفي عدد كبير من الصحف والمجلات العراقية: محررا- مسؤولآ على صفحات وأقسام ثقافية - مشرفا على ملاحق - مديرا للتحرير ثم رئيسا للتحرير. كما كتب واستكتب لعدد غير قليل من الصحف والمجلات العربية مثل القدس العربي والعرب اللندنيتين، الاتحاد الظبيانية، الصدى الإماراتية، الدستور الأردنية، الآداب البيروتية، نزوى العمانية، الصحافة التونسية وضفاف النمساوية. احتفت به مختلف الأوساط الثقافية الرسمية والمنظمات الجماهيرية وأقيمت له عدة ندوات احتفاء بسيرته الثقافية ،كما أطلقت عليه مجموعة من الألقاب منها: رائد الصحافة الثقافية / المحرر الثقافي الأول / الكاتب المشاكس/ شيخ الصحافة العراقية ورئيس نقابة المثقفين الفقراء وعراب أدباء الهامش . أصدر ثمانية كتب حتى الآن هن على التوالي: مدارات الأسئلة / الريادة الزرقاء. سحر الأيقونة. الرائي. الآخرون أولا. ج1. الآخرون أولا.ج2. جاسم المطير.. قاصا. الوجه المغيّب، ولديه كتاب ثامن قيد الطباعة سيصدر في مدينة النجف تحت عنوان ”لا صحافة أدبية في العراق”. قال عن نفسه.. ”عشت طوال حياتي المهنية وقد اقتربت من الأربعين سنة وأنا أنشد هدفا واحدا: أن أكتشف أصواتا جديدة في الأدب والفن والصحافة وارفدها للساحة الثقافية المناسبة لها بعد أن أهيئ الأسباب لذلك، وحين أراجع - بشكل سريع - ما خلفته هذه المسيرة برغم المعاناة الني لمستها أنا وكثير من الذين صادفتهم وأوضحت فواجعهم، أستشعر اطمئنانا داخليا على صواب النهج الذي خططت له منذ البدء ، وإنني ماض في الطريق ذاته لما تبقى من عمري للكشف عن الكنوز التي تضمها هذه التربة ويتم التجاهل لها”.