يؤكد المختصون في علم الاجتماع، أن ظاهرة العنف الأسري جاءت نتيجة للحياة العصرية، إذ أن من ضرائب التنمية والتحضر ظهور مشاكل اجتماعية لم تكن موجودة في المجتمعات التقليدية• ويضيف المختصون أنه في مرحلة ما قبل التنمية كانت قضايا العنف الأسري أقل بسبب نمط الأسرة الممتدة التي يوجد فيها الأب والأم والأبناء وأبناء الأبناء وزوجات الأبناء، وهذا هو النمط الذي كان سائداً في ذلك الوقت• وفي ظل هذه الأسرة، تكون السلطة الأسرية موزعة على الأفراد بطريقة شبه متساوية، الأمر الذي يشكل حماية لأفراد الأسرة من تسلط شخص واحد، وإذا حصل اعتداء من شخص من أفراد الأسرة على آخر، فسوف يجد المعتدى عليه مصادر عديدة للدعم والمساندة الاجتماعية فيسهم ذلك في تخفيف مصابه• ويعتقد المهيزع أن تعاون أفراد الأسرة البالغين في أمور الإعالة، يخفف من عوامل الضغط النفسي والإحباط، وهي من المنابع الأولية لمشكلة العنف الأسري• ويرى العلماء أن الحياة في زحام المدينة واشتداد المنافسة على فرص العمل وازدياد الاستهلاك مع ضعف الموارد وانخفاض المدخول وتراكم الديون على الأفراد وعجزهم عن تلبية متطلباتهم الأساسية وضعف الروابط الأسرية، كلها مجتمعة تعد المنبع الذي ينبع منه نهر العنف الأسري• والعنف داخل الأسرة -كما يصفه المختصون هو واحد من أشكال العنف التي توجه نحو واحد من أفراد الأسرة وإيقاع الأذى عليه بطريقة غير شرعية• ويتباين العنف الأسري في درجة الإيذاء النفسي والبدني ويراوح ما بين البسيط الذي يؤدي إلى غضب الضحية والشديد الذي قد يودي بها• عادات مكتسبة ويرجع علماء الاجتماع العنف الأسري من الناحية النظرية إلى سببين رئيسيين هما: التعلم والإحباط، إذ أن العنف والاستجابة بطريقة عنيفة يكونان في بعض الأحيان سلوكاً مكتسباً يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية• حيث أن بعض الدراسات وجدت أن الأفراد الذين يكونون ضحية للعنف في صغرهم، يُمارسون العنف على أفراد أسرهم في المستقبل• ويعتقد أن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير العنف، إذ أن قيم الشرف والمكانة الاجتماعية تحددها معايير معينة تستخدم العنف أحياناً كواجب وأمر حتمي• وكذلك يتعلم الأفراد المكانات الاجتماعية وأشكال التبجيل المصاحبة لها والتي تعطي القوي الحقوق والامتيازات التعسفية أكثر من الضعيف في الأسرة، إذ أن القوي في الأسرة سواء كان أباً أو زوجاً أو أخاً أكبر يتمتع بكل الحقوق والامتيازات التي تضمن له أن يسمعوه ويطيعوا وإلا تعرضوا للأذى الشديد• تبين جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول• وعلى سبيل المثال، تصل نسبة الزوج المعتدي في المجتمع المصري الى 9•71 في المئة حسب دراسة أجراها المركز القومي للبحوث في مصر• ويمارس الرجل عادة حقه في توقيع العنف على المرأة أكانت زوجة أو أماً أو ابنة أو أختاً• وتبلغ نسبة الآباء الذين يمارسون العنف في مصر حسب الدراسة السابقة 6•42 في المئة، فيما تبلغ نسبة الأخ المعتدي نحو 37 في المئة• أما في السعودية، فدلت الدراسات أن 90 في المئة من مرتكبي حوادث العنف الأسري هم من الذكور، وأن أكثر من 50 في المئة من الحالات تخص الزوج ضد زوجته•