يشهد الاهتمام بالأسرة تزايدا مستمرا في الوقت الراهن، نتيجة جملة التحولات التي طالت كافة مجالات الحياة، ورغم أنها أدت إلى تحسين نمط المعيشة، إلا أنها بالموازاة أظهرت للوجود تحديات جديدة تهدد بالدرجة الأولى الدور التربوي للأسرة، خاصة بعد انتشار وسائط متعددة فرضها التطور التكنولوجي والتحضر، الأمر الذي بات يضاعف معاناة المجتمع ككل من خطر الجرائم والانحراف وتهميش الفئات الضعيفة. وفي هذا الإطار، دعا المشاركون مؤخرا في ورشة التفكير حول الإستراتيجية الوطنية للأسرة، التي نظمتها الوزارة المنتدبة المكلفة بشؤون الأسرة وقضايا المرأة، إلى دعم تماسك الأسرة، تحميل الآباء مسؤولية عدم تمدرس الأبناء وتقديم المساعدات الاجتماعية للحيلولة دون تمدرسهم، معالجة المشاكل التي تتخبط فيها الأسرة من خلال دور وسائل الإعلام والمساجد، لاسيما ما تعلق بالطلاق، انحراف الأحداث وتعاطي المخدرات. وأشاروا أيضا إلى ضرورة مشاركة الحركة الجمعوية في العمل التحسيسي حول خطر المشاكل التي تهدد الأسرة، تطوير التكفل بالمسنين وحمايتهم في الوسط العائلي وضمان التكفل بالفئات التي تعاني من صعوبات، فضلا عن إعطاء حق السكن لشريحة العازبين. وفي نفس السياق، أكد المختصون على تعزيز الأحكام الخاصة بإنشاء صندوق ضمان النفقة والمنح، للحفاظ على حقوق الأطفال والنساء، مع إبراز ضرورة تضافر الجهود لضمان نجاح الإستراتيجية الوطنية للأسرة، في مواجهة التحديات الجديدة والتحولات الكبيرة التي مست المجتمع الجزائري.
التفكك أهم مشكلة في الأسرة المعاصرة وجاءت هذه التوصيات التي طرحها المشاركون في اللقاء الذي يهدف إلى إطلاق الإستراتيجية الوطنية للأسرة في مطلع السنة المقبلة، بناء على المعطيات الجديدة التي تميز واقع الأسرة الجزائرية في الوقت الراهن. وتبعا لما يؤكده المختصون في علم الاجتماع، فإن الأسرة المعاصرة تعاني من مشكلات جمة تتعلق بالتفكك زيادة على بروز وسائط جديدة تقلل من فرص التفاعل الأسري، مما جعل المسائل التربوية والأسرية من الضغوطات المستجدة التي تعاني منها الأسرة الحديثة. إن التطورات التي تشهدها العديد من المدن الجزائرية، لاسيما الكبرى، جعلت الأسرة تعاني من ضغوطات ذات طابع مهني، لأن الأبوين أضحايا يفتقدان أوقات الفراغ بسبب تنامي الوقت المستغرق في المواصلات وقضاء الحاجات في المصالح الإدارية والأوساط الحضرية المكتظة، ونتيجة ذلك، تقليل فرص اللقاء بين أفراد الأسرة وتقليص العملية التربوية الأسرية، حيث صارت مؤسسات أخرى مثل دور الحضانة، نوادي الترفيه ومختلف وسائل الإعلام، تتكفل بالدور التربوي مما يلقنهم نشأة جديدة قد تتنافى مع قيم الأسرة، ومن هذا المنطلق يبرز تفاقم ظاهرة التناقض بين قيم الأجيال كمؤشر خطير يهدد الأسرة الجزائرية.
مجتمع المعلومات يؤثرعلى التربية ويرى المختصون في علم الاجتماع، أن أهم ما تتميز به حياة المجتمع المعاصرة، هو أن الثقافة المعلوماتية أصبحت جزءا لا يتجزأ منها عبر كافة مؤسسات المجتمع، ورغم الإيجابيات العديدة التي توفرها شبكة الأنترنت للمشتركين فيها، لكنها بالمقابل تطرح عدة انشغالات عندما يتعلق الأمربدور الأسرة التربوي في حماية أبنائها من الثقافات الغربية المتعارضة منها، هل سيؤدي الأنترنت إلى فقدان الجيل الجديد للمعايير الاجتماعية وتعريضه للانحراف والمشكلات الاجتماعية؟ وهل سيبرز صراع الأجيال داخل الأسرة نفسها بسبب تغير القيم، على أساس أن التكنولوجيا الجديدة والوسائل تمارس ضغطا على الوظيفة التربوية للأسرة؟ وبخصوص أنماط الأسرة الجزائرية، أكدت بعض الدراسات السوسيولوجية على عكس المتوقع، أنه رغم ارتفاع نسبة الأسرة النووية في الوسط الحضري، إلا أنها أكثر ارتفاعا في الوسط الريفي، حيث أن الأسرة الممتدة أكثر انتشارا في الوسط الحضري، وتجد هذه الظاهرة تفسيرها في أزمة السكن التي يعيشها سكان العاصمة، مما يدفعهم إلى التعايش في أسرة ممتدة، في حين تجد الأسرة في المناطق الريفية فرص الانفصال. وفي هذا المجال، أظهرت نتائج دراسة حول واقع الأسرة الجزائرية والتحديات التربوية في الوسط الحضري، أنجزتها مجموعة من الأساتذة الجامعيين خلال السنة الجارية، أن عدد الأسرة الجزائرية يتجه نحو الانخفاض، حيث تمثل الأسر التي لا يزيد عدد أفرادها عن ستة أفراد الأغلبية بنسبة 59.15?، وأن الأسر الحضرية أكثر ميلا نحو خفض الولادات من الأسر الريفية، وهو ما يعود إلى ارتفاع المستوى التعليمي عموما لدى الأسرة، وانتشار الثقافة الصحية الأسرية والأفكار المتعلقة بتنظيم الأسرة.
تأخر تأسيس الأسرة الجزائرية ومن جهته، يرى السيد نصر الدين حمودة، باحث بمركز البحث الاقتصادي التطبيقي من أجل التنمية، أن الظروف المعيشية للأسر الجزائرية عرفت تحسنا ملحوظا على العموم، لكنها تعاني في نفس الوقت من بعض المشاكل التي تؤثر عليها، أهمها مشكل تأخر سن الزواج الذي يعد مؤشرا لمشكل تأسيس الأسرة الجزائرية، إذ يرجع ذلك إلى سببين هما البطالة وأزمة السكن، وعلى هذا الأساس يضطر الأزواج الجدد للتعايش داخل الأسرة الكبيرة، الأمر الذي تنجم عنه عدة مشاكل خاصة، في حالة عدم انسجام الحماة مع الكنة. ولا يمكن عادة للأسرة أن تستقل إلا بعد إنجاب الطفل الثاني، فعبد الاستقلالية تجد نفسها مرة أخرى في مواجهة مشاكل أخرى مالية بالدرجة الأولى، مما قد يسفر عن تسرب الأبناء من المدرسة، لاسيما إذا اتحد ضعف الإمكانيات المادية للأسرة مع بعد المسافة بين المنزل والمدرسة، وهو ما يسود في الأوساط الريفية بصفة خاصة. وبموجب هذه الظروف، يجد الابن المراهق المتسرب من المدرسة نفسه في حالة بطالة، مما يجبر الأسرة على تحمل نفقات معيشة البطال لمدة قد تكون جد طويلة، نظرا لانعدام منح البطالة. ومن ضمن المشاكل الأخرى التي باتت تؤثر على الظروف المعيشية للأسر الجزائرية في الوقت الحالي، اضطرارها لتحمل نفقات الأفراد المسنين، باعتبار أن منح التقاعد لا تشمل كل الجزائريين، بسبب التهرب من دفع الضريبة الاجتماعية في القطاع غير المنظم، وبالتالي عدم المشاركة في صندوق الضمان الاجتماعي.