حينما يقوم الذكر، ولا أقول الرجل، في بيته بصفع زوجته أو بالتلفظ بألفاظ غير لائقة من التي لا ينبغي أن تقال حتى للحيوان، ماذا نسمي هذه الحالة؟ هل هو رجل فعلا يريد أن يقوم بدوره كقائم ومدير وقائد لهذا البيت؟ أم انه إنسان مريض يحتاج أن يوقف عند حده ؟ .. إنها ظاهرة العنف الأسري التي لا تقف للأسف الشديد عند الضحية الأولى وهي الزوجة، بل تتعداها إلى ضحايا أخطر وهم الأبناء الذين يرون أمهم يفعل بهم هكذا. فأي شخصية سوية ستخرجها مثل هذه الأسرة إلى المجتمع؟ لا شك أن الأبناء هم الضحية الأخطر في هذه الحالة، لسبب بسيط جدا هو أنه إذا بدأ العنف في الأسرة، ستدخل هذه الأخيرة في دوامة، إذ يورث من خلالها العنف للأبناء والبنات والله يعلم متى بإمكانهم الخروج من هذه الدائرة. وغالبا ما تكون نهايتها اللجوء إلى الطلاق. ورغم أن هذا الأخير قد يكون في بعض الأحيان حتميا لظروف معينة ، أو ضروريا لحل الكثير من المشاكل التي يعاني منها الزوجان، إلا ان النهاية المأساوية هي تفكيك الأسرة وانفصال الزوجين، وقد تنتهي عند بعضهم بمأساة تؤثر سلبا على حياة الطفل ودفع ثمن انهيار علاقة الوالدين، إضافة إلى نظرة المجتمع التي لا ترحم. فهل هناك خطوات عملية للتعامل مع القضية؟ وما هو دور المجتمع بمؤسساته المختصة؟ هل هناك قوانين موجودة تحمي المرأة ؟ أم هناك إهمال وتفريط عن قصد ؟ وكيف ننشئ أطفالنا في بيئات مأمونة ومستقرة خالية من العنف؟ ظاهرة العنف الأسري ظاهرة عالمية، ولا ترتبط بالعرب والمسلمين، فالدراسات الغربية تقول إن سبعين بالمائة من الزوجات في الغرب يتعرضن إلى نوع من أنواع العنف، وهذا العنف قد يكون لفظيا يعني بالسب والشتم والصراخ وقد يكون جسديا بإيذاء هذا الإنسان بطريقة أو بأخرى. فالموضوع إذا لا يرتبط بنا نحن الجزائريين كي لا يساء فهم هذه القضية، لكن هذه الظاهرة موجودة للأسف الشديد في عالمنا العربي، فالإحصاءات غير دقيقة لسبب بسيط جدا، أن المجتمعات الغربية عندها نظام للتبليغ عن هذه الحالة، أما في مجتمعنا الجزائري فمازالت المرأة تتردد كثيرا في الذهاب إلى الجهات المختصة لمساعدتها، لتبقى تعيش تحت مبدأ الصبر، يعني ''اصبر على هذا الإنسان سنة، سنتين لعله يعقل''، ولكن المصيبة الكبرى إذا كان هذا الإنسان مريضا، فمرضه يتفاقم ولابد من أن يخضع هذا الإنسان إلى نوع من أنواع العلاج. تسجيل 1988 معتدٍ على المستوى الوطني سجل تقرير مصالح الشرطة القضائية وأطلعتنا عليه عميدة الشرطة القضائية السيدة ''خيرة مسعودان ''، أن إحصاءات تسعة الأشهر الأولى لسنة 2009 في العنف الأسري قدر ب 1988 معتدٍ على المستوى الوطني، وفقاً لدراسة صادرة عن المعهد الوطني للصحة العمومية أنجز بالتنسيق مع مصالح الطب الشرعي وطب أمراض النساء والتوليد والطب العقلي، إلى جانب ممثلين عن القضاء الجزائري، شمل 9033 امرأة، 04 على 05 منهن تقل أعمارهن عن 45 سنة، أن 50 % من العنف الذي تعرضن له هؤلاء النسوة تم داخل المنزل الأسري وأن الزوج هو المتسبب في ذلك، فالأزواج ب 876 زوج معتدٍ، الأب ب 29 معتدٍ، الأخ ب 233 أخ معتدٍ، الأبناء ب 332 معتدٍ، وآخرون من العائلة 518 معتدٍ. العاصمة تحتل المرتبة الأولى وطنيا في العنف الأسري ب 382 امرأة هذا وأشارت إلى أن العاصمة احتلت المرتبة الأولى لضحايا العنف ب923 ضحية، وفي نفس الوقت تسجل المرتبة الأولى فيما يخص العنف الأسري بتسجيل حوالي 382 امرأة عاصمية تعرضت إلى العنف الأسري، فالأزواج قدر عددهم ب 146 معتدٍ، الأب 11ب معتدٍ، الأخ ب 63 معتدٍ، الابن ب 44 معتدٍ وآخرون من العائلة ب 118 معتدٍ. لتأتي ولاية وهران في المرتبة الثانية من ناحية العنف الأسري، بتسجيل حوالي 142 امرأة وهرانية تعرضت إلى نوع من أنواع العنف، حيث قدر عدد الأزواج ب 73 زوجا معتديا، الأب معتدٍ واحد فقط، الأخ ب 14 أخ معتديا، وآخرون من العائلة ب 24 معتديا. أما ولاية عناية فتحتل المرتبة الثالثة على المستوى الوطني بتسجيل 65 امرأة عنابية، حيث تصدرآخرون من العائلة القائمة بتسجيل 29 معتديا، ثم تأتي شريحة الأزواج بتسجيل 23 زوجا معتديا، والأبناء ب 8 ابن معتدي، ثم تليها الإخوة بتسجيل حوالي 5 إخوة معتدين، في حين لم يتم تسجيل أي معتدٍ من طرف الآباء. جرائم العنف والضرب في الأسرة الجزائرية تنتشر مقارنة بالسنوات السابقة العنف الأسري في الجزائر، وحسب ما أفادنا به الأستاذ إبراهيمي جمال محامي وعضو بالمكتب التنفيذي بجمعية رعاية الشباب لولاية الجزائر، فإن المرأة الجزائرية تعاني من أنواع مختلفة من العنف منها العنف اللفظي من سب وشتم وعنف معنوي يظهر خاصة في الخيانة الزوجية بالنسبة إلى الزوج، فهنا الزوجة تتأثر وهي من تطلب الطلاق، وكذا الإهمال العائلي. أما العنف الجسدي فهناك قضايا كثيرة على مستوى الجنح والمخالفات لضرب والجرح العمدي بالمحاكم، حيث تتعرض المرأة وحتى أطفالها إلى أبشع أنواع الضرب بكل أنواعه والوسائل حتى السلاح الأبيض، تمت معالجتها على مستوى المحاكم. جرائم العنف في الجانب الأسري في الجزائر تنتشر وتتوسع مقارنة بالسنوات الماضية بالنظر إلى ابتعاد كل الأطراف عن الجانب الأخلاقي والتربوي والقيم، فمثلا الرجل إذا ارتكب جريمة الخيانة الزوجية هنا يكون ابتعد عن الجانب التربوي والأخلاقي والوازع الديني وحتى الضرب هو ابغض الحلال عند الله لان جانب القيم والمبادئ مستمدة من الشريعة الإسلامية أصبحنا نستبعدها وكل ما نبتعد عنها كل ما. ومن الناحية القانونية أشار ذات المحامي إلى أن المشرع الجزائري يتعامل بنوع من الحساسية والمرونة في قضايا مثل هذا النوع، لان أي ردع أو أي زجر ربما يؤثر على الأسرة المتكونة من الزوج والزوجة والأبناء، معطيا لنا مثالا على قضايا الخيانة الزوجية ، أن اغلب الحالات الزوجة أو الزوج يتنازلون عن القضية حفاظا على أبنائهم، وكذا قضايا المخالفات ضرب الزوجة مادة مائة واثنين وأربعين مخالفة وهنا قضايا كثيرة إن كانت شهادة طبية في عجز اقل من خمسة عشر يوما، فهنا نلاحظ أن القضايا مثل هذه إن الزوجة تتنازل حفاظا على أبنائها وعلى الزوج، لأن نظرة المجتمع الجزائري إذا لحقت الزوجة إلى المحكمة تكون نتيجته الطلاق، فتفك الرابطة الزوجية، وهناك أزواج كثر يتسامحون على أساس مصلحة الأبناء. المحاكم تشهد حالات طلاق أكثر للعنف الأسري هذا وقال المحامي وعضو المكتب التنفيذي لجمعية رعاية الشباب على المستوى الوطني ''إبراهيمي جمال''، ان ظاهرة العنف تزداد كل سنة فاغلب الحالات المستجوبة ترى المرأة التي تتعرض للعنف من قبل الزوج، أو الأخ، أو الأب، في هذا التعدي ''أمرا عاديا''، وذلك انطلاقا من التربية التي تلقتها في بيئتها الأسرية، والتي تقوم بعدها بنقلها تلقائيا إلى أطفالها، مما يجعل من هذه الظاهرة دائرة مفرغة''. موضحا أن الأرقام التي آلت إليها نسب الطلاق في الآونة الأخيرة تعكس مخاوف كبيرة تستدعي دق ناقوس الخطر من اجل الحفاظ على تماسك الخلية الأساسية المشكلة للمجتمع، مفسرا الأمر أن مجموع حالات انفصال الرابطة الزوجية مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية، وغير قابلة للطعن طبقا للقانون الأسرة، وتختلف حسب الصيغ المخولة وبأحكام ابتدائية ونهائية وقطع الرابطة بشكل ابدي بين الزوجين، مرجعا السبب الرئيسي في اغلب الحالات هو انعدام أسلوب الحوار بين الزوج والزوجة فأضحى الأسلوب الغالب والسائد هو العنف أكثره لفظي وآخر جسدي. رغم صرامة الإجراءات التشريعية موجة العنف الأسري مستمرة على الرغم من تولي الجزائر أهمية لمقاومة العنف الأسري والوقاية منه والحد من آثاره، وقد شهدت العشرية الأخيرة حركية هامة في هذا المجال، تجسدت على المستوى القانوني في سن تشريعات جديدة مناهضة للعنف، أو في مراجعة أو تعديل أو تنقيح قوانين الأحوال الشخصية والقوانين الجنائية وقوانين الجنسية وقوانين الشغل بما يضمن أكثر عدالة بين الجنسين ويحفظ الحقوق الإنسانية للمرأة، إلا أن أرقام العنف الممارس ضد المرأة في الجزائر لايزال يثير القلق والتصاعد على يد أقرب المقربين، الأب، الأخ والزوج بدرجة أكبر الأبناء وآخرون من العائلة والأقارب خلال السنوات الأخيرة. فالمادة 264 من قانون الأسرة تنص على أن كل من احدث عمدا جروحا لغيره أو ضربه أو ارتكب أي عمل آخر من عمل العنف أو الاعتداء يعاقب بالحبس من ستة إلى سنتين وبغرامة مالية تتراوح ما بين 100 ألف و500 ألف دينار، إذا نتج عن هذه الأنواع من العنف مرض أو عجز كلي عن العمل لمدة تزيد عن 15 يوما. أما المادة 266: اذا وقع الجرح أو الضرب أو غير ذلك من أعمال العنف أو اعتداءات أخرى مع سبق الإصرار والترصد أو مع حمل أسلحة ولم يؤد إلى مرض أو عجز كلي عن العمل لمدة تتجاوز 15 يوما يعاقب الجاني من سنتين إلى 10 سنوات وبغرامة مالية تتراوح ما بين 200 ألف إلى مائة مليون دينار. والمادة 339: يقضي بالحبس من سنة إلى سنتين على كل امرأة متزوجة تثبت ارتكابها جريمة الزنا وتطبق العقوبة ذاتها على كل من ارتكب جريمة الزنا مع امرأة يعلم أنها متزوجة، ويعاقب الزوج الذي يرتكب جريمة الزنا بالحبس من سنة إلى سنتين وتطبق العقوبة ذاتها على شريكته.