بريان، الذي ظن الجميع أن أزمتها انتهت أواخر مارس الماضي واندمل جرحها، عادت من جديد نهاية الأسبوع الماضي لتتصدر أولى صفحات الجرائد الوطنية ونشرات الأخبار الدولية، خدش الجرح مرة أخرى في فتنة اشتعلت عشية المولد النبوي الأخير وانتهت آنذاك بقتل الشاب" لعساكر علي " وخسائر قدرت بأكثر من 06 ملايير دينار، لتضاف اليها قتيلان ومئات الجرحى وخسائر مادية معتبرة لم تقيّم بعد• وتبقى أسباب وعوامل أزمة بريان مجهولة لدى الخاص والعام، رغم محاولة البعض إعطاءها صبغة الطائفية بين سكان المذهبين الإباضي والمالكي، وهو ما ينكره سكان بريان ويتأكد لكل من زار بريان حتى وهي في عز أزمتها• بريان، حسب الأجواء والصور التي رصدناها في أول وهلة من موقف سيارات الأجرة، يتبادر إلى ذهنك أنها مدينة شهدت حربا وشللا تجاريا وخدماتيا، مع انتشار كثيف لقوات الأمن والدرك الوطني والحماية المدنية، كما كانت مشاهد الرحيل الجماعي للعائلات ومعها بعض لوازمها من أفرشة وملابس، صورا لا تنقطع طيلة يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، خاصة في الأحياء المختلطة بين السكان الإباضيين والمالكيين• ومن الأحياء التي هجرتها العائلات بسبب الخوف، حي كاف حمودة وبعض أزقة الشارع وحي أم السعد، بالإضافة إلى حي المداغ، ومن المشاهد المأساوية الدالة على خطورة ماحدث في بريان، محلات ومنازل محروقة وأخرى مخربة وانبعاث روائح ودخان العجلات المحروقة من سطوح المنازل، بالإضافة إلى خيم لعائلات منكوبة نصبت هنا وهناك• - من الرشق بالحجارة الى استعمال المولوتوف والأسلحة البيضاء يروي سكان بريان، باختلاف فئاتهم العمرية وتوجهاتهم المذهبية في حديثهم "للفجر"، أن بوادر عودة أزمة بريان إلى الواجهة كانت يومي الثلاثاء والأربعاء حين أقدم أشخاص مجهولون على الاعتداء على حافلات نقل الطلبة رشقا بالحجارة، حسب شهود عيان، ولحسن الحظ لم تخلف أي قتلى، باستثناء تدهور وإحباط نفسيين وسط الثانويين، خاصة المقبلين على شهادة البكالوريا، لتتحول المدينة ليلة الخميس إلى ساحة لمعركة حقيقية بحي "المداغ"، حسب شهود عاشوا الوقائع، حيث أقدم مجهولون ملثمون على حرق المنازل والمحلات، إضافة الى اعتداءات على السكان وانتهاك للحرمات، انتهت بقتل "صفايفية مروان" برصاصة طائشة من أحد أعوان الأمن بعد انفلات الوضع، ليصبح السكان شهودا على جريمة قتل أخرى راح ضحيتها المدعو "داغور عيسى" متأثرا بطعنة خنجر حين كان يحاول حماية نفسه وعائلته من اعتداءات المجرمين، لتبلغ موجة العنف فيما بعد ذروتها وسط أسباب تبقى مجهولة••• - إعتداءات طالت الرضع والمعاقين••• وسط تماطل قوات الأمن إعتداءات ومواجهات بريان الأخيرة وحتى تلك التي سبقتها لم تقصد فئة أو طائفة معينة، بل لم يستثن العنف أحدا، فلا الصبيان ولا النساء ولا المسنين سلموا من أيدي المجرمين• ومن المعاقين الذين تعرضوا لموجة العنف "معشيط صالح" الذي لم يتجاوز العقد الثالث من عمره، حرق منزله ومتجره المتواضع بحي كاف حمودة، إلتقته "الفجر" بمركز المنكوبين "الشيخ مي عامر" قال والدموع تغمر عيناه: "أنا معاق، لم أظلم أحدا، حرق منزلي ومتجري من طرف أناس كنت أقرضهم سلعا، فجاؤوا وطلبوا مني مغادرة منزلي بالقوة فحرقوه عن آخره •• أطلب من السلطات وضع حد نهائي لهذه الفتنة•••"• أما محمد، يقول عن صغاره الذين تعرضوا للعنف: "هاجمنا في ليلة الجمعة شباب ملثمون يحملون عصيا وأسلحة بيضاء، أخرجونا عنوة من منزلنا بعد تعرض الشيخ "داغور عيسى" لطعنة خنجر• ومن الصور التي مازالت تؤثر فيّ هي الاعتداء على ابني الذي كان رفقة والدته من طرف هؤلاء، حيث انهالوا عليه ضربا بالعصي"• أما لمين بوسلمال، ممثل أحد العائلات المتضررة بحي كاف حمودة يقول: "هاجمت علينا جماعة بواسطة قارورات المولوتوف ليلة الخميس، فلم يتمكنوا منا ليعيدوا الكرة يوم السبت على الساعة التاسعة صباحا أين تم الاعتداء علينا بواسطة الحجارة •• الأمن كان يبعد علينا ب 200 متر فقط لكنه لم يتدخل•• هدموا أحد جدران منزلي، دخلوا ونهبوا كل ما فيه، أحرقوا العجلات في وسطه، واليوم نحن 10 أفراد مشردين" • هم عينات لضحايا كارثة بريان، صادفناهم أثناء تواجدنا بالمدينة وربما ما خفي منهم كان أعظم• - الإعلام والبيانات التحريضية زادت الطين بلة "لقد تناولت بعض وسائل الاعلام الوطنية حادثة بريان بشيء من اللاإحترافية وهو ما كاد يعيدها الى نقطة الصفر" •• هذا ما اتفق عليه الجميع• وحسب شهادة حية رصدناها في أول ساعة من تواجدنا بالمدينة (الاثنين على العاشرة صباحا ) هي افتتاحية بعض الصحف بعناوين بعيدة كل البعد عما جرى، مفادها أن المسجد المالكي العتيق خُرب ودمر عن آخره، ليقودنا حينها محافظ شرطة، بعد أن عرف هويتنا، رفقة عناصره، لنتحقق جميعا أن المسجد المالكي العتيق الذي يتوسط الشارع الإباضي لم يلحقه أي تلف• كما لعبت الإشاعة دورا كبيرا في تصعيد المواجهات من خلال بيانات ومناشير تحريضية تحقق بشأنها مصالح الأمن، ومن الإشاعات المغرضة التي كانت تنشر بمختلف أحياء بريان أن جماعات إباضية تحضر لاعتداءات على أحياء مالكية، وبالعكس جماعات مالكية تستعد لشن هجمات على أحياء مالكية وغيرها من الإشاعات المغرضة• - أسباب الفتنة مفتوحة على كل الاحتمالات إلا الطائفية اختلف الشارع وكل الفعاليات السياسية والعرفية والدينية في المجتمع البرياني في تفسير ما حدث وإن كانت جهات تريد تبرير ذلك بالاختلاف المذهبي الموجود في بريان بين تيار المالكية والاباضية وتستدل بوجود صراع أرادت افتعاله، وما الاعتداءات التي طالت منازل أئمة المذهبين إلا دليلا على نية هؤلاء وحتى الأئمة ضحايا هذا الاعتداء تكلموا ل "الفجر" كمواطنين ضحايا وليس كأئمة• ومن يذهب لبريان، حتى وهي في عز الفتنة، يدرك انعدام أدنى صراع طائفي بين المالكية والإباضية؛ إذ يجتمع صغارهم في مدارس قرآنية واحدة رغم اختلاف مذاهبهم ، كما أن بعض العائلات انصهرت فيما بينها حسب ما أفاد به البعض، ضف الى ذلك المساواة في اليد العاملة بين الإباضيين والمالكيين في كثير من المناصب التي يعتمدها الخواص في التوظيف بالمنطقة وغيرها من القرائن الدالة على انعدام الصراع الطائفي المروج له، وما جنازة المرحوم "داغور عيسى" إلا دليلا قاطعا على انعدام هذا الصراع الطائفي• ومن التفسيرات المتداولة أيضا هي الصراع السياسي بين سلطة الأعيان التي تلاشى دورها في رسم الخريطة السياسية أمام أحزاب المعارضة التي ظهرت بقوة في الانتخابات المحلية الأخيرة وسعي هذه السلطة التقليدية لاسترجاع هيمنتها• وفي نفس السياق، يرى مسؤولو الأفافاس والأرسيدي بغرداية أن السلطة تريد كبح تموقع أحزاب المعارضة بالمنطقة• ومن القراءات المستقاة من هناك أيضا أن سبب ما يحدث هو المطالبة برحيل الوالي الحالي تارة والمجلس الشعبي البلدي تارة أخرى، كما يتداول البعض أن ماحدث وراءه ملفات فساد يخشى أصحابها من انكشاف أمرهم، لذلك يسعون لضرب استقرار المنطقة• وفي انتظار ما تسفر عنه لجنة التحقيق، تبقى كل الإحتمالات مفتوحة•