تختزل هذه الرواية اهتمامات الكاتبة ليسينغ منذ أن نشرت كتابها الأول بعنوان "المفكرة الذهبية"، وهذه الاهتمامات تتمثل في لا جدوى استثمار العلاقات الشخصية، والاهتمام المتزايد بالعوالم الداخلية، والطاقة البشرية في تعزيز النمو الروحي، وما ينجم عن ذلك من اغتراب عن العالم المادي• كانت هذه الاهتمامات واضحة في مؤلفات ليسينغ منذ كتاباتها الأولى• إذ بدأت تعالجها معالجة واضحة في المفكرة الذهبية وغيرها من الكتب اللاحقة، إلا أنها أصبحت في روايتها "مذكرات من نجا" الموضوع الأساس• غير أن ما يميز هذه الرواية عن بقية مؤلفاتها الكابوسية، الإذعان التام لما يجري من أحداث في كلا العالمين الداخلي والخارجي• لقد استخدمت الكاتبة الأسلوب الهادئ على لسان بطلتها الراوية فنراها تصف الأحداث والأزمات التي حلت بمدينة أخذت تتلاشى بمرور الزمن لتفقد هويتها وذلك على نحو يثير الرعب• بالإضافة إلى ذلك، تمزج المؤلفة في هذه الرواية ولأول مرة بين الواقعية والرمزية• ففي رواياتها الأولى كانت الأحلام والجنون وسائل لسبر غور حالات نفسية وذهنية• فعلى سبيل المثال، كانت الكاتبة تصف حنون مارتا وليندا وصفاً واقعياً تماماً• أما في مذكرات من نجا فتوضح ليسينغ القارئ إنما هو نص حرفي ورمزي من حيث إن الرواية تستطيع أولاً أن تنظر أمامها ومن ثم تخترق جدار شقتها لتنتقل إلى عالم آخر• من هنا نلاحظ أنها تنبذ الواقعية، ويصبح الجدار هو الحد الفاصل بين عقلي الرواية الواعي واللاواعي، وتصبح الحجرات والحدائق الكائنة وراءه مناطق اللاوعي الذي تعمل على سبر غوره• تنقل ليسينغ هذا بيسر وسهولة، إذ يكون الانتقال من الواقعي إلى الرمزي دون وجود ما يشير إلى قلقها بشأن إقناع القارئ بما تفعله• وتبدوالمسألة كلها وكأن المؤلفة أصبحت معتادة على الانتقال بين عالمي حياتها الخارجي والداخلي انتقالاً سهلاً تشي رواياتها بسهولته•• تجري أحداث الرواية في مدينة ما توقفت فيها جميع الخدمات، وانتشرت فيها الفوضى، وأصبحت السلع نادرة، تعيش بطلة الراوية وهي امرأة لا نعرف اسمها في إحدى الشقق، وتفكر بالرحيل عن المدينة التي عصفت بها الأحداث العنيفة والفوضى، في يوم ما تناط بها مسؤولية الاهتمام بطفلة في الثانية عشرة من العمر تدعى إميلي، ولديها حيوان غريب نصفه قطة ونصفه الآخر كلب يدعى هوغو• تصف لنا الرواية حياة هؤلاء الثلاثة في فترة زمنية تمتد إلى ثلاثة أعوام تقريباً تقيم خلالها إميلي علاقة مع زعيم عصابة من الشبان• عندما تبلغ إميلي الخامسة عشرة من العمر نجدها فتاة بالغة متزنة• وقد لجأت المؤلفة إلى الإسراع في عملية بلوغ الفتاة باعتبار ذلك مؤشراً واقعياً على الزمن الذي لا يسمح بإطالة فترة الطفولة من ناحية، وباعتبار ذلك أسلوباً تمثل فيه إميلي حياة المرأة، الراوية نفسها تمثيلاً انعكاسياً إذ تصبح إميلي والراوية شخصاً واحداً• فبينما ترى الراوية إميلي وتراقبها وهي تصل إلى مرحلة البلوغ، نجدها تسبر غور الغرف الكائنة وراء الجدار فترى مشاهد من حياة إميلي تمثل في الواقع مشاهد من حياتها الشخصية• تصف الرواية تلك المشاهد بإسهاب، وتعيد صياغة التجارب، وتفهمها بكل ما تنطوي عليه من آثار في حياتها اللاحقة• أخيراً، تنهار واقعية الرواية انهياراً تاماً عندما تجتاز الرواية، وإميلي، وعشيقها جيرالد، وهوغو الجدار وينتقلون إلى عالم آخر تماماً• تصف ليسينغ هذه الرواية بأنها محاولة في السيرة الذاتية• وفيها تعالج الكاتبة مظاهر من طفولتها التي حذفتها على نحو واضح من رواية مارتا كويست، إذ تبدأ الرواية والبطلة في سن المراهقة• وقد أشارت ليسينغ في بعض المقابلات الصحفية إلى العلاقة الصعبة التي كانت تربطها بأمها• ويبدو أن ليسينغ لم تسبر هذه العلاقة سبراً كاملاً في معظم رواياتها التي كتبتها قبل "مذكرات من نجا"• ويبدو أن تذكر الراوية لأشد الآلام التي عانت منها إنما يساعدها على ملاحظة أنها ورثت تركة ثقيلة من التربية السيئة والقاسية•