وتاريخيا فمنطقة جيجل هي ذلك المستطيل الممتدة أطرافه الشمالية من مصب وادي بوغريون وسط خليج بجاية إلى رأس العصباش غرب مدينة القل بسكيكدة وكل أرضية عبارة عن هضبات ومرتفعات• تضاريسها الصعبة وغاباتها الكثيفة أخرت تعميرها بالسكان إلى غاية نهاية القرون الوسطى، وحسب "ابن خلدون" فسكان المنطقة ينتسبون من حيث الأصل إلى بطن من بطون كتامة، أربعة عناصر أساسية شكلت أصول سكان المنطقة وهم أمازيغ، أندلسيون، عرب وأتراك، فهذه العناصر الأربعة انصهرت وكونت سكان المنطقة الذين وجدهم الفرنسيون سنة 1899، وعلى الأرجح أن تكون بداية الانصهار في القرن ال 13 ميلادي• إن الموقعين اللذين خضعا للدراسة هما موقع "زغيطان" بجيجل و"ثازة" بزيامة وهضبة بن قايد بجيجل، وكلها أثار تؤكد بأن الإنسان سكن المنطقة في جميع عصور ما قبل التاريخ، وهي الأسباب التي جعلت الفينيقيين يختارون المنطقة لتأسيس مركزهم التجاري، وحتى الرومان الوندال والبزنطيون• ومع نهاية القرن السابع الميلادي عرفت جيجل الفتح الإسلامي لتصبح أهم المدن التجارية سيما في عهد الدولية الفاطمية والدولية الحمادية، وقد ذكرت العديد من النصوص التاريخية بأنه في عهد الحماديين كانت جيجل عبارة عن منطقة تستغل في نفي الأمراء المغضوب عليهم وللنزهة والسياحة• وقد احتلت المدينة سنة 1260 من طرق الجنوبين وبقوا فيها أكثر من قرنين ونصف وسط إمارتين حفصيتين• وفي سنة 1518 الإخوة برباروس يحروون المدينة من الجنوبيين، ومنها بدأ خير الدين يستعد ويخطط للجولات القادمة مع الإسبان، وقد خضع سكان جيجل بمحض إرادتهم لبرباروس ولم يفرض عليهم سوى العشور على الحبوب والثمار وتعد أول مدينة جزائرية حررها العثمانوين بقيادة الأخوين عروج وخير الدين، حيث جعلا منها النواة الأولى للدولة الجزائرية جغرافيا وسياسيا• وقد اشتهرت جيجل في العهد العثماني بالفلاحة والرعي وتربية الماشية وكانت تضم آنذاك 13 قبيلة، وحسب تقسيمات الباحث والكاتب "علي خنون" في كتابه "تاريخ منطقة جيجل" فهي تتمثل في قبيلة بن إيدر، بني فولكاوي، عرش بني فوغال، العوانة، أولد عواط، قبيلة بني عمران الجبلية، بن معمر، بني حبيبي، بني خطاب القبالة، قبيلة زواعة، قبيلة لجناح، أولاد عطية وبني تونوت، وقد اختصت كل قبيلة في إنتاج صناعة معنية رغم بدائيتها فمثلا بني فوغال اختصوا في قطع الأخشاب والأشجار وبني مسلم في صناعة قرميد العرب وابن قايد في صناعة الفحم وبني صالح في صناعة حصائر الصلاة وعشيرة حبيلي في صناعة الحبال، هذا بالنسبة للأرياف• أما مدينة جيجل فأغلب نشاطها بحري وتجاري وورشات لصناعية السفن• وفي سنة 1803 نشبت الثورة والمقاومة الوحيدة ضد الأتراك بقيادة شريف بن الأحرش الذي عين حمزة بن حمدوش من قبيلة بني قايد واليا على مدينة جيجل، ويوم 13 ماي من 1839 الفرنسيون يحتلون المدينة بعد مقاومة شرسة من السكان رغم حملات الإبادة الجماعية وقد قضى الاستعمار الفرنسي على رجال العهد العثماني وفرض رجال جدد لقيادة الأعراش بالأسلوب الذي يراه مناسبا، إلا أن الثورات والمقاومات الشعبية أثيرت أهمها ثورة المقراني والحداد سنة 1871 وكذا ثورة مولاي الشقفة، أولاد عيدون وسي عزيز بلحداد، لكنها باءت بالفشل لأن المستعمر كان يعتمد على أسلوب الاستخبارات والسياسات القمعية واستيطان المعمرين واستغلال الثروات، وكانت جيجل على موعد مع التاريخ في أول نوفمبر 1954 فتكلمت طلقات الرصاص وكانت جبال سدات والبابور خير الصدى•