وأجمل الكذب .. الكذب العاطفي.. وهذا النوع من الكذب له جمالياته وذرائعه وكوارثه أيضا .. وعموما فالكذب غالبا ما يكون نزوعنا المتجدد .. ورغم تعاقب العصور والأجيال، يظل الكذب كذبا وإن تخفى وراء ألف وجه ووجه وألف كلمة وكلمة .. وللكذب قاموسه ومفرداته وفنياته وقواعده وبديعياته .. ثمة من يكذب ولا يعرف أنه يكذب وهذا أخطر الكذب، لأنه يستعير معنى الحقيقة بعفويته وتلقائيته .. وهناك من يتعمد الكذب كما أغلبيتنا .. ولكن يوجد أيضا الكذب الاضطراري . الإلزامي .. كأن تخفي حقيقة يمكن أن تؤذيك .. أن تجر عليك ما لا تحمد عقباه أو تضعك في مأزق لا تدري كيف تتجاوزه . أو تلقي بك في هاوية .. وهذا النوع غالبا ما تلجأ إليه الزوجة اتقاء شرور زوجها مثلا .. ومن الكذب ما هو محبذ ومطلوب مثل كذب اللباقة واللياقة وكذب المجاملات الذي قد يكون جزئيا أو مطلقا .. أعرف أناسا يأتيهم الكذب بلا داع ولا استئذان .. ينزل عليهم تنزيلا لا يعرفون كيف .. عكس الذين يكذبون عن تخطيط وسبق إصرار وترصد .. ومن الكذب أيضا ما هو واجب ولابد منه، كأن يكذب الطبيب على مريضه ولا يبلغه بحقيقة حالته الصحية إن كانت خطيرة حتى لا تنهار معنوياته .. وثمة كذب مجاني .. لا يضر ولا ينفع حتى أن صاحبه نفسه لا يدري لماذا كذب .. والحق أننا نحن كعرب وكأمة لازالت تجر قرون التخلف وتنوء بحمولات من مصاعب العيش ومشاكل العصر لا يمكننا أن نعيش بلا كذب .. وألا نجد من نكذب عليه نكذب على أنفسنا.. وإذا كانت الكذبة مجرد عابرة لسان فذاك أقل الضرر.. أما إذا كانت متجذرة في اللسان توقع كل كلمة ينطق بها فتلك الطامة .. لأنها عندئذ تتحول إلى طبع وعادة سيئة مترسخة في السلوك الإنساني. خطورة الكذب وبشاعته قد تؤدي إلى كوارث ومضار وجرائم سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو حتى الدولي. ألم تمارس أمريكا أخطر الكذب لتغزو العراق؟ .. ألم تعتمد على تقارير كاذبة لتنهب وتخرب بلدا ذا سيادة وتشنق رئيسه على مرأى من العالم أجمع ؟.. وكم من روح أزهقت نتيجة كذبة أطلقها هذا أو ذاك ؟ وكم من جرائم ارتكبت بسبب الكذب ؟ ومن مسجون رمي به في غياهب السجون ظلما وكذبا ؟ وكم من وزير تجذر على كرسيه؟ .. وكم من رئيس؟ .. وكم من مسؤول تأبد في منصبه بفضل الكذب وتجديد المغالطات ؟ .. و.. و..و .. ولخطورة الكذب وبشاعته وتسببه في كوارث ومضار بالغة سواء على المستوى الشخصي أو العام فقد اهتم به العلم وركزت عليه التكنولوجيا الحديثة وأوجدت مقاييس علمية لتحديد درجة الكذب عند الانسان وتصنيف أقواله إن هي حقيقة أم كذب .. وحتى من غير هذه الاكتشافات العلمية يستطيع الإنسان العادي أن يعتمد على مقاييس حركية ليستشف الكذب من لون الوجه مثلا ونظرات الأعين ولعثمة اللسان .. والكذب في مجمله لا يمكن إلا أن يكون هداما وقد يصبح بناءً في ظروف بعينها كظروف الحرب أو المصلحة العامة .. أحيانا يصل بنا اليأس حد التساؤل.. أي طائل للصدق أو للكذب ؟ فنحن لسنا أكثر من كائنات مثرثرة .. لسنا سوى كلاما .. سوى زيفا فيه الصادق وفيه والكاذب .. والانسان منذ بدء الخليقة يعيش بالكذب .. وأخشى ما نخشاه أن نصحو يوما على فتوى تحلل الكذب .. حتى نكذب بضمير مرتاح وقلب مطمئن ..