يحتل الكذب، حيزا كبيرا في الحياة اليومية للأفراد، وهذا رغم تصنيفه ضمن السلوكات السلبية التى ترفضها القيم الاجتماعية الأخلاقية، وتعافها النفس البشرية، دون نسيان تحريمه من طرف الدين، ولمعرفة الأسباب والدوافع العامة للكذب اقتربنا من بعض الأشخاص، الذين كانوا أكثر من صرحاء في ردودهم• هناك عدة أنواع من الكذب، فهناك ما يسمى بكذب التفاخر، وهناك ما يقال له الكذب الدفاعي••وغيرها من أنواع الكذب التي تفرضها الظروف والأماكن، وكذا آليات الضبط الاجتماعي والهروب من الأوضاع الصعبة إلى عالم الخيال والوهم، فمن منا لم يكذب يوما، هروبا من ورطة أو سؤال لتفادى الإجابة• يكذب لكسب الاحترام قال لنا "مروان" وهو موظف، إن المال يلعب دورا أساسيا في حياتنا، لهذا يقع دائما في الكذب، خاصة وأنه لا يفصح عن جيبه، وإن كانت خاوية فيقول إنها مملوءة وأضاف: "•••إن علم الآخرون أنك لا تملك شيئا، فإنهم ينفرون منك، وتصبح عديم الفائدة في نظرهم ••إذن قل لهم إن جيبك مملوء دائما"• نفس الموقف لقيناه عند زميله "لطفي"، مظاهره توحي وكأنه شخصية مرموقة، أو رجل أعمال، فهو يرتدى بذلة في غاية الأناقة وذات جودة عالية، وحينما سألته عن وظيفته فاجأني أنه بطال، وعند إدراكه حيرتي، سارع لإخبارى عن سبب هدا التناقض، حيث قال إن الناس في زمننا هذا تحكم عليك من خلال الشكليات، وتصدق كل ما ترى وتسمع، وأضاف: "••أنا في الحقيقة دون وظيفة، لكني أحرص كثيرا على أناقة لباسي، كوني لا أريد من جيراني، خاصة أصدقائي معرفة معاناتي، أريد أن أظهر صاحب نقود ومال، والكل يصدقني لأني أرتدي بذلة مستوردة••• للأسف الناس تحكم على الشكليات وتصدق كل ما يقال"• هروبا من المواقف المحرجة أما "دحمان" الذي التقيناه داخل مقهى، ومحاولة منا أخذ رأيه في الكذب تجاوب معنا وكشف أنه يلجأ للكذب في الكثير من الأحيان هروبا من المواقف المحرجة أو لضمان الاستقرار، وخلق جو من الصفاء في البيت، حيث قال: "•••للأسف لقد أصبح الكذب صاحبا وفيا ليومياتنا، حيث نضطر في أغلب الأوقات للاستنجاد به، رغم الأسف الذى يقتحم الذات وقتها •••"، أما مسير المقهى فقال إنه ضد الكذب لكن يفضله على خراب البيوت وقال: "•••مؤخرا سألتني زوجة أخي عن زوجها إن كان يلتقى بفتاة •••فأجبتها بالنفي، رغم أن زوجها على علاقة عاطفية بتلك الفتاة منذ ستة أشهر، لم أود إخبارها بالحقيقة فتضيع الأسرة ويصبح أبناء أخي يتامى، لكن في نفس الوقت حرصت على أن أعيده إلى رشده ومحيطه الأسرى من خلال النصح الدائم"• الكذب على الذات الغريب في الأمر أيضا، أن هناك من يطلق كذبة، ويصدقها قبل أن تصل لأذن الغير ويتبناها ويدافع عنها لأبعد الحدود، لدرجة أنها تصبح مع مرور الوقت جزءا هاما في شريط ذكرياته، حيث يوجد بها فضاء خصبا في المخيلة والذاكرة، وغالبا ما يحدث هذا النوع من الكذب عند رفض الواقع والهروب إلى الخيال الذي يطغى ويصبح مهيمنا• تقول الآنسة "منال" ••"رغم بساطة لباسي بحكم أن والدي موظف بسيط، أوهمت صديقاتي وزميلاتي أني من عائلة غنية، أنا أعتقد هذا، لأن في خيالي أعيش ببيت فخم وأملك سيارة•••هذه هي الحياة التي أعشقها وتدور في مخيلتي والتى لأجلها تحبني زميلاتي" •••سألتها وماذا تفعلين حين يكتشفون الحقيقة، نظرت إلي باستغراب وقالت •••"قطعا لن يكتشف أمري لأنى رتبت كل الأمور، وكل تصرف يتطلب مني تفكيرا وتدقيقا، زيادة على هذا، لدي أسلوبى اليومى للحصول على المال، لذلك لن يعرفوا الحقيقة التي أكرهها وأرفضها ••"• ويرى المختصون في علم الاجتماع أنه مهما اختفت الحقيقة، فإنه يأتى اليوم الذي تكشف فيه، كما أن الإنسان الكذاب، غالبا ما يشعر بالخزي بعدما يفتضح أمره، حيث يفقد تدريجيا الشعور بالارتياح والأمان، ويدخل فى دوامة القلق والخوف إثر اكتشاف أمره وافتضاح عيبه من طرف المكذوب عليهم، ولو أن أخطر الكذب هو الذي يكون على الذات حيث يصدق الشخص كذبته ويعيش في الوهم، فتصبح تطوراته وتفاعلاته رهينة الكذبة التي تزج بصاحبها في متاهات يصعب الخروج منها•