يقضي الآباء والمسنون بعنابة أوقات فراغهم خلال ليلي الصيف الطويلة في الحمامات المعدنية أو التنزه في الغابات الكثيفة وظلالها الوافرة ومياه الوديان الرقراقة، وذلك لتبديد الحرارة والهروب من صخب المدينة التي ضاقت خلال السنوات الأخيرة بقاطنيها، وفيهم من فضل البقاء في "السطيحة" أو الحوش رفقة الأهالي والجيران لتبادل النكت والحكايات الطريفة، حيث تتزين ليالي عنابة الملاح بصينية القهوة مرفوقة ببعض الحلويات التقليدية مثل المقروض العنابي أو الزلابية المنكهة بالجلجلان ومعطرات أخرى تصنع الأفراح بين شلة الأصدقاء والأحباب، حتى كؤوس الشاي المعبقة بالنعناع البري تصنع الفرحة داخل السطيحة التي تفرش بزرابٍ مصنوعة من الحلفاء وتعلق على جوانبها ربطات من الأعشاب العطرية كالورود الجافة والطيب وكذلك عشبة القرنفل، حيث تتزاوج هذه الروائح العطرية بنسمات الليل العليل وقتها تتسع ساعات السمر والالتفاف بلعبة "الخربقة"، وهي لعبة فكرية شهيرة واسعة الانتشار بين كبار السن، متيسرة الأدوات تشكل مساحة من التراب تحتوي على 7 أسطر بمجموع 49 حفرة تستثني الحفرة المركزية فقط، أما الباقي فيتقاسمها اللاعبان الأول يستعمل الجلة نواة التمر والثاني الحجارة 48 حجرة ويطلق على الكل الكلاب، والقاعدة يقصى ويخرج من ساحة اللعب كل كلب وقع بين كلبين من كلاب المنافس. وحسب بعض الشيوخ فإن لهذه اللعبة الممتعة قواعد عديدة ومقتضيات معينة تقوم عليها إذ تعتبر ساحة معركة لها قواعدها الهجومية والدفاعية وتنمي الذكاء والفطنة خاصة عند المسنين الذين يعانون من ضعف الذاكرة، وعليه تبقى اللعبة الشعبية الخربقة تميز السهرات العنابية التي تستمر حتى الصباح حيث يحمل كل شخص معه ذكريات جميلة وشوقا للقاء آخر مع الأهل.