خلال الزيارة التي قادتنا إلى عين الباردة وعلى طول طرقها المحفوفة بالأشجار وغابات الدفلة الوافرة الظلال، وهديل الحمام الذي وجد بيوت القرميد مأوى له والذي شكل لوحة جمالية مستوحاة من تقاليد المنطقة التي تكتسي سمعة وطنية، يتنقل إليها الزبائن من مختلف ولايات الوطن، ومن أراد أن يكرم ضيفه بعنابة فما عليه إلا أن ينزل به إلى الجهة الشرقية وبالضبط إلى عين الباردة التي تلتهب أزقتها الضيقة والمتراصة ببعضها البعض يوميا بدخان المشواة خاصة في الشارع الرئيسي للمدينة، حيث يصطف العشرات في إعداد هذه الأكل ويقدمونه للزبون في صحون فخارية وأخرى صنعت من خشب السنديان وشجيرات الصنوبر والخروب وعلى الزبون أن يختار ما لذ وطاب من لحوم بنكهة بالزعتر والإكليل والبهارات، وهناك من يقدمها بشكل آخر يعرف باسم اللحم المفور والذي يتم طهيه بالبخار وهو وجه آخر لنكهة اللحم بالمنطقة• يقول حمدي الذي ورث هذه المهنة عن أجداده إن الشواء لم تكن تتعدى شهرته المنطقة وما جاورها، ومن ثم ذاع صيته لجودة لحم الخروف الجبلي، وقال بأن عائلته تناقلت هذه الحرفة وظلت محافظة عليها إلى يومنا هذا• غيرنا الوجهة نحو عمي عمار المسير الرئيسي لهذه المحلات منذ 20 سنة وهي الحرفة نفسها التي تفنن فيها أجداده وآباؤه وبالرغم من تشابه طرق تحضير الشواء إلا أن ناصر يقول "هناك سر في عملية طهي الخرفان خاصة تلك التي تعيش في منطقة سرايدي وجبال هوارة وضواحيها والتي تتغذى من غابات الريحان والمياه الرقراقة المنحدرة من قلعة بوالصبع بفالمة"• والجدير بالذكر أن كل أنواع الشواء المقطع تكون من لحم الخروف وأما لحم البقر فلا يستعمل غالبا، إن الفحم له علاقة وطيدة بلحم الخروف وقصته تنسجها أشجار الصنوبر التي يستخرج منها الفحم، حيث تحتوي على ذوق يتلاءم والشواء الذي أحدث شهرة بالشارع الرئيسي الذي تحول في عز الصيف إلى منتجع سياحي حقيقي يغلب عليه عبق الغابات ورائحة الشواء المتصاعدة من كل الجهات•