من المعلوم أن صوم رمضان يجب شرعًا برؤية هلاله، والإفطار منه يجب برؤية هلال شوال لقوله تعالى: {فمَن شَهِدَ مِنكمُ الشهرَ فَلْيَصُمْهُ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لرُؤيته وأفْطِروا لرُؤيته، فإن غُمَّ عليكمْ فأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثِينَ يومًا". وقد اختلف العلماء في المراد من الأمر الوارد في الحديث بالصوم؛ هل المراد به العموم أيْ جميع المُخاطَبين المُكلَّفين بالصوم مِن المسلمين في كل مكان، أمِ المراد الخصوص بمعنى أن الأمر يَتعلَّق بمَن ثبتَتِ الرؤية في حقِّهم دون غيرهم؟ وذلك على قولَينِ: 1. قول جمهور الفقهاء، أن الخِطاب لجميع المُكلَّفينَ؛ لأنه إذا ثبتتِ الرؤية في حق بلد من البلاد الإسلامية وجَبَ عليهم العمل بها وتَبليغُها إلى بقية الدول الإسلامية الأخرى التي لم تَشهد، ووَجَبَ على مَن لم يَرَ الأخْذُ برؤية مَن رأى والصومُ معهم إذا كانوا مشتركين معهم في جزء من الليل. وهذا القول يَعتمد على وَحدة المَطالع بالنسبة لجميع البلاد اعتمادًا على وَحدة العبادة بين المسلمين إن تعلَّقت بهم في يوم واحد يَشترك في جزء مِن الليل، وهذا مذهب الحنفية والمَالكية وقول الشافعية والحنابلة. 2. أن لكلِّ بلد مَطلعَه، فإذا ما رأى أهلُ بلدٍ إسلاميٍّ الهلالَ ولم يَرَهُ أهلُ البلد الآخر وجَب على مَن رأى العملُ بمُقتضى هذه الرؤية، ولا يَلتزم بها أهل البلد الآخر لأنهم لم يَرَوْا؛ لأن الحديث مُوجَّه إلى المُخاطَبين بالرؤية فقط، ولأن الصوم مُتعلِّق بالرؤية وليس بالعلْم بها عن الغير، وهذا مذهب جمهور الشافعية والحنابلة وقول في مذهب الحنفية والمالكية. والقولانِ من حيثُ الأصل الشرعيُّ والاجتهاد الفقهيُّ صحيحانِ في الإسلام؛ ولهذا لم يَعترض أحدٌ مِن الفقهاء على أحدٍ وظلَّ العمل بهما معًا قائمًا من عهد الصحابة والتابعين حتى عصرنا الحاضر في البلاد الإسلامية، ولم يَعِبْ أحدٌ على أحدٍ في أيِّ عصر مِن العصور الإسلامية السابقة.