فأقول وبالله التوفيق: إنه في شهر رمضان الكريم يستحب الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، وهكذا كان السلف يصنعون، فقد كانت أحوالهم في قراءة القرآن الكريم عجيبة طوال السنة، ليس في رمضان فقط لكنهم إذا جاء رمضان يكثرون من التلاوة كثرة مضاعفة، فقد كانت عادة أكثر الصحابة رضي الله عنهم ختم القرآن كل أسبوع مرة، وبعضهم كل ثلاث ليال. وكانوا إذا جاء رمضان يقومون بالقرآن عامة ليلهم إلا قليلاً. وعلى ذلك جرى التابعون رحمهم الله تعالى والسلف الصالح من بعدهم، فهذا الأسود بن يزيد صاحب عبد الله بن مسعود يختم القرآن كل ست ليال، فإذا جاء رمضان ختم كل ليلتين. وكان قتادة المفسر التابعي يختم كل سبع ليال، فإذا جاء رمضان ختم كل ثلاث، فإذا جاء العشر الأواخر ختم كل ليلة. وهذا أبو بكر ابن عياش قد ختم القرآن ثماني عشرة ألف ختمة طيلة حياته، وهو رقم يُتعجب منه ويُخضع له. وصح عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أنه ختم القرآن في رمضان ستين مرة، وكان الإمام ابن عساكر يحاول اللحاق بالشافعي في صنيعه هذا حتى أنه كان يعتكف في المنارة البيضاء في مسجد دمشق طيلة رمضان لكنه لم يستطع إلا أن يختمه 59 مرة ! رحمهم الله تعالى ما أعظم هممهم. وكان الإمام البخاري رحمه الله تعالى يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة، وكان يسهل على السلف كثرة الختم في رمضان لتفرغهم له وعدم انشغالهم بغيره، وكان منهم الإمام مالك إذا دخل رمضان لم يقبل إلا على القرآن وترك دروسه الحديثية وغير ذلك.