حيث لم يعد شهر الصيام لدي الجزائريين الركن الرابع في أركان الإسلام فحسب، بل أصبح جزءا لا يتجزأ من الثقافة والموروث الاجتماعي لديهم، الشيء الذي يجعلهم يقومون بالتحضير لهذا الضيف العزيز شهرا مسبقا حيث تبدأ النسوة في عملية التنظيف العامة للمسكن أو البيت كله، ثم يأتي دور تحضير الأواني الجديدة التي تعتبر هي الآخرة شرط من شروط صيام رمضان بالنسبة للفالميات اللواتي يتوافدن على الأسواق مقدما لاقتناء ما يجب اقتنائه من أواني جديدة تليق بمقام ذلك الشهر الكريم بعد الانتهاء من مرحلة تنظيف البيت ثم اقتناء الأواني الجديدة يأتي دور تحضير التوابل المخصصة للطبخ، وهكذا يكون كل شيء على ما يرام و الجميع مستعد لاستقبال ذلك الضيف العزيز المعروف عن االفالميين شغفهم بتحضير مائدة الإفطار التي يجب أن تكون متميزة جدا خلال شهر الصيام ، ويخصصون لها ميزانية مالية معتبرة. حيث تعرف مائدة أول يوم يستقبل فيه هذا الشهر الكريم بتحضير طبق الرقة الحلوى أواللحم الحلو، وهو طبق شائع بالولاية يتم تحضيره من "البرقوق" أو"المشمش" المجفف، ويضاف إليه الزبيب واللوز ويضيف له البعض التفاح ويطبخ مع اللحم وقليلا من السكر. وهو يعتبر الطبق الرئيسي في جميع الأفراح و الأعراس بالولاية هذا الطبق الذي نجده في اليوم الأول يتربع على عرش المائدة، في الوقت الذي نجد فيه طبق الشربة أو الحساء الذي يعتبر طبق الشهر و دون منازع حيث يكون دائما متواجدا في الوقت الذي نجد فيه بعض الأطباق تحل مرة أو مرتين فقط طيلة شهر رمضان لكن طبق الشربة رغم الأهمية البالغة التي يوليه له الفالميون فإنه يبقى دون منازع خاصة البوراك.. تلك اللفائف الرقيقة الجافة المحشية بطحين البطاطا واللحم المفروم، وهناك من يتفنن في طهيها بإضا فة الدجاج أو سمك الجمبري، الزيتون، والجبن والبيض. إلى جانب تلك الأطباق الأساسية وجود بعض الحلويات التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا يجب أن تغيب عن مائدة رمضان مثل "قلب اللوز"و"الزلابية". و للأطفال نكهتهم الخاصة الفالميون خلال هذا الشهر المبارك يولون أهمية كبيرة لأبنائهم الذين يصومون لأول مرة، و ذلك من خلال ذلك الاحتفال المميز الذي يقام لهم والتكريم الذي يكرمون به حيث لا يفارقون ذويهم طيلة يوم صيامهم. وعادة ما يبدأ الأطفال في فالمة التدرب علي الصيام وهم في السنة الأول من دراستهم، وفي بعض الأحيان قبل ذلك ويقرب الآباء أطفالهم في أول صيام لهم، ويجلسونهم إلى جانبهم على مائدة الكبار، إذ عادة ما يجلس الأطفال الصغار غير الصائمين في مائدة أخرى غير مائدة الصيام. ويحتفل بأول صيام للطفل، فيطبخ له "الشخشخة " المشهورة بها ولاية فالمة أو"النعمة "، وهي عبارة عن فطائر عجين مرققة يطبخ في قليل من الزيت شفافة يتم طهيا فوق بما يسمى الطاجين الخاص بها ثم تقوم النساء بقصها إلى قطع صغيرة و سقيها بالمرق الذي يخصص لها. وعادة ما تطبخ هذه الأطباق وما شابهها عند أول حلاقة للطفل الذكر، أو ظهورالأسنان الأولى له، وعند أول دخول للمدرسة. كما يصنع للطفل الصائم لأول مره مشروب حلو يدعى "الشربات" وهو مزيج من الماء والسكر وماء الزهر، يضاف إليه عند البعض عصير الليمون. وتعتقد الأمهات أن هذا المشروب الحلو يجعل صيام الطفل حلوا ويحبب له الصيام كي يصوم مرة أخرى. ويستغل الجزائريون شهر رمضان وبالذات ليلة السابع والعشرين منه (ليلة القدر) باعتبارها ليلة مباركة من أجل ختان أبنائهم. وقد شاع في الجزائر في السنوات الأخيرة ختان الأطفال في هذا اليوم، لأنه يغني الآباء عن مصاريف كثيرة في الاحتفال بختان أطفالهم، خاصة مع تدني القدرة الشرائية للمواطن و البطالة وغلاء المعيشة.. النصفية والتحضير لليلة السابع والعشرين فبعد مضي عشرة أيام من الصيام تبدأ العائلة الفالمية في التحضير للاحتفال بالنصفية وهي منتصف شهر رمضان، حيث تقوم ربات البيوت بتحضير وجبة خاصة في اليوم الربع عشر من الصيام، وتسمى هذه الاحتفالية عند الفالميين بعشاء النصفية والتي يتم فيها تحضير طبق من العجائن كالشخشوخة أوالتليتلي أو الرشتة أوالثريدة، و هذا يختلف من عائلة إلى أخرى و على حساب ذوق كل عائلة إلى جانب هذا الطبق الذي يعتبر رئيسيا في ذلك اليوم، يضاف إليه طبق من اللحم المشوي و الشربة و أطباق السلطة المتنوعة إلى جانب طبق الفواكه و المشروبات حيث يتواصل السهر في ذالك اليوم إلى غاية السحور، هذا بعد أن تقوم ربة العائلة بتحضير إبريق الشاي مع بعض الحلويات والتمور التي ترافق إبريق الشاي و الذي تستمر السهرة به إلى مطلع الفجر أين يرفع الأذان. و أيام قليلة من الانتهاء من الاحتفال بالنصفية حتى يأتي دور التحضير للاحتفال بليلة السابع والعشرين. هذه الليلة المباركة التي فضلها الله عز وجل على ألف شهر و التي يتم فيه ختان الأطفال خاصة أبناء الفئة المعوزة، و كذا تنظيم دورات دينية خاصة للأطفال حفظة القرآن. هذا ناهيك عن الاحتفالات الدينية التي تقوم بها العائلات الفالمية والتي تتميز من عائلة إلى أخرى. رمضان فرصة للاسترزاق وربح المال.. يشكّل شهر رمضان فرصة أمام الشباب الجزائري للاسترزاق وخلق فرص عمل، خاصة طلبة الجامعات القادمين من الأرياف ذوي الدخل المحدود..فلم يعد غريبا أن ترى هؤلاء الشباب يقفون خلف طاولات لبيع "الديول" وهي لفائف عجين رفيعة، و"الشواية " وهو لفظ محلي يطلق على حبات النقانق (المرقاز) المشوية على الجمر، و"البوراك" وهو رقائق عجين يحشى فيها اللحم بالبصل وبعض التوابل. وسنة بعد سنة ومع توالي رمضانات فالمة ، تتحول طاولات هؤلاء الشباب إلى مقصد مفضّل للناس، خاصة قبل أذان المغرب حيث تشهد الطاولات زحمة بين جموع الصائمين الباحثين عن هذه العجائن برائحتها المميزة.