تعيش غالبية البيوت الجزائرية حالة تأهب قصوى تحضيرا لاستقبال شهر رمضان، فقبل أقل من شهر من موعد حلول هذا الضيف، تحولت منازلهم إلى ورشات بناء يقومون من خلالها بإجراء تعديلات على الديكور من طلاء وتزيين للغرف مع إعطاء عناية خاصة للمطبخ، مركز اهتمام ربات البيوت في هذا الشهر، حيث يمضين ساعات طويلة فيه لتحضير ما لذ وطاب من أطباق. من المعروف عن مجتمعنا الجزائري تمسكه بالعادات والتقاليد، خاصة تلك التي تتعلق بالمناسبات الدينية المميزة كشهر رمضان، فممارسة تقاليد الشهر الفضيل لا تباشر في أول أيامه لدى العائلة العاصمية خصوصا والجزائرية عموما، وإنما بات ومنذ القديم لصيام شهر إعمال تحضيرات شهر أو أكثر مسبقا، وكأنه يوم الزفاف الذي تحضر له العروس سنة قبل الموعد. ------------------------------------------------------------------------ طلاء وتبييض المطبخ عادة متأصلة ------------------------------------------------------------------------ مع حلول أول أيام شهر شعبان تنبعث مؤشرات وروائح قدوم شهر رمضان في الأفق، من خلال التحضيرات المكثفة التي ينكب عليها الجزائريون وتحديدا النسوة اللواتي يشعرن إلى حد ما وفقا لما توارثنه من عادات عن الأجداد، أنهن معنيات أكثر من الرجال بالتحضير لاستقبال هذه المناسبة الدينية، التي أصبح يطغى عليها الجانب الاجتماعي أكثر من الديني. ينقلب سكون البيت وهدوئه إلى ورشة لإحداث بعض التغييرات على ديكور المنزل من تغيير لون الطلاء وشكل المنزل عموما بإضفاء عليه حلة جديدة يُستقبل بها الضيف العزيز، على حسب ما جرت عليه العادة حتى يجود الشهر على أهل البيت بخيراته وتستمر إلى ما بعده. وأكثر مكان يحظى بالعناية الخاصة من التزيين ''المطبخ'' باعتباره الركن المميز لربة البيت تمضي فيه غالبية أوقاتها خلال هذا الشهر، فتنطلق عملية تحضيره التي تكون على مرحلتين مختلفتين باختلاف الأطراف التي تقوم بها، فالأولى تكون من مسؤولية الزوج في التعامل مع مواد البناء بإجراء تعديلات طفيفة على السيراميك أو الطلاء أو الرضية، وتستمر في الغالب قرابة الأسبوع، ليأتي بعدها دور سيدة البيت التي تتعامل مع مواد أكثر لطفا ورقة، لإضفاء لمسة جمالية وبصمتها الخاصة على المكان. تنطلق سيدة البيت من تغيير بعض أثاث المطبخ كشراء طقم جديد للتوابل، وستائر خاصة من أنواع جد رفيعة من القماش تجمل زينة بديعة من الفواكه والخضار، وبعض الإكسسوارات المخصصة لحمل وتعليق الملاعق والمناشف والأواني المطبخية، مع حرصها الشديد على أن يكون تناسق وتناغم في الألوان والأشكال والأحجام. هذه العادة حتى وإن كانت تثقل كاهل الأسرة بالمصاريف الزائدة، والتي يمكن أن تستغني عنها، توارثها العاصميون جيلا بعد جيل، ويطلق على عملية طلاء وتزيين المطبخ أو المنزل عموما ''التجيير'' نسبة للمادة التي كانت تستخدم في ذلك ''الجير''. ------------------------------------------------------------------------ التنظيف لمن لم يسعفهم الحظ ------------------------------------------------------------------------ خوفا وتجنبا لتزايد حالة الإنفاق الواسع قبل رمضان، تعهد بعض الأسر محدودة الدخل إلى التقليل من نفقاتها بقدر الإمكان، فتكتفي ربات الأسر بالقيام بأعمال التنظيف المعمقة مضطرة إلى التقشف على حساب صحتها، فتخصص يوما بكامله لكل غرفة من الغرف لتنظيفها بدقة ونزع الغبار عنها وتعليق المفروشات، لتترك الاهتمام بالمطبخ في المرحلة الأخيرة ليبقى محتفظا بنظافته أطول فترة ممكنة. وفي مقابل ذلك توجه الاموال التي تم ادخارها من تجنب تحويل المنزل إلى ورشة نحو شراء مفروشات جديدة وأغطية لطاولة الأكل وشراشف ومناشف جديدة تعطي قاعة الطعام جوا خاصا يفتح الشهية للأكل بعد صيام يوم طويل. فتستغل ربات البيوت الفرصة لشراء كل ما هو جديد، أو ما لم يستعملنه أو يجربنه من قبل متحججات برمضان وضرورة استقباله بالجديد، فيلجأن إلى طلب السلع التي تنال إعجابهن أحيانا دون التفكير في ما إذا كان سعرها فعلا معقولا فعدن للوقوع في فخ الإنفاق الزائد. ------------------------------------------------------------------------ التسوق تحسبا للشهر طيلة السنة ------------------------------------------------------------------------ الإعداد لرمضان صار كما ذكرنا كالإعداد للزفاف، يتطلب استقباله سنة كاملة من التحضير وعلى كل المستويات، حيث اعتادت بعض الأسر الجزائرية على إعداد مؤونة خاصة، كتجميد بعض الخضراوات لغير موسمها مثل البازلاء والأرض شوكي والفلفل والطماطم والقرعة، وغيرها من المواد التي ترتفع أسعارها بطريقة جنونية لا يقوى الفقير ومتوسط الدخل على تحمل ثمنها. أما خارج التحضيرات للمطبخ، فيجري على نفس الخط التحضير للسهرات واستقبال الضيوف، باغتنام ربات البيوت الفرص لاقتناء في كل مرة شيئ جديد ووضعه جانبا بانتظار استعماله خلال رمضان، كأن تشتري الواحدة منهن سجادة جديدة أو أسماطا (نابرون) أو ستائر أو أفرشة وحتى الأواني الموجهة للطبخ أو التقديم على حد سواء، كأكواب العصير، أو أكواب القهوة أو الشاي، والصينيات الجديدة. وهناك من السيدات من تقوم بشراء في بعض الحالات كميات صغيرة من المكسرات وتخزينها إلى أن تجمع في الأخير كمية لا بأس بها تعد بها ألذ وأشهى الحلويات لتمضية السهرات مع الأقارب والأحباب، كالبقلاوة والمحنشة والقطايف وأصناف أخرى من الحلويات التي يتطلب إعدادها المكسرات المرتفعة الثمن. كل هذه التحضيرات تزداد مع كل موسم، خاصة في الشهر الكريم الذي جعلت منه الجزائريات مناسبة للاستهلاك والإسراف.