صار التعديل الجزئي للدستور أمرا رسميا الآن. خطاب الرئيس بالأمس حدد المجالات الأساسية التي سوف يشملها التعديل، وهي ثلاثة: حماية دستورية لرموز الثورة وإعادة تنظيم الصلاحيات والعلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية وتدقيقها وتوضيحها ثم أخيرا وهذا الأهم تمكين الرئيس بوتفليقة من عهدة ثالثة وتعديل المادة 74، وهو ما لم يذكر إلا إيحاءا. الرئيس يقول في خطابه إنه يلجأ للقيام بتعديلات جزئية فقط وأنه كان يحبذ القيام بتعديلات عميقة للدستور ولكن يبدو أن الممكن في الظروف الحالية للنظام الحاكم وهو هذه التعديلات الجزئية. إن حديث الرئيس عن كون هذه التعديلات تمثل إثراء للنظام المؤسساتي ومنحه مقومات إضافية للاستقرار والفاعلية والاستمرارية هو مسألة قابلة للنقاش. فتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية بتقليص صلاحيات رئيس الحكومة وحتى التخلي عن هذا المنصب، وتوحيد رأس السلطة التنفيذية وتحويل النظام السياسي من نظام شبه رئاسي إلى نظام رئاسي بالكامل هو مسألة سبق أن كانت موضوع جدل أثناء صياغة النص الأصلي للدستور الحالي الذي سيعدل للمرة الثانية منذ وضعه. وقد جمع النص الأصلي للدستور بين سلطتين واحدة برلمانية منتخبة عن طريق الاقتراع السري العام وسلطة رئاسية منتخبة أيضا عن طريق الاقتراع السري العام، على أن يكون رئيس الحكومة معبرا عن أغلبية برلمانية ظرفية. ولكن عمليا هذا لم يتجسد في أي وقت من الأوقات. وبالتالي فإن أي تقليص لصلاحيات رئيس الحكومة أو حتى إلغاء المنصب كلية قد يكون مجرد تكييف النص الدستوري مع واقع حال السلطة التنفيذية وآليات اتخاذ القرار فيها. وقد صار واضحا منذ فترة أن الرئيس بوتفليقة " غيور جدا" على الانفراد بالتعبير عن السلطة التتنفيذية وعلى ممارستها بشكل منفرد، سواء تجاه رئيس الحكومة أو حتى تجاه أصحاب القرار. إضافة لهذا, نلاحظ أن الرئيس يشير في خطابه إلى ما يراه ضروريا أي: " .. سلطة تنفيذية قوية ومنسجمة بإمكانها تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات الناجعة بسرعة بما يمكنها من تجنب الازدواجية والتعارض وتجاوز التوفيق بين برامج مختلفة ..". ويتضح بشكل جلي هنا سبب اللجوء للتعديل. إن هناك مشكل انسجام ومشكل تعارض في البرامج وهناك ازدواجية وحتى تعارض. ونذكر في هذا السياق أن رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم صرح بعد تعيينه في منصب رئيس حكومة أن سوف يتولى عملية التنسيق بين أعضاء الحكومة، أي أنه لن يمارس وظائف رئيس الحكومة بجميع صلاحيات المنصب الدستورية. ولكن هذه حالة واحدة ومن الممكن ترجيح وجود حالة عدم انسجام بين الرئيس ورؤساء حكومات سابقة مثل أحمد بن بيتور وعلي بن افليس وحتى أحمد أويحي. إذا, التعديلات الجزئية التي يقترحها رئيس الجمهورية متصلة بالأساس بمسألتين سلطويتين: الأولى هي توحيد رأس السلطة التنفيذية بتوسيع صلاحيات الرئيس وتقليص صلاحيات رئيس الحكومة وربما تغيير تسمية المنصب والعودة إلى صيغة دستور 1976 المعدل أي منصب وزير أول بصلاحيات محدودة يحددها رئيس الجمهورية نفسه أو يتنازل عليها من صلاحياته. والمسألة الثانية هي تعديل المادة 74، ذلك أنه " لا يحق لأحد أن يقيد حرية الشعب في التعبير عن إرادته.." وذلك هو التبرير الذي ظل يردده دعاة العهدة الثالثة والمترافعين من أجلها. مهما يكن, فإن مسألة تعديل الدستور كما اتضح الآن مرتبطة بمسألة سلطوية وليس بمسألة مؤسساتية، وقد ظل منصب الرئيس يطرح مشاكل متنوعة على السلطة منذ قيام دولة الجزائريين المستقلة عن الاستعمار القديم، وهو اليوم عاد ليطرح مسألة سلطوية. والرئيس بوتفليقة بهذا التعديل الجزئي والشكلي يريد أن يقول: لا بد من أن تعطى لي فرصة ممارسة السلطة كما مارسها بومدين والشاذلي بن جديد ولأطول مدة ممكنة. ولكن ينبغي القول إن الأمر هو تكريس لواقع قائم أي منطق الأحادية والسلطة المطلقة. وذلك يؤكد أن مسألة من يكون رئيسا ولكم عهدة هو مسألة أساسية بالمنطق السلطوي ، ولكنه مسألة ثانوية بالمنطق المؤسساتي. ذلك أنه عندما نقرأ تصريحا لوجه سياسي برلماني من خارج البيروقراطية السياسية التي يستند الحكم لها، مثل السيدة لويزة حنون، تقول فيه: إن المجلس الشعبي الوطني، الذي يفترض أنه يضم ممثلي الشعب، " صارا خطرا على الأمة بكاملها"، فإن ذلك يأتي ليؤكد لنا أن المسألة الأساسية المطروحة اليوم هي مسألة مؤسساتية ومتصلة بنظام الحكم وبالمؤسسات وممارستها لوظائفها وعلاقاتها ببعضها. لكن مع ذلك, دعنا نتساءل ما الذي سيتم إدخال تعديل عليه في الدستور المعدل سنة 1996 في عهد الرئيس زروال. لقد تأكد أن المادة المتصلة بالسماح للرئيس بعهدة ثالثة سيمسها التعديل وسيتمكن الرئيس بوتفليقة من أن يترشح، أو لنقل مباشرة أن يظل رئيسا للبلاد، الوقت الذي يسمح به العلي القدير!! إذا, تعديل الدستور محصور في المادة 74 فقط وفي صلاحيات رئيس الحكومة، أي في السلطة التنفيذية وممارستها وسيطرة الرئيس على مجموع أجهزتها، وهو أمر كان قائما بشهادة عدد من رؤساء الحكومات السابقين، ولذلك فالمسألة تعد بسيطة. من ناحية أخرى يمكن القول: لقد توصل أصحاب القرار لصيغة تحسم النقاش في مسألة العهدة الثالثة والمسألة صارت الآن مسألة إجرائية فقط. ونتذكر أن البعض توقع أن يلجأ التعديل الدستوري لإنشاء منصب نائب رئيس إذا ما تم تقليص صلاحيات رئيس الحكومة، ولكن يبدو الآن أن ذلك صار أمرا مستبعدا حتى وإن لم يكن مستحيلا. كما يمكن أن نقرأ ذلك على أنه اتفاق تم بين أصحاب القرار ومجموع القوى الفاعلة في القرار على تجميع أو توحيد سلطة القرار التنفيذي في يد واحدة. من بين الاحتمالات التي جرى الحديث عنها أيضا، بل كانت من تمنيات الرئيس، هو أن يشمل التعديل إلغاء الغرفة الثانية، أي مجلس الأمة،ولكن واضح أنه تم توحيد رأس السلطة التنفيذية في وقت لم يتم اللجوء لتوحيد السلطة التشريعية، وذلك يضيف مزيدا من القوة للسلطة التنفيذية القوية ويقلل من حظوظ ممارسة السلطة التشريعية لوظيفتها الحقيقية. المسألة المتصلة بتوازن السلطات والتمكين للسلطة التشريعية من الحصول على شيء من السلطة في مراقبة عمل السلطة التنفيذية يبدو أنها تبخرت بشكل كامل. فمع توسيع صلاحيات الرئيس جاءت عوامل إضافية للضغط في اتجاه عدم تمكين البرلمان من ممارسة وظيفته ولا تمكينه بالخصوص من شيء من القدرة على الحد من " حرية" السلطة التنفيذية ومن عدم وجود رقيب على عمل الوزراء والحكومة وأجهزتها المختلفة. اليوم سيصبح أي انتقاد لعمل السلطة التنفيذية ليس انتقادا للحكومة بل للرئيس نفسه، مما يعني أن مساحات التعبير الممكنة سوف تعرف التقليص وأن البرلمان سيميل أكثر إلى الصمت الرهيب وعدم التجرؤ على مناقشة عمل الحكومة. في كل الأحوال كان واضحا أن التعديل لا يمكن أن يمس أسس النظام وتوازناته الكبرى، وأنه لن يتصل بتعديل جوهري يعزز ضمانات الحريات ويعزز ضمانات قيام تمثيل اجتماعي سياسي حقيقي ولن يتجه في اتجاه تقييد السلطة التنفيذية وتحرير المجتمع وقواه الاجتماعية والسياسية. ولهذا فإن الأمر في كل الأحوال هو مسألة سلطوية ولن تغير من حقيقية ممارسة السلطة والقوى المسيطرة على القرار قيد أنملة. حتى وإن تعزز الانطباع أن الرئيس صار مركز قرار أهم في النظام الحاكم وذلك على حساب من نسميهم في اللغة الإعلامية أصحاب القرار. ذلك يعد مسألة إيجابية من ناحية أخرى، ذلك أن الرئيس سيكون هو المسؤول الأول على القرار السياسي وعلى نتائج عمل السلطة التنفيذية.