الواضح إن الاسرائليين ينتظرون مقابل انسحابهم من الجولان الكثير من الجانب السوري ، فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في العام 1993أن "عمق الانسحاب من الجولان سيعادل عمق السلام". والواضح أيضا إن السوريين قد بدؤوا يستعدون لمرحلة المفاوضات المباشرة بين الطرفين . تاريخيا، لمح رابين في جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي في 8 سبتمبر 1994 إلى أن الانسحاب من الجولان سيتم في إطار اتفاقية سلمية تشبه معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، أي انسحاب تدريجي مرافق بتطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل وترتيبات أمنية خاصة. فإسرائيل تريد من سوريا اتفاقية فردية على طريقة كامب دايفيد . لكن السوريين مازالوا لم يقبلوا العرض الإسرائيلي في بداية الأمر لكنهم الآن يبدو أنهم قاموا بتليين موقفهم بعد التصريحات الأخيرة الرئيس بشار الأسد منذ يومين حول قبوله لأول مرة المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل وحديثه عن ما أسماه ب "إرساء قواعد البناء الصحيح" للمفاوضات والعلاقات بين الطرفين، وهو ما يعد إشارة واضحة للاستعداد في الدخول في مرحلة حاسمة من المفاوضات الجديدة بعد أربعة جولات من المفاوضات غير المباشرة التي كانت تتم بوساطة تركية منذ العام الماضي والتي لم تتوصل الى نتائج واضحة حتى الآن . والإشارة السورية بقدر ماهي موجهة الى الحكومة الاسرائلية التي ستتشكل بين الانتخابات التشريعية العامة في إسرائيل التي ستجرى قريبا ، فإنها موجهة أيضا الى الإدارة الأمريكيةالجديدة لباراك اوباما التي ستنصب في جافني المقبل . في 23 أفريل 2008 نشرت وكالة الأنباء السورية "شام برس" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد، عن طريق رئيس الوزراء التركي، أنه مستعد لانسحاب إسرائيلي من هضبة الجولان مقابل السلام. وأكد الأسد في حوار مع جريدة "الوطن" القطرية في اليوم التالي لصدور الخبر أنه قد تلقى هذا الإبلاغ، وأن هناك اتصالات مستمرة مع إسرائيل بوساطة تركية. و في هذا السياق، قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي زار المنطقة منتصف العام الجاري إنه يعتقد أن الجانبين الإسرائيلي والسوري قد حلا بالفعل 85 في المائة من خلافاتهما، بما في ذلك الخلافات حول الحدود والموارد المائية وإنشاء منطقة أمنية ووجود القوات الدولية، ولم يبق مشكلة إعلان المفاوضات التي تفضل إسرائيل أن تكون سرية فيما تصر سوريا على ضرورة الإعلان عنها رسميا.. لقد أبدى الاسرائليون اهتماما كبيرا للجولان، ونتيجة تمسكهم بها فشلت كل جولات المفاوضات التي جرت بينهم وبين السوريين ومنها على الأخص تلك التي توقفت في العام 2000 . ولم يكن الاهتمام بالهضبة التي تبلغ مساحتها كاملة 1860 كم مربع، وليد لحظة احتلالها في العام 1967، بل أن الاهتمام ظهر مع بداية القرن الماضي.. حيث قال حاييم وايزمن الناطق باسم المنظمة الصهيونية في الرسالة التي وجهها إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في العام 1919ان "المنظمة الصهيونية لن تقبل تحت أية ظروف خطة لسايكس بيكو، لأن هذا التقسيم يحرم الوطن القومي لليهود بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها الى حد كبير نجاح المشروع بأسره" . ولكن الأطماع الإسرائلية تأخرت حتى العام 1967 ففي الحرب التي اندلعت في ذلك العام احتل الجيش الإسرائيلي 1260 كم2 من مساحة الهضبة بما في ذلك مدينة القنيطرة. وعندما اندلعت حرب أكتوبر 1973 استرجع الجيش السوري مساحة قدرها 684 كم2 من أراضي الهضبة لمدة بضعة الأيام، ولكن الجيش الإسرائيلي أعاد احتلال هذه المساحة قبل نهاية الحرب. وفي العام 1974 أعادت إسرائيل لسوريا مساحة 60 كم2 من الجولان من ضمنه مدينة القنيطرة وبعض القرى المحيطة بها في إطار اتفاقية فك الاشتباك، وقد عاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي ما زالت مدمرة حيث تركها السوريين كشاهد على العدوان. وفي ديسمبر 1981 أعلن الكنيست الإسرائيلي بضم الجزء المحتل من الجولان إلى إسرائيل. وقد رفض مجلس الأمن هذا في قرار تحت رقم 497 بتاريخ 17 ديسمبر 1981. وتشير وثائق الأممالمتحدة إلى منطقة الجولان باسم"الجولان السوري المحتل". كان عدد سكان الجولان، بما في ذلك مدينة القنيطرة، قبل حرب 1967 نحو 135 ألف نسمة، وقد طردت إسرائيل 120 ألف من سكان المنطقة، وقامت ببناء أكثر من 35 مستوطنة واستقدمت 50الف مستوطنا. ولازال سكان الجولان يرفضون الهوية الإسرائيلية ويذهبون الى سوريا للتعلم في جامعاتها و يسافرون ب "جوازات سفر الحيوانات" التي يركبونها لأنهم رفضوا الجنسية الإسرائيلية. ويعلنون انتمائهم لسوريا كل عام في احتفالات عيد الجلاء وذكرى الإضراب ضد قرار الضم، وتقدم لهم السلطات السورية الكثير من التسهيلات والمساعدات، من بينها شراء محصولهم الفلاحي بعد أن حاصرتهم إسرائيل بمنتجاتهم لكسر إرادتهم. مقابل هذا، يخصص الإسرائيليون أهمية كبيرة للجولان لما تتمتع به الهضبة من موقع استراتيجي ترى الدولة العبرية أنه يمثل خطورة عليها. فبمجرد الوقوف على سفح الهضبة، يستطيع الإنسان من تغطية شمال إسرائيل بالعين المجردة لما تتمتع به الهضبة من ارتفاع نسبي. ولهذا يخشى الإسرائليون أن تكون مدن الشمال عرضة للمدفعية السورية. ولكن يظهر أن عنصر المياه التي تتوفر في الهضبة وخاصة في بحيرة " طبريا "هو العامل الذي أخر تسليم الجولان كاملة إلى سوريا. فالبحيرة هي الخزان الطبيعي للمياه التي تعتمد عليها إسرائيل بجزء كبير في مياه الشرب وحتى في سقي المحاصيل الزراعية . ولكن رغم الأهمية الجغرافية والاستيراتيجية للهضبة التي تتمركز على حدود عدة دول عربية فهي تجاور فلسطينالمحتلة وتطل على شمال اسرائيل مباشرة ولها منافد مع لبنان والأردن. فإن الجولان تمثل بعدا أعمقا للسلام كما قال رابين فالاسرائليون لايريدون تطبيق مبدأ "الأرض مقابل السلام ولو كانت المسالة تتخلص في جانبها الأمني لتمت تسويتها مثلما تمت تسوية قضية "سيناء "المصرية بإجراءات أمنية "وإنما يريد الاسرائليون من سوريا، كما قال نهاية الأسبوع الجاري أحد الناطقين باسم الحكومة الاسرائلية لقناة " العربية " الفضائية بأن "لا تتعامل سوريا مع من أسماهم ب "المتطرفين الإرهابيين"، وتدخل في القاموس الإسرائليي وفق هذا التصريح شروط إسرائيلية تجاه سوريا من بينها إيقاف علاقاتها المميزة مع إيران، ووقف تعاملها مع حزب الله أو على الأقل عدم دعم قضية بقائه مسلحا سياسيا ومعنويا، وفي نفس الإطار تحديد علاقتها في التعامل مع حكومة لبنان وفق مفاهيم جديدة لا تتعارض مع المصالح الإسرائيلية والأمريكية، والمطلوب من سوريا أيضا اتخاذ موقف من حركة حماس الفلسطينية لا يتعارض مع الأجندة الإسرائيلية والأمريكية، وبالتالي فإن تواجد رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل يصبح محل نقاش، كما أن سوريا مطالبة باتخاذ مواقف من الفصائل الفليسطنية التي مازالت تدعو إلى المقاومة والموجودة في الأراضي السورية. إضافة إلى كل هذا فإن سوريا مطالبة بالتخلي عن سياسية الممانعة التي تتلخص في مقاومة المدّ الاسرائيلي والأمريكي في المنطقة.