وسط ديكور من الأوحال والبنايات الهشة والقصديرية تعيش خمسة وأربعين عائلة بحي "أحمد زعبوب" المعروف "بكور فيانسان" ببلدية حمادي كرومة بولاية سكيكدة أوضاعا أقل ما يقال عنها أنها كارثية فالوالج لهذا الحي أول ما يصطدم به تلك العمارة القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب، فقد شيدت إبان الاحتلال الفرنسي وصنفت من ضمن البنايات المهددة بالانهيار منذ قرابة الربع قرن لكن هناك من لايزال يقطن البناية المكونة من طابقين محتمين بأسقف وجدران متصدعة ليصبحوا عرضة لمياه الأمطار شتاء وللجرذان والأفاعي ومختلف الحشرات الضارة صيفا وعند حديثنا مع السكان ابدوا لنا مدى المرارة الحياة التي يتكبدونها وبالأخص في فصل الشتاء بصفتهم متموقعين بالقرب من وادي الصفصاف الذي يبقى هاجسهم الأكبر في فصل الأمطار، حيث قصوا لنا كيف أنهم يقضون ليال بيضاء عندما يرتفع منسوب المياه بالوادي فيجمعون أمتعتهم لينتظروا دقيقة الصفر وحينها تلجأ كل عائلة إلى أقرب الأقارب ليستضيفونهم إلى حين زوال خطر الفيضان، هذا وقد حدث وأن غمرت المياه شقق الطابق الأرضي من البناية الأمر الذي أتى على كل أثاث العائلات، إضافة إلى أن تسربات المياه أصبحت الشغل الشاغل لربات البيوت اللاتي يقضين ساعات طويلة في التصدي لمياه الأمطار المتسربة من مختلف التشققات في الأسقف والجدران المهترئة، ناهيك عن لجوئهم إلى قطع التيار الكهربائي قسرا جراء خوفهم من اندلاع شرارات كهربائية نتيجة التماس بين الماء والكهرباء ليقضوا في الكثير من الأحيان ليال طويلة على أضواء الشموع، أما عن عمليات الترميم فقد أخذت منها تلك البناية قسطا أوفر إلى درجة أن أصبحت غير قابلة للترميم حتى حدث وأن سقط سقف أحد الغرف بإحدى الشقق ليحدث هلعا كبيرا وسط السكان. وبالنسبة لعمليات التنظيف فهم لا يكادوا يعرفونها إلا في المناسبات وان قاموا بها فهم يتوخون أقصى درجات الحذر إذ انه لو حدث وتبللت أرضية إحدى الشقق بالطابق الأول فان المياه ستكتسح بالضرورة غرف الطابق الأرضي للعمارة. والى جوار هذه العمارة المهترئة هناك كومة من الأكواخ القصديرية التي شيدتها بعض العائلات التي لم تجد سبيلا للهروب من ضيق و اهتراء البناية القديمة إلا استغلال جزء من فناء العمارة لبناء بيوت قصديرية تأويهم إلى حين ظفرهم بمساكن لائقة، لكن رغم هذا يبقى هاجس فيضان وادي الصفصاف يلاحق هذه العائلات، فعندما تحدثنا إلى رب أحد العائلات القاطنة بكوخ متكون من غرفتين هو وزوجته وأربعة أبناء قال بكل حزن أنه غير متفائل من استفادته من مسكن اجتماعي إلا انه عبر لنا عن رغبته في "أن يترك أبناءه الأربعة و زوجته في بيت لائق بعد مماته" خاصة وأنه مقعد ومصاب بمرض تنفسي، هذا ولم يسلم العديد من سكان هذا الحي المنكوب من التعرض لبعض الأمراض الخطرة والمزمنة التي تسببت فيها وضعيتهم السكنية، إذ أن الكثير منهم قد أصيبوا بأمراض تنفسية وبأمراض الحساسية الناتجة عن الرطوبة والروائح الكريهة المنبعثة من وادي الصفصاف المحاذي لحيهم. هذا وقد أكد لنا الكثير من السكان بأنهم قد أودعوا ملفات الاستفادة من سكنات اجتماعية منذ عدة سنوات إلا أن أمل حصولهم على سكنات لائقة لم يتحقق بعد، هذا الأمل الذي بقي حبيس صدورهم كما بقيت ملفات الاستفادة من السكنات الاجتماعية حبيسة أدراج الإدارة رغم توالي السنين.