وجاء في كل الدراسات الاجتماعية والنفسية أن المرأة رمز التضحية والصبر، سيما وأنها تميل بطبيعتها إلى البحث دوما عن الاستقرار في حياتها الزوجية، فهي لا تلجأ إلى الطلاق أو الخلع، إلا بعد أن تصل إلى ذروة اليأس والفشل في إيجاد الحلول المغيرة للأوضاع المؤلمة التي تمر بها، كما أنها تحتاج إلى فترة زمنية يختلف مداها من شخصية إلى أخرى ليعود لها التوافق النفسي. وأكد لنا أحد المختصين في علم النفس الإكلينيكي على مستوى مستشفى "أحمد عروة" بقسنطينة لقاء جمعه مع "الفجر"، أن العديد من الدراسات الميدانية أوضحت أن عملية التوافق النفسي تمر بثلاث مراحل تتمثل في مرحلة الصدمة، حيث يعاني أغلب المطلقين من الاضطراب الوجدان والقلق والتردد في مواصلة الدرب بدرجة عالية، ومرحلة التوتر والتي يغلب عليها القلق الشديد والاكتئاب المزمن أحيانا، وتتضح آثارها المرتبطة بالاضطهاد والظلم للذات كعقاب لها.. مما يؤدي إلى الوحدة والانطواء والتشاؤم وضعف الثقة بالنفس وعدم الرضا عن الحياة• أما المرحلة الأخيرة فتتمثل في إعادة التوافق وفيها ينخفض مستوى الاضطراب الوجداني، ويبدأ المطلقون إعادة النظر في مواقفهم في الحياة بصفة عامة والزواج بصفة خاصة• وللطلاق آثار سلبية على الأسرة بأسرها لما تتسبب فيه من آثار نفسية جد مؤلمة، خاصة إذا كان هناك أطفال فهم الأكثر عرضة لمتاعب ومآسي انفصال الأبوين، وتوافق الفرد مع الطلاق يرتبط بمدى استعداده لمناقشة هذا الموضوع ومدى تقبله له• ويضيف ذات المصدر أن المقصود بالسلوك التوافقي هو السلوك الموجه من الفرد عن وعي وإدراك للتغلب على العقبات والمشاكل التي تحول دون انسجامه مع بيئته الجديدة، ويتم ذلك عن طريق تعديل الفرد لذاته وبيئته وتكيفه مع الأوضاع الجديدة بشكل يحقق له الرضا الذاتي والقبول الاجتماعي ويخفض من توتره وقلقه وإحباطه الذي تنجر عنه مشاكل نفسية جد متأزمة• وتحتاج المرأة في الفترة الموالية لأزمة الطلاق إلى فترة بناء وترميم للذات تعيد فيها بناء ثقتها بنفسها وإعادة حساباتها والتخلص من أخطائها وتعديل وجهة نظرها نحو الحياة بصفة عامة والرجل بصفة خاصة، وتعويض الحرمان النفسي وشغل الفراغ الذي سببه الانفصال عن زوجها، خاصة إذا ما كانت ماكثة بالبيت فالتغلب على ما تعانيه من صراعات نفسية تولدت عن تجربة الفشل التي عاشتها، نتيجة لتغيير نظرة المجتمع إليها لا سيما المقربين منها، وانخفاض مفهوم الذات لديها ناهيك لما مر بها من حرمان ومآسي طوال حياتها الزوجية الفاشلة أمر جد معقد وغاية في الصعوبة• فالمرأة التي لم تكن مستعدة للطلاق تحتاج -حسب ذات المصدر- إلى وقت أطول كي تستعيد توافقها وتوازنها النفسي. نظرة المجتمع للمرأة المطلقة•• صدمة تربكها وتكبح آمالها بعد أن تهدأ النفوس وتستقر الأوضاع بعامل الزمن، تبحث المطلقة عن رفيق جديد تواصل معه مشوار الحياة بعيدا عن مآسي الوحدة، غير أنها في الكثير من الأحيان تصطدم بالحقيقة المرة، التي مفادها أن الرجال غير مستعدين للارتباط والزواج بامرأة لم تستطع في تجربتها الأولى أن تكسب ود زوجها فطلقها، أوالتخوف من امرأة كانت هي المصرة على الطلاق تلك التي خلعت زوجها• فالمجتمع الذكوري في أغلب المرات لا يتقبل فكرة أن تكون المرأة التي سيرتبط بها كانت لها تجربة زواج فاشلة، على الرغم من أنها غالبا ما تكون ضحية لسلوكيات الزوج، وتصدمها الحقيقة الثانية، وهي مشكلة الأولاد• فمن النساء من ترضى التخلي عن أولادها والتضحية بهم في سبيل بناء حياة زوجية جديدة، على الرغم من أنها ستخدم أولادا غير أولادها، إن هي تزوجت رجلا أرملا أو مطلقا لن يتمكن من توفير حاجيات أطفالها وأطفاله معا، بالإضافة إلى غيرته من هؤلاء الأطفال كلما رآهم، لأنهم يذكرونه دائما بأن أمهم كانت لرجل قبله• كما تصدمها الحقيقة الثالثة، وهي أن أهل المطلقة نفسها ومحيطها لا يتقبلون أن تعيش بنتهم المطلقة حياة العزوبية بالاستقرار أولا، والخوف من كلام الناس ثانيا• فالمرأة المطلقة لا مكان لها على وجه الخصوص إذا كانت شابة جميلة، ذلك أن المجتمع ربى الفتاة على فكرة ثابتة، وهي أن الجمال الجسماني هو كنزها، وهو أيضا مصدر يعرضها للخطر وتهديد تحرشات الرجل لها سواء في مجال العمل أو خارج إقليم البيت، لذا نجد الأهل في الغالب يسارعون إلى تزويجها قبل أن تستعيد توازنها النفسي وتلتئم جراحها بطريقة تسلبها في بعض الأحيان حرية اتخاذ القرار بالقبول من عدمه من الارتباط مجددا، ففي الغالب ما يتم إجبارها على الرضوخ لرغبة الأهل• فمتى سيدرك المجتمع أن الطلاق أوالخلع ليس وصمة عار على جبين المرأة؟ بل قد يكون نهاية لحياة شقية مليئة بالمآسي وبداية لحياة سعيدة تكون فيها المرأة سيدة لذاتها ولاختياراتها•