كم أعجبني ما قام به، أول أمس، الوزير الأول التركي، رجب طيب أردوغان، عندما غادر مجلس منتدى دافوس، احتجاجا على منعه من الرد على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، عندما برر هذا الأخير الاعتداءات التي قامت بها بلاده على غزة• ومثلما خرج الأتراك لاستقباله بمطار اسطنبول، فرحنا بدورنا بهذا الدور البطولي الذي قام به نسل أتا ترك، تماما مثلما فرحنا بزوج الحذاء الذي كاد يفجر وجه بوش منذ أسابيع في العراق•• فلكثرة هزائمنا وذلنا صرنا نفرح لأدنى حركة تحاول نفض الغبار علينا• لكن هناك أمر يجب ألا يغيب على أذهاننا•• وسط الفرحة العارمة بانتصار أردوغان على بيريز، هو أن تركيا مازالت تسخر ترابها لإسرائيل وتحتضن قواعد تدريب لجيوشها ولما تقوم به الدولة العبرية من تجارب على الأسلحة وخاصة الصواريخ التي تحتاج إسرائيل لمجال واسع لتجريبها وهو ما تفتقر إليه في ترابها• بعبارة أخرى أن الطيارين الإسرائيليين الذين قصفوا أطفال غزة ونساءها كانوا ومازالوا يتخذون تركيا أردوغان مجالا لتدريبهم بعدما فقدت المجال الذي كانت توفره لها إيران أيام الشاه، ومثلما تستفيد من عمق الصحراء الموريتانية لنفس الغرض• ثم إن تركيا مازالت تتعامل مع الدولة العبرية معاملة تفضيلية ولا شيء يدل في تصرفاتها السياسية بأنها ستغير من علاقاتها معها• وهناك قضية أخرى وهي أن تركيا مقبلة على انتخابات تشريعية بعد أسابيع، فلابأس أن يدشن أردوغان حملة لحزبه على حساب مأساة غزة، ربما لأجل هذه الحملة الإشهارية ذهب أردوغان إلى دافوس وهو يعرف أن المنتدى مخصص لصفوة الصفوة من المجتمع الدولي ويعرف قبل كل شيء أن بيريز سيكون من الحاضرين وسيتكلم وسيبرر فعلته في غزة، فأيهما كان يخدم القضية الفلسطينية أكثر: أن يغلق أردوغان قواعد تدريب الجيش الإسرائيلي في بلاده أم يحمل أوراقه ويغادر دافوس شاتما مستنكرا؟