إنسحاب رئيس الوزراء التركي من قمة دافوس تدافع آلاف المواطنين الأتراك إلى مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول في ساعة مبكرة من صباح أمس «الجمعة» لاستقبال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وزوجته السيدة أمينة أردوغان لدى عودتهما من دافوس، تعبيرا عن تأييدهم لموقفه في اسطنبول عندما قاطع جلسة حول غزة عقدت في إطار منتدى دافوس عقب مشادة مع الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز واحتجاجا على سلوك منظمي الجلسة. وكان استقبال أردوغان أشبه باستقبال الأبطال، ورفع المواطنون الذين كانوا في استقباله علمي تركيا وفلسطين، وشعارات التأييد مثل: «القائد الجديد للعالم» و«تركيا تفتخر بك»، وكان على رأس المستقبلين رئيس بلدية اسطنبول قدير توباش، والمرشح للمنصب نفسه أيضا في الانتخابات المحلية التي ستجري في 29 مارس المقبل. ومددت بلدية اسطنبول فترة عملها بكامل موظفيها حتى فجر الجمعة وخصصت اتوبيسات مجانية لنقل آلاف المواطنين إلى مطار أتاتورك بعد أن لاحظت خروجهم بآلاف لاستقبال أردوغان، كما غطى «القرنفل» الأحمر الطريق الذي سلكه أردوغان من مطار أتاتورك إلى منزله في حي أوسكدار واحتشد الآلاف على جانبي الطريق لتحية رئيس وزرائهم الذي بهرهم بموقفه الشجاع في دافوس. وكان اردوغان قد انسحب غاضبا من قاعة المنتدى الاقتصادي في دافوس أول من امس الخميس حيث عقدت جلسة خاصة عنوانها: «غزة نموذج للشرق الأوسط» شارك فيها ايضا الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى والرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز. واتهم اردوغان المنظمين بمنعه من الكلام للرد على مداخلة طويلة لبيريز استغرقت حوالي 25 دقيقة دافع فيها عن العدوان الاسرائيلي على غزة مؤكدا أنه كان بهدف الدفاع عن النفس في مواجهة صواريخ حماس وانه كان الرد الأنسب على هذه الصواريخ، ورد اردوغان الذي بدأ بيريز مقاطعته فور بدئه في إلقاء كلمته قائلا إن اسرائيل تعرف كيف تقتل البشر وهذه هي سياستها مؤكدا أنه من المحزن جدا ان يصفق اشخاص لموت الكثيرين واعتقد انهم مخطئون بالتصفيق لأعمال قتلت اشخاصا بسبب تصفيق الحضور لبيريز بعد مداخلته. كان يدير اللقاء قاطعه بحجة ان المناقشة انتهتلكن اردوغان تجاهله وانتقد الجمهور لتصفيقه بعد كلمة الرئيس الاسرائيلي. وقد حاول مدير الجلسة منع أردوغان من الكلام والرد على بيريز فنهض رئيس الوزراء التركي غاضبا وانصرف محتجا وهو يقول أعتقد أنني لن أعود إلى منتدى دافوس مرة أخرى لأنه أصبح منتدى للأغنياء والأقوياء، ودوى التصفيق بالقاعة أثناء مغادرة أردوغان. وعقد اردوغان مؤتمرا صحفيا عقب انصرافه قال فيه ان الرئيس الاسرائيلي كان «يستدير وينظر اليه وهو يلقي كلمته وكأنما يهدده وهو رئيس وزراء الجمهورية التركية وان ذلك يتنافي مع روح النقاش الحر في دافوس، ومع كل ذلك فإن رد فعلي كان موجها إلى المنظمين، فبيريز منح 25 دقيقة للكلام، بينما منح المشاركون الآخرون وقتا اقل من نصف هذا الوقت وكأنما عقدت الجلسة لاسرائيل للدفاع عن نفسها وعما فعلت في غزة». وكان أردوغان رد خلال الجلسة على مقاطعة بيريز له بقوله إنك تتحدث بصوت عال أكثر من اللازم ويبدو أن هذا هو سلوك الاسرائيليين، الذين يعيشون ظروفا نفسية صعبة لشعورهم بفداحة ما ارتكبوا من أخطاء وآثام بقتل المئات من الأطفال والنساء في غزة. وأكد أردوغان أن منصبه كرئيس لوزراء الجمهورية التركية يحتم عليه الدفاع عن كرامة بلده ، وقال في كلمة خاطب فيها آلاف المواطنين الذين احتشدوا في مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول لاستقباله لدى عودته من دافوس: «إنني رئيس وزراء تركيا وعلي الدفاع عن كرامتها وأنا لست دبلوماسيا متقاعدا ولا اتحدث في بعض الأحيان كما يتحدث الدبلوماسيون المتقاعدون، لأنني وصلت إلى هذا المنصب من أعماق السياسة، والبعض لا يزال غير مدرك لقوة تركيا، لكننا لا نعمل على ضوء ما يقوله الآخرون وسنستمر في موقفنا بالدفاع عن تركيا وهذا ما يليق بالشعب التركي». وأضاف أردوغان أنه غادر منصة الاجتماع في دافوس أمس احتجاجا على عدم منحه الوقت الكافي للرد على الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز، وأنه كان من العيب أن يصفق الحاضرون لكلمات بيريز بعد أن فقد المئات من الأطفال في غزة حياتهم على أيدي الاسرائيليين، كما أنني لست رئيس قبيلة حتى يقاطعني بيريز ويتعامل معي منظمو الجلسة بهذا الشكل فأنا رئيس وزراء الجمهورية التركية. وتابع أردوغان أن الرئيس الاسرائيلي استخدم عبارات لا تليق بعمره أو منصبه وحاول تبرير العدوان على غزة بكلام يخالف الحقيقة، لكن التاريخ يرفض هذه الأكاذيب ونحن نعرف جميع الحقائق. وفي مؤتمر صحفي بمطار أتاتورك، أكد أردوغان أن موقفه من العدوان الاسرائيلي على غزة ليس موجها إلى اليهود أو الشعب الاسرائيلي وإنما إلى الإدارة الاسرائيلية. وتناول أردوغان بالتفصيل وقائع المشادة بينه وبين الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز في جلسة بمنتدى دافوس أمس الأول حول حالة السلام في الشرق الأوسط وغزة كنموذج للشرق الأوسط، مشيرا إلى ان الجلسة بدأت في أجواء هادئة، وأن الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون تحدث لمدة 8 دقائق، ثم تحدث الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي، ثم هو، لمدة 15 دقيقة لكل منهما، بينما تحدث الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز لمدة 23 دقيقة دون أن يقاطعه أحد. وأضاف أن الكلام الذي قاله بيريز في كلمته لا يليق برئيس دولة وتضمن العديد من العبارات المهينة ولم يكن ممكنا أن يقبل اتهاماته ومواقفه المتصلبة التي عبر عنها في مداخلته، مشيرا إلى أنه شارك في هذا الاجتماع كرئيس لوزراء تركيا الذي تقع عليه مسئولية حماية كرامة الجمهورية التركية والدفاع عنها. وقال رئيس الوزراء التركي: «حتى أكون أمينا، أنا لم آت من الحقل الدبلوماسي، لكنني جئت من حقل السياسة ولا أتحدث بالطريقة التي يتحدث بها الدبلوماسيون في مثل هذه المواقف، والجميع يعرف أن مسؤوليتي هي الدفاع عن كرامة تركيا لأنني لست رئيس وزراء مجموعة معينة أو رئيس قبيلة، لكنني رئيس وزراء الجمهورية التركية.. هذه هي شخصيتي، وهذه هي هويتي». وأشار أردوغان على أنه حينما طلب دقيقة وحدة لاستكمال كلمته والتعليق على ما قاله بيريز رفض مدير الجلسة أن يمنحه الفرصة للكلام، فلملمت أوراقي وغادرت القاعة دون انتظار أن ينهي المنظمون الجلسة، ولم يكن هذا موقفا شخصيا، وإنما كان دفاعا عن مصداقية بلدي ومكانتها. وأضاف أردوغان قائلا :«وحتى يكون توجهي واضحا.. أنا لا أسمح لأي أحد بأن يهين بلدي أو يحاول النيل من كرامته». وواصل أردوغان أن الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز اتصل به بعد ذلك معتذرا، ومحاولا تبرير رفع صوته أثناء الكلام والحديث بصوت أعلى من اللازم أثناء الجلسة بأنه اعتقد أن الحاضرين لا يسمعونه، مشيرا إلى أنه سيتناول تفاصيل ما جاء خلال اتصال بيريز أثناء احتفال يقام في اسطنبول في وقت لاحق لتدشين أحد الطرق الجديدة. وردا على سؤال حول احتمالات تأثير هذا الموقف على العلاقات التركية الاسرائيلية قال أردوغان إنه لم يستهدف بأي شكل من الأشكال الشعب الاسرائيلي أو اليهود عموما وإنما موقفه واضح تماما وهو ضد سياسات الإدارة الاسرائيلية. وبشأن ما إذا كان سيعود إلى دافوس مرة أخرى بعد ذلك أجاب أردوغان: «لا أعتقد ذلك، والأمر لم يعد محل اهتمام منه على الاطلاق». ونفت الرئاسة الإسرائيلية نفياً قاطعاً أمس أن يكون الرئىس شيمون بيريز قدم اعتذارات الخميس إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وقالت النطاقة باسم الرئاسة ايلين فريش لوكالة فرانس برس ان «هذا الادعاء لا أساس له بتاتاً». وأكدت في المقابل ان بيريز اتصل بأردوغان مشيرة إلى أن «المكالمة كانت ودية» بين المسؤولين. وأوضحت الناطقة «خلال المكالمة شدد رئيس الوزراء التركي على أن ما قام به لم يكن موجهاً ضد بيريز بل رئيس جلسة النقاش» الذي منعه عن الكلام. إلى ذلك، اعتبرت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) انسحاب رئيس الوزراء التركي خلال اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس «انتصارا» للشهداء الفلسطينيين في الهجمات الاسرائيلية على قطاع غزة. وفي بيان له قال الناطق باسم «حماس» فوزي برهوم ان انسحاب رجب طيب اردوغان من قاعة الاجتماع «هو انتصار لضحايا مدرسة الفاخورة (جباليا) ولآلاف الجرحى والشهداء وضحايا هذه المحرقة الصهيونية وانتصارا لعدالة القضية الفلسطينية». واكد ان حركته تشيد «بالمواقف النبيلة التركية رئاسة وحكومة وشعبا الذين ابدوا تضامنا حقيقيا وفاعلا مع اهلنا وشعبنا ومع قضيتنا العادلة». وأشاد بموقف اردوغان الشجاع: «الذي دافع فيه امام كل المجتمعين في منتدى دافوس، وفي وجود رأس الشر الصهيوني (الرئيس الاسرائيلي) شيمون بيريز عن ضحايا الحرب الصهيونية المجرمة التي شنت على اطفالنا ونسائنا وأهلنا في غزة». وفي السياق ذاته دعت حركة حماس إلى مسيرات جماهيرية في غزة بعد صلاة الجمعة اليوم لإعلان التأييد والتضامن مع رئيس الوزراء التركي. على صعيد آخر، كشفت صحيفة هارتس أمس الجمعة عن أن «إسرائيل» قررت القيام بعمليات محددة الأهداف ضد حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، بزعم الرد على عملية تفجير الجيب العسكري في كيسوفيم والتي قتل فيها ضابط وأصيب ثلاثة جنود أحدهم إصابته خطرة.