يشكل التسمم العقربي، إنشغال صحي حقيقي لسكان ولاية ورقلة، والذي يستدعي تكثيف وتظافر الجهود المبذولة حاليا ضمن البرنامج الوطني للوقاية من التسمم العقربي، بما يسمح بتعزيز فعالية آليات التكفل الطبي لتفادي الوفيات. وتظل هذه الولاية من جنوب أقصى الوطن، واحدة من بين أكثر المناطق عرضة لانتشار هذا النوع من التسممات الخطيرة والتي تبقى تهدد الصحة العمومية، وذلك لتوفر عديد العوامل المساعدة ومن بينها بعض السلوكيات السلبية للمواطن، سيما ما تعلق منها بتدهور المحيط عبر الأحياء و التجمعات السكنية وانتشار النفايات بشتى أصنافها و البناءات الفوضوية، بالرغم من تنفيذ عديد التدابير و الإجراءات الوقائية المتواصلة على مدار السنة. وباعتبار، أن دور المواطن ومساهمته لا تقل أهمية عن دور جميع الفاعلين في المجال، على غرار قطاعات الصحة و البيئة والجماعات المحلية بالإضافة إلى الجمعيات المحلية و المؤسسات العمومية، فإنه بات من الضروري مواجهة وبشكل جماعي ، وضمن آليات مشتركة هذه المشكلة و التقليل من أضرارها الوخيمة على الصحة العمومية، مثلما يرى رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات. وأشار جمال معمري، إلى أن احترام قواعد النظافة و التعليمات والشروط التي تصب في اتجاه الإحتياطات الوقائية، ومن بينها احترام مواعيد إخراج النفايات والسهر على نظافة المحيط وإتباع بعض النصائح الوقائية بخصوص المنازل المشيدة بالحجارة والتي عادة ما تكون بؤرا لإنتشار حشرة العقرب، تعد من بين أهم الشروط الوقائية التي تساهم في مكافحة التسمم العقربي. كما أن منع الأطفال وحتى الكبار، من التواجد أو اللعب أمام أكوام الردم وأماكن تجميع الحجارة والنفايات، بالإضافة إلى تشجيع تربية بعض أنواع الحيوانات الأليفة (القنافذ و القطط والدجاج)، تشكل أيضا من بين السلوكيات والأدوات التي من شأنها أن تقلل من أخطار التسمم العقربي ، يضيف ذات الإطار الطبي. تكثيف عمليات جمع العقارب ويعد تكثيف وتشجيع نشاط جمع العقارب وتخصيص ميزانيات كافية لهذا النوع من النشاط، الذي عادة ما تضمنه الجمعيات في إطار العمل الوقائي، من بين الآليات التي تساهم أيضا في التقليل من أخطار التسمم العقربي، ويساعد ذلك على نشر الوعي والثقافة الوقائية في أوساط المواطنين، وجعل من هذه الجهود الوقائية مسؤولية جماعية ، كما يرى عدد من مسؤولي الجمعيات الناشطة في هذا المجال. و قد مكنت عملية جمع العقارب من التقليل من التسمم العقربي، خلال السنوات الفارطة بمنطقة ورقلة، لاسيما بالمناطق الحضرية، حيث كان يتم جمع ما بين 20 و30 ألف عقرب سنويا، حسبما أوضح رئيس الجمعية الولائية لمكافحة التسمم العقربي عبد المالك جوري. وتتواصل العملية عبر فروع الجمعية المنتشرة عبر كل من تقرت والحجيرة و ورقلة وحاسي مسعود كل سنة، والتي عادة ما تنطلق مع بداية شهر أفريل و إلى غاية نهاية سبتمبر من كل سنة، حيث سمحت خلال السنة الجارية بجمع ما يقارب 4.200 عقربي وهذا إلى جانب الحملات التحسيسية، التي تبادر بها بالتنسيق مع عديد الفاعلين، كما ذكر ذات المتحدث. وتعمل الجمعية، من أجل انخراط أعضاء آخرين لديها لتوسيع نشاط جمع العقارب، سيما في الوسط العمراني باعتبار أن العملية تتميز بصعوبتها بالنظر لما يحيط بها من أخطار، وتتطلب الكثير من الحذر وبعض المهارات الفردية، وفق ما أشير إليه. ويتم التركيز على تكثيف أنشطة تحسيس المواطن و توعيته، بضرورة الحرص على نظافة المحيط والقضاء على القمامات ومخلفات البناء وتنظيف محيط المنازل وأماكن تواجد السكان، حسب ما ذكر جوري. وقد تأسست الجمعية الولائية لمكافحة التسمم العقربي في 1997، وتضم عديد المنخرطين من بينهم أطباء. و من جهته، يرى الأمين العام لجمعية التكافل الأخضر لحي المخادمة (ورقلة) ربيع حسين، بأن انتشار العقرب في الأحياء والتجمعات الحضرية يعد مؤشرا خطيرا ، ويدل على مدى تدهور المحيط وانتشار البناءات الفوضوية، مما يتطلب -حسبه- اتخاذ إجراءات إستعجالية لتدارك الوضع. واعتبر ذات الناشط الجمعوي، بأن مكافحة التسمم العقربي مرهون بالدرجة الأولى، بالمحافظة على الوسط البيئي ملحا بالمناسبة، على ضرورة ترسيخ ثقافة الإهتمام بالبيئة في إطار التنمية المستدامة . و دعا بالمناسبة، إلى مزيد من مبادرات إشراك الشباب في عملية جمع العقارب، من خلال جهاز الأشغال ذات المنفعة العامة الموجهة لقطاع البيئة وبرنامج ورشات الجزائر البيضاء . وتوجه كميات كبيرة من حشرات العقرب التي يتم جمعها إلى معهد باستور (الجزائر العاصمة)، بغرض إنتاج الأمصال المضادة للتسمم العقربي. ودائما في الجانب الوقائي، فإنه يتعين كذلك العمل وبكافة الوسائل المتاحة على تغيير الذهنيات لدى الساكنة والحد من الطرق التقليدية في علاج المصابين بلسعات العقرب، من أجل تفادي حدوث مضاعفات لديهم والتدخل مباشرة و في أقرب الآجال ونقله إلى أقرب مؤسسة صحية، من أجل التكفل به، مثلما تم التأكيد عليه. وسمحت الجهود المبذولة، خلال السنوات العشرة الأخيرة، وبفضل انخراط جميع الفاعلين بتقليص معدلات الإصابة بالتسمم العقربي بولاية ورقلة، التي تراجعت من 5.000 حالة سنويا، إلى حدود 3.000 إصابة بعد سنة 2010، وفق ما أشير إليه. وتعرض منذ بداية السنة الجارية وإلى غاية نهاية أوت الفارط، ما لا يقل عن 1.729 شخصا عبر مختلف مناطق الولاية لحالات اللسع العقربي، مما خلف وفاة ستة أشخاص، حسب إحصائيات مديرية الصحة. و قدر عدد هذه اللسعات المسجلة خلال السنة الفارطة (2017) ب2.524 لسعة عقرب، قد تسببت في وفاة سبعة (7) أشخاص مقابل 2.772 لسعة سجلت في 2016، والتي خلفت هلاك سبعة (7) أشخاص، وفق المصدر ذاته. وتؤثر عديد العوامل في عملية إنقاذ المصاب ومدى استجابته للعلاج، على غرار الوقت بين عملية اللسع ونقله إلى المستشفى، وكذا السوابق المرضية والحالة الفيزيولوجية له، بالإضافة إلى نوعية العقرب ودرجة خطورتها وكمية السم المنفوث منه، كما شرح الدكتور معمري. و بالرغم من هذا الإنخفاض المحسوس في حالات الإصابة بالتسمم العقربي، إلا أن ذلك يبقى غير كاف ، مما يتوجب الإستمرار في تكثيف أنشطة التحسيس التي تقوم بها وبصفة دورية الجهات المختصة بالتنسيق مع جميع الشركاء، وأيضا العمل على توفير المصل المضاد للسعات العقرب، بالإضافة إلى تنظيم دورات تكوينية لمستخدمي الصحة، بما يضمن التكفل الناجع بالمصابين بالهياكل الصحية. إستحداث ملحق لمعهد باستور مطلب ملح ..... يشكل استحداث ملحق لمعهد باستور بولاية ورقلة، من أجل إنتاج المصل المضاد للسم العقربي وإجراء مختلف التحاليل الضرورية، من بين أهم التوصيات التي رفعها مؤخرا أعضاء المجلس الشعبي الولائي، خلال جلسة ذات طابع إستعجالي . وسيساهم هذا الملحق، كما ذكر -أعضاء هذه الهيئة المنتخبة - في جهود مكافحة التسمّم العقربي بالولاية، وتشجيع نشاط جمع العقارب، الذي يتعين -حسبهم- أن يكون من خلال تمويل ممركز.