ترى أن الكتابة الأدبية بكل أشكالها، بمثابة ذلك الضوء الذي يكشف الأسرار ويرسم الملامح ويفضح خبايا الكاتب ومواقفه ووجهات نظره من مختلف القضايا هكذا هي نظرة الشاعرة الجزائرية أسيا فضيل الشريف حول من أبتلى بعالم البياض وبصرير القلم، وبالإحساس المرهف خاصة إذا كانت أنثى وفوق ذلك شاعرة..فحاولت بذائقتها المتميزة أن تجمع بين كل هذه الهواجس لتشكل مراسم عملها الأول الموسوم ب الظل الذي يشبهني وتسبر أغوارها الخفية في الكتابة الشعرية، كان لقراء المعرض الدولي للكتاب سيلا 2018، الفرصة لاكتشاف صوت نسوي في فضاء الكتابة والإبداع سيثري بدون شك الدخول الأدبي في الجزائر بعد أسابيع من انطلاقه . عن دار الكتاب العربي في 2017 ، وقعت الكاتبة أول مجموعة شعرية لها، في المعرض الدولي للكتاب هذا العام، لتضم صوتها إلى أصوات الكتابات النسوية في الجزائر وتزاحم بنوتات شعرها القادم من الجزائر العميقة الكثير من الشاعرات في هذا العالم الإبداعي المترامي الأطراف في زمن العولمة، مضفية على قصائدها ملامح الإنسان الغائب والمعزول في الفضائيين العربي والجزائري، والحاضر بكثافة في نصوصها ذات ال47 قصيدة، إنسان الحرف والأزمة والكلمات، لتغوص بقلمها في كل نصوصها تقريبا، وبالضبط في تلك القصيدة المعنونة ب لكن التي رسمت على الغلاف الأخير للمجموعة الشعرية، محاولة ترميم بقايا هذه الفسيفساء المحطمة وهي تقول بات قلمي يلملم بقايا الإنسان ! . عقيدة النص وعقدة النشر ! لا تذكر الشاعرة الجزائرية تماما، أولى محاولاتها للولوج إلى عوالم الكتابة، لكنها أسرت للقراء خلال تقديمها للمجموعة الشعرية بأنها تكتب من زمن بعيد وتحتفظ تقريبا بكل أوراقها..وظل القلم هو الصديق الأوفى، الذي لم يشتكي يوما وهو برفقتها لكن في لحظة ما أصيبت بكل ما يصاب به الكتاب والشعراء عادة وهو (الوحم الإبداعي)، جعلها تقرر النشر، وكأن هذا الأخير تشكل منذ المرة الأولى كغصة في الحلق سرعان ما يستسلم له المبدع كما استسلم أول مرة للكتابة، فهو لم يأتي بتلك السهولة التي قد يظنها القارئ ويستسهلها لان الكتابة والنشر مخاضان لن يبرحا الكاتب او الشاعر حتى يرى مولوده امام عينيه ، تصور أسيا فضيل الشريف هذا الهاجس قائلة كان قرار النشر وان كان امنية لازمت ملكة الكتابة عندي، الا انه استوقفني وشل حركتي وفتح باب حيرتي فكيف لي ان اعلن التمرد على خصوصياتي الابداعية واضعها للنشر ، لتضيف لقد استجمعت قوايي وقررت ان اشاطر القراء ذكرياتي واحاسيسي وبعض الافكار او بالاحرى قررت ان اتقاسم معكم اسراري !. بدأت الشاعرة أسيا فضيل شريف مجموعتها الشعرية، بقصدتيي حروف ،2009 و كلماتي 2010 ، تلخص فيها هواجسها العاطفية في الحياة، وهي تأكيد على ان النص يبدأ من الشاعر أو الكاتب وينتهي اليه، فالكتابة ليست قفزة في الظلام فقط كما يقول الكاتب الجزائري مرزاق بقطاش، وإنما أيضا حروف وكلمات تضعه امام نفسه كمرآة يتقاسم نظرته مع الآخرين، حيث تنطلق من المركز (القلب) إلى الهامش متسائلة، هل فعلا خلق من طين؟ لتنفي ذلك امام كل الحنين الذي يشعر به الانسان وحتى الوحدة التي تأسره في الكثير من الاحيان، وفي اوج لحظات الفقد كانت الحروف ملجأ الشاعرة ومأواها ولا بأس لها ببعض الرفاة الذي يروي الحنين . رد على نزار قباني لم يكن في ذهن الشاعر السوري، نزار قباني (1923-1998)، لما خط قصيدته أكتب للصغار ، عن لعبة الكبار الذين غرسوا في ارض فلسطين، سرطانا غريبا يسمى بني صهيون، والذي تزامن مع الأمم متحدة لتفريق لشعوب الشرق المتفرقة، أنه سيأتي اليوم الذي ستحاكي فيه شاعرة جزائرية بعد 20 سنة، في قصائدها، قصيدته المشهورة، حيث أجابت وردت بنوع من الأسى حول الأوضاع التي آلت إليها فلسطين اليوم، في قصيدة سمتها ردا على قصيدة نزار ( 2009) كشفت فيها لعبة الكبار في ذات القضية وان الصغار الذين راهن عليهم نزار لايزالون كذلك لم يكبروا، والشيء الذي يكبر كل يوم هم ركاب تلك السفينة القادمة ذات صباح من شرق أوروبا تلعنها الرياح، والألم الذي يواصل تمزيق أوصال الشرق وفلسطين على وجه التحديد ..وتقول الشاعرة في ردها على قصيدة نزار قباني أكتب للصغار ما يلي:
في يوم من الايام أشفق قلب رجل على صغار الحمام فأنشد يغني اغنية تحكى عن السلام تقول ان الامل لو اعتنقته عيوننا سيبقى على الدوام وان ايدينا الصغيرة ستمح براءتها أثار أجيال الالام وان غدنا الجميل سيقتل امسهم العليل وسيضع حدا لشعر التذمر والملام فكتب لهؤلاء الصغار ..كتب لهم قصيدة تحميهم من التيار تكسر حاجز الخوف والغل والاسرار وكانت اول ضربة اراد ان يزيل بها الجدار قصيدته المشبعة بالامل اكتب للصغار أكتب للصغار ليست قصيدة بل حكاية تروى دسائس الكبار اكتب للصغار ياسطورة كشفت عن راشيل وعن اسرائيل الستار اكتب للصغار ياتاريخ الشهداء والقلم واغيتال التراب والورد والشجر اكتب للصغار يارائعة من روائع نزار كتبها للصغار ولم يكبر الصغار ابك يانزار كان هذا جزء من قصيدة طويلة تحاكي فيها وتجيب عن قصيدة نزار، فجرت فيها هواجسها كشاعرة تعيش اغتيال الأرض والعرض والشجر، في الشرق وبالضبط في فلسطين التي لايزال وضعها يندى له الجبين، فالعدوان على قطاع غزة في 2008 حرك في الشاعرة أنين القلم على الاطفال الذين قتلوا، والعائلات التي شردت، والنساء اللائي رملت، ويحدث هذا أمام مرأى المجتمع الدولي والأممالمتحدة التي صك وجودها سنة 1948 ولم تخدم بأجندتها سوى الكبار وأهملت الصغار لذلك كتب نزار لهؤلاء وكتبت أسيا فضيل شريف. من جهة أخرى تضع الشاعرة ، القارئ أمام السؤال الفلسفي والجدلي، ما الحياة؟ وهي تقصد مأزقها، وتحاول أن تجيب بأن نهاية كل هذا المأزق هو العودة إلى التراب؟ واضعة بذلك الإنسان المأزوم بكل شيء في مواجهة سؤاله الحقيقي، وكأنها تجيب عن مقولة الفيلسوف الانجليزي الشهير تماس هوبز (الإنسان ذئب أخيه الإنسان)، وتستدعي الواقع أمامه لتؤكد أن الجميع سينتهى بهم المطاف حتما ليصبحوا مثل الرماد !، كما سيصبح هاجس الخلود عند الشاعرة أسيا فضيل شريف في ذات القصيدة المعنونة لغز الحياة (2001)، ليس سوى ذلك السراب الذي سيتذوق الجميع مرارته دون استثناء !
من الحروف إلى الابتسامة تغوص الكاتبة بالقارئ عبر 47 قصيدة كاملة، موزعة بين 160 صفحة لمجموعتها الشعرية، بنصوص تشبه نوتات موسيقية يترنح فيها الإيقاع الصاعد والنازل، محاولة معالجة مختلف القضايا التي تخالج نفسها كشاعرة، إلا آن هناك خيطا رفيعا يجمع كل هذه النصوص متمثل في قصيدتين الحروف و الابتسامة ، افتتحت بالأولى مجموعتها وبالثانية ختمتها، وكأنها ترغب في القول على أن الحروف، هي التي تفتح باب السعادة أمامها والابتسامة هي الوجه الأخر من العملة في عملية دائرية تبدأ منها وتنتهي إليها وتتمدد خارجها نحو القارئ، وكأنها تحاكي ماقاله الشاعر السوري محمد الماغوط (1934 -2006) يوما عن الشعر أحاولُ أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها، لأن الشعر موقفٌ من الحياة، وإحساسٌ ينسابُ في سلوكنا .