l شعره لم يدرس بطريقة لائقة وبيته الدّمشقيّ العريق لم يتمّ تحويله إلى متحف قالت الشاعرة والناقدة السورية وسام قباني، إحدى قريبات الشاعر السوري الكبير نزار قباني، إن هناك تقصيرا سوريا وعربيا كبيرا في حقّ نزار، إذ لم يتمّ تخصيص جائزة باسمه، ولم تتمّ دراسة شعره بطريقة لائقة تتوافق مع حجم إبداعه، أما بيته الدّمشقيّ العريق، العابق بنفحات الإبداع، فلم يتمّ تحويله إلى متحف على نحو بيت نجيب محفوظ.. وأضافت أن هناك مساعٍ لتخصيص جائزة باسمه يُطلق عليها اسم: ”جائزة نزار قبّاني للإبداع الشّعريّ”. كان نزار قبّاني أحد أكثر الشّعراء إثارة للجدل في الوطن العربيّ كيف ترين الحداثة التي جاء بها شعر نزار؟ وفيم تمثلت؟ الحداثة تتمثّل في ”قصيدة النّثر”، ونزار لم يكتب قصيدة النّثر، ومن هذا المنطلق أقول: نزار قبّاني عنده شاعريّة وليس حداثة، نزار يكتب الشّعر العموديّ، كما يكتب التّفعيلة، الأمر الذي يميّز نزار إحساسه الكامل بالإيقاع، نزار له حضور هائل في الثقافة العربيّة، بل والعالميّة لأنّه شاعر إيقاعيّ بامتياز، والمثقّف العربيّ مهووس بالإيقاع، الإيقاع له صدى كبير في النّفس الإنسانيّة لا يمكن الاستهانة به. الإيقاع هو حبر الشّاعر وقدسه الأقدس، فإذا فقده خرجَ من ملكوت الشّعر، والإيقاع هو الباعث الأوّل على الطّرب، والأصل في الشّعر أن يكون مطرباً يسحر الألباب، ويصافح الأسماع بشدوه. ورحمَ الله الزهاوي عندما قال: ”إذا الشّعرُ لم يهززكَ عند سماعهِ فليس خليقاً أن يقالَ له شعر”. فلا شعر بلا موسيقى، وإذا خلت القصيدة من نبض الموسيقى، فهذا دليلٌ على انعدام الحياة فيها. ونزار يدرك تماماً هذا السّرّ، أي يدرك أنّ الإيقاع هو شريان الحياة في جسد القصيدة. إذن نزار ليس من شعراء الحداثة، أي ليس من أصحاب قصيدة النّثر، لكنّ نزاراً جدّد في اللغة الشّعريّة، التّحديث لديه قائم على تحديث اللغة الشّعريّة، فهو قادر على تحويل الكلمات اليوميّة التي تدور على ألسنة العامّة إلى قصيدة. الموضوعات اليوميّة البسيطة أصبحت لديه موضوعات للفنّ، في كلّ قصيدة حكاية، وفي كلّ حكاية نبوءة، حتى الغزل أخرجه من طابعه إلى طابع التّلقائيّة. شعره فيه حلاوة، إيقاعه جميل، لا نشعر أنّنا أمام قصيدة رصينة، لسنا أيضاً أمام ابتذال، شعره فيه اعتدال. حتى بعد وفاته، مازال الجدل قائما حول تسميته ”شاعر المرأة”، ما هو رأيك؟ نزار لا يتكلّم على لسان امرأة، نزار يعيش ضمن مسامات المرأة، هو ليس ناطق باسم المرأة، هو يتبنّى النّسق الأنثويّ، ويعبّر عنه بذكاء. صوت الأنثى متجذّرٌ في شخص نزار، إذا بحثنا في تراثنا الشّعريّ نجد أنّ عمر بن أبي ربيعة تحدّث بلسان المرأة، لكن ليس بهذا العمق، وهذه الشّفافيّة. نزار أعاد تشكيل الأنثى، وغرسها في ضمير الرّجل، صورة المرأة لديه ليست صورة واقعيّة بل صورة وجدانيّة شعريّة ترتسم لأوّل مرّة في ذهن المتلقي.. نزار صنع مفهوماً جديداً للمرأة،.. هواجسها البسيطة، أشياؤها الدّقيقة، إنّه مفهوم جديد للحبّ. نزار لا يخجل من تسويق العاطفة التي تعدّ محرّمة، أو الرّجل لا يبوح بها عادة. نزار عبّر عن مشاعر الرّجل بكلّ وضوح وصراحة. هو لم يخجل من أيّ شعورٍ يحسّه تجاه المرأة، والعكس صحيح عبّر عن أحاسيس المرأة تجاه الرّجل. المميّز في تجربته أنّ نزار يخون المرأة أو يخذلها، لأنّه يحكي عن أشياء لا تحبّ الإفصاحَ عنها أمام الرّجل، مع ذلك تتقبّل هذا الخطاب لأنّه صادق. برأيك ما تأثير تجربة نزار على التّجربة الشّعريّة العربيّة ككل.؟ نزار له بصمات واضحة في شعر سعاد الصّباح، وفي بعض روايات أحلام مستغانمي. ولا يخفى أنّ الكثيرين تأثروا به سواء من الأدباء المشاهير أو غيرهم... طبعاً تأثيره يكمن على مستوى اللغة الشّعريّة فحسب. عدا ذلك تجربة نزار فريدة على المستوى الأفقيّ والعموديّ بكلّ معطياتها هي تجربة لم تستنسخ. فهذا التّعبير الرّائع عن هواجس المرأة وأحلامها لا أحد استطاع أن يعبّر عنه كما فعل نزار، وربّما هو أكثر شاعر في تاريخ العربيّة احتفل بالمرأة. خطابه أنثوي أكثر منه رجوليّ. وخطابه فريد من نوعه لم يستنسخ، لا أحد ظهر قبله أو أتى بعده يمتاز بهذا الخطاب. شعر نزار يمثل ”جندريّة”، أي نوع ثالث، لا رجل ولا امرأة. ليس فيه من سمات الفحولة، وليس خطاب أنثوي مائع، هو خطاب ثالث. كشاعرة وناقدة، كيف تنظرين إلى الحداثة الشّعريّة؟ الحداثة هي عصر يمرّ على كلّ الشّعوب، شُبّه عصر الحداثة بقناة النّار.. هذه القناة تمرّ فيها القيم الاجتماعيّة والفنيّة، هذه القيم إذا لم تستطع أن تعبّر عن صمودها تذوب وتتلاشى. ليس كلّ مجتمع قادر على أن يتفاعل مع الحداثة لخوفه على منظومة القيم التي يملكها. البعض يقول الحداثة تعني أننا سنتخلّى عن قيمنا ومبادئنا، المتحمّسون قالوا: الحداثة أشبه بالمخاض. والحقيقة أنّ الحداثة لم تكن خطراً على التّراث، لكن هناك مجتمعات انكمشت على نفسها. الحداثة تشمل كل ضروب الحياة والأدب والنّشاط الإنسانيّ مثلاً: الدّيمقراطيّة حداثة سياسيّة، البنيويّة حداثة نقديّة، قصيدة النّثر حداثة شعريّة، التّكنولوجية حداثة علميّة.. الحداثة الشّعريّة بدأت في الأدب العربيّ مع انطلاقة مجلّة (شعر) عام 1957م. وهذه المجلّة شكّلها مجموعة من الشّباب العرب برئاسة يوسف الخال، ومن أبرز أعضائها أدونيس، أُنسي الحاج، خليل حاوي، محمّد الماغوط، جبرا إبراهيم جبرا.. هؤلاء الشّباب اتّفقوا على تحديث الشّعر العربيّ قائلين: آن الأوانُ ليدخلَ الشّعرُ العربيُّ طورَ الحداثة. وقد بدا اهتمام المجلّة الواضح بنشرنماذج من الشّعر الأوروبيّ والأمريكيّ، وما تيسّر من دراسات نقدية عن ذلك الشّعر. لقد كانوا مسكونين بتقليد الغرب، وبدأوا يكتبون ما يسمّى ب”قصيدة النّثر”، وهي ما يمثّل الحداثة الشّعريّة في الأدب العربيّ. قصيدة النّثر العربيّة اقتبستْ من قصيدة النّثر الفرنسيّة، ومن كتاب سوزان برنار المعنون ب”قصيدة النّثر من بودلير حتى أيّامنا”. فهؤلاء الأدباء الشّباب تسابقوا على الاقتباس من كتاب سوزان الذي يُعدّ الشّرارة التي أشعلت قصيدة النّثر العربيّة. إذن قصيدة النّثر هي قصيدة تأثر مباشر وقصديّ. هم أرادوا تأصيل نمط تعبيريّ جديد كلّ الجدّة مخالف كلّ المخالفة للنّمط الشّعريّ القديم. وقالوا: قيمة هذه القصائد ليست في شكلها بل في مضمونها، مضمونها فيه تماسك يناسب حياة الإنسان المعاصر. وأهمّ الموضوعات التي ناقشوها: الاغتراب، ولاسيّما الغربة النّفسيّة ”أنا لا أعرفني”. باختصار ما الفرق بين شعر التّفعيلة وقصيدة النّثر.؟ شعر التّفعيلة هو الشّعر الحرّ، هو شعر موزون لكن للشّاعر الحريّة في أن يستغني عن بعض التفعيلات ضمن البحر الواحد، أو يستعين بتفعيلات من بحور متقاربة في النّصّ الواحد شرط المحافظة على النّغمة المتمثلة في التّفعيلة وليس البيت. أمّا قصيدة النّثر فلا تهتم لا بالوزن ولا بالتّفعيلة. شعر التّفعيلة يقوم على وحدة المقطع، في حين أنّ القصيدة العموديّة تقوم على وحدة البيت، أمّا قصيدة النّثر فتعتمد على وحدة النّصّ. شعر التّفعيلة يتحلّل من وحدة القافية، لكنّه شعر إيقاعيّ فيه تنوّع قوافي، أمّا الشّعر العموديّ ففيه وحدة قوافي. في حين أنّ قصيدة النّثر تتحرّر تماماً من الإيقاع، إذ ليس فيها إيقاع. كيف تتعامل عائلة نزار قبّاني مع تراثه الشعري الضخم؟ دعيني أتحدّث أوّلاً على الصّعيد العامّ: نحن –السّوريين- مقصّرون بحقّ نزار، لم يتمّ تخصيص جائزة باسمه، لم تتمّ دراسة شعره بطريقة لائقة تتوافق مع حجم إبداعه. بيته الدّمشقيّ العريق العابق بنفحات الإبداع لم يتمّ تحويله إلى متحف على نحو بيت نجيب محفوظ. وهذا أمرٌ مؤسفٌ حقّاً... نحن الآن نطمح إلى تخصيص جائزة باسمه يُطلق عليها اسم: جائزة نزار قبّاني للإبداع الشّعريّ. أمّا على الصّعيد الشّخصيّ فقد حاولتُ أن أقدّم بعض الدّراسات الأدبيّة والنّقديّة المتواضعة التي تسلّط الضّوء على تجربة نزار الإبداعيّة، ومنها مقالة صدرت لي مؤخّراً في جريدة الأسبوع الأدبيّ بعنوان: ”الوطن في شعر نزار قبّاني”.. وممّا جاء في هذه المقالة: ”استطاعَ نزارٌ أن يدخلَ قلوبَ الملايين التي أحبّته وحفظت أشعاره وأقواله، ومن ثمّ فإنّ شعره أسهم في رفع مستوى الوعي الوطنيّ. فنزار حمل همومَ الوطن على عاتقه، وناضلَ مليّاً في سبيل تحرير هذا الوطن من قيود التّخلّف والجهل”. ولأنّ الوطن وعيٌ اجتماعيٌّ ناضج، فقد شرع نزار يرسم حدود هذا الوطن على طريقته التي يريدها ويتمنّاها، وأخذ يطالب بكسر طوق الجمود والعادات البالية، داعياً إلى نشر ثقافة المحبّة. إذا تكلّمت عن نزار كأحد أقربائك، فماذا ستقولين عنه؟ أنا دمشقيّة المولد.. أندلسيّة الهوى.. نزاريّة الحرف.. وأفتخر بأنّني من سلالة (نزار) صاحب الحرف النّبيل.. نزار قامة شعريّة ضخمة من أبرز شعراء العصر الحديث، قامة من قامات الإبداع في القرن العشرين، وهذا يكفي ليكون علامة مميّزة في تاريخ الأدب العربيّ.. شاعر من الطّراز الأوّل، وهذا يدعوني أن أتشرّف بقرابته.. صوتٌ شعريّ له حضور عالمي، أينما تغنّى بشعره كان يجد جمهوراً متعطّشاً لشعره. صدح المغنّون بشعره أمثال: عبد الحليم حافظ – ماجدة الرّومي.. له حضور واسع. نزار تجربة لن تتكرّر، لأنّ الفرادة والتّفوّق الشّعريّ عملة نادرة قلّ نظيرها.هو ملأ الشّعر بالإحساس، عنده إحساس فائض بالجمال.. هذا أمر له أهميّة كبرى في عصرنا، لأنّه عصر هيمنت فيه المادّة، فجرعة من شعر نزار تجعل الإنسان يشعر بالسّعادة، في ظلّ طغيان المادّة. شعره يحرّك في نفس الإنسان السّعادة، ويطلق لدينا الإحساس بالجماليّ، فكيف لا أتشرف بنسبه بعد هذا، لي كلّ الشّرف بأن أحمل لواء الأدب، وأتابع مسيرته في الحفاظ على العربيّة عذبة نقيّة..