انصح الشباب بعدم المغامرة و''ماكاش خير مالبلاد'' ''الحرقة''، ''الهدة''، ''التقلاع''، مصطلحات كثيرة، ولكنها تفيد معنى واحدا فقط لا غير، الهجرة غير الشرعية، بأية طريقة كانت، وعبر أية بوابة وجدت، برا أو بحرا، فالمهم هو الوصول إلى الضفة الأخرى للمتوسط، كثيرون راحوا يصارعون أمواج البحر فمرة يصرعونها ومرات تصرعهم، أما آخرون فقد فكروا في إيجاد طريقة أخرى، أكثر أمنا، واخف ضررا، وان كانت النتيجة في الأخير واحدة، الدخول إلى أوروبا مهما كلف الأمر· التدابير والإجراءات الصارمة والرادعة سواء التي اتخذت في بلدان جنوب المتوسط أو التي حددتها حكومات ضفته الشمالية، لم تكن لتردع مئات بل آلاف الشبان الباحثين عن الحياة الغربية، فقد شهدت بلادنا خلال السنوات القليلة الماضية ارتفاعا متزايدا في الأرقام على مستوى سلم الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية· الحرقة تبدأ من تركيا بدل الجزائر ومن هذا المنظور حاولنا استقراء بعض المعطيات والتي من خلالها وقفنا على نوع آخر من الهجرة غير القانونية إنما تحت غطاء الهجرة على الطريقة القانونية والسر يكمن في السفر إلى أوطان وبلدان أخرى مرتبطة بأوروبا، ومن ثمة تبدأ الترتيبات والتدبيرات للحرقة خير دليل على ذلك تركيا، هذا البلد الذي صار يستهدفه الحراقة الجزائريون، ويتخذونه كمركز عبور إلى الحدود اليونانية ثم الدول الأوروبية الأخرى وتذكر في ذلك كل من بولونيا، فرنسا، إيطاليا، وإسبانيا···· الخ، فبعد بلوغ العاصمة اليونانية أثينا يعمد الحراقة إلى شارع كريسكاكي حيث تباع مختلف الوثائق المزورة وكذا العملات الصعبة· ومن هذا الباب منهم من يزور بطاقة تعريف أفغانية وأخرى فلسطينية قصد طلب اللجوء السياسي إلى اليونان ومنهم من يزور بطاقة تعريف أوروبية للعبور إلى الدول الأوروبية المجاورة· وفي هذا الشأن انتقلت ''السياسي'' إلى ضواحي العاصمة لنقل آخر مستجدات الحراقة، ليكون آخر المطاف بالرويسو وبالضبط في شارع ''لاسيتي'' أين كان لقاء مع أحد أبناء الحي العائد من ديار الغربة مؤخرا والذي هاجر بنفس الطريقة السالفة الذكر، هو كمال المدعو ''ميرو'' شاب يبلغ من العمر 02 سنة ويعمل بمحل لبيع الحلويات والمرطبات بالدرارية أبى إلا أن يخوض مغامرة الحرقة بالرغم من مخاطرها، مصرًا في ذلك على الهجرة إلى أوروبا بحثا عن الحياة الكريمة والاستقرار الدائم متخطيا في ذلك الدروب الوعرة التي قد تؤدي به إلى الموت، حيث اجاب عن اسئلتنا بكل صراحة· البداية·· رحلة إلى تركيا وقال كمال أن البداية كانت جد عادية وفي سرية تامة، تحصلت على التأشيرة إلى تركيا بعد أسبوع من تقديم طلبي، بعدها إشتريت التذكرة وسافرت إلى هناك، ولما سألنها لماذا اختار تركيا بالذات، يقول المتحدث أن كل شيء كان مسطرا بدءا من الهجرة إلى تركيا ثم الحرقة إلى اليونان وصولا إلى البلدان الأوربية الأخرى، فالسفر إلى تركيا في غاية السهولة وبالطريقة القانونية لكن الحرقة تبدأ من الحدود التركية - اليونانية· 003 أورو مقابل ''تهريبنا'' إلى اليونان يقول كما ان الرحلة كانت شاقة فعند وصولي إلى تيازيت بتركيا التقيت مع صديقي الذي أرشدني إلى دليل كان يرافقنا والذي بدوره صاحبنا طيلة المشوار هذا الأخير دفعنا له مبلغ 003 أورو للفرد الواحد مقابل نقلنا الى العاصمة أثينا وعليه ركبنا حافلته التي كانت تحمل على مثنها 52 حراقا بإتجاه اليونان من مختلف الجنسيات الإفريقية والعربية، مسيرتنا الى إيديرنا على طول الشريط الحدودي اليوناني دامت هذه ثلاث ساعات ومن ثمة بدأت المغامرة· وادي ''إيديرنا'' بالحدود التركية اليونانية··المعبر السري أثناء وصولنا إلى غابة ''إيديرنا'' أكملنا رحلتنا سيرا على الأقدام مدة ثلاث ساعات أخرى، ولولا دليلنا المرشد ''توفيق'' الذي صاحبنا منذ بداية المشوار لأصبحنا جثثا هامدة أو أسرى في قبضة حراس الحدود ولحسن الحظ لم يكن الأمر كذلك، لكن الأمر زاد تأزما ورعبا عندما وصلنا إلى وادي إيديرنا هذا الوادي مثله مثل وادي الحراش كله شوائب لقنوات الصرف الصحي وكذا القاذورات ومن ثمة تركنا توفيق المرشد ليعود أدراجه إلى تيازيت التركية، قطعنا أحشاء الوادي وكلنا في حالة هلع وخوف وللعلم فإن وادي إيديرنا هو معبر سري للمهاجرين غير الشرعيين، دخلنا بلدة أوريسيادا اليونانية، حيث التقينا بمرشد آخر هو صديق ل ''توفيق'' حملنا على متن حافلته بإتجاه أثينا التي تبعد بحوالي ألف كيلومتر من أوريسيادا، ودفع كل واحد منا لهذا الأخير مبلغ 06 أورو· الرحلة تنتهي بسجن ''الكامب'' بأثينا يقول ذات المتحدث فقد ألقي القبض علينا بمجرد بلوغنا أثينا ببضع كيلومترات من قبل قوات الأمن، نقلنا إثرها إلى الكامب وهو سجن مخصص للمهاجرين الغير شرعيين وبعد عمليات التفتيش تظاهرت أنا وصديقي بكوننا من جنسية أفغانية وطبقا للقانون المعمول به في أثينا فإن الأفغانيين وحتى الفلسطينيين المهاجرين لا يتعرضون للضرب والشتم على غرار الجنسية الجزائرية، مكثنا بالكامب مدة ثلاثة أيام والتي من خلالها قدمت لنا مشروبات مخدرة لتنويمنا تحفظا لأي تشويش، أو شغب يحتمل وقوعه، أما بالنسبة لوجبة الفطور فقد كانت تقدم لنا وجبة واحدة فقط في اليوم في حدود الرابعة مساءً، بعد ذلك أطلق سراحنا وقدمت لنا وثيقة رسمية أو كما تسمى بالخرطية وهي وثيقة عبور مدة صلاحيتها ثلاثين يوما هذه الأخيرة تسمح بالتجول عبر كامل التراب اليوناني قانونيا، وعلى إثرها وصلنا إلى أثينا لا يمكن أن ''تلحق للبير أوما تشربش''·· وأردف كمال انه لم يتوقف عند هذا الحد، بل قال أنه لا يمكن أن ''يلحق للبير أوما يشربش''، واصلنا أنا وصديقي المشوار طبعا حينما إتصلنا بتوفيق مرشدنا الأول الذي دلنا على وجود سوق بشارع كريسكاكي بأثينا، أين تباع بطاقات تعريف مزيفة بغية شرائها للمرور إلى دول أوروبية مجاورة، عدنا أدراجنا إلى هناك وجدير بالذكر أن هذه السوق سميت بسوق الحرمية لما فيها من تزويرات لمختلف الوثائق وكذا العملات، وعليه إشتريت بطاقة تعريف بولونية مزيفة، أما صديقي فقد إكتفيا بشراء بطاقة تعريف فرنسية، وانطلاقا من هذه النقطة حاولت الفرار إلى إسبانيا لمرات ثلاث لكن محاولاتي باءت بالفشل وفي المقابل فإن صديقي نجح في المرور إلى إسبانيا· في كريسكاكي ''لازم تكون تعرف الدخلات والخرجات'' وعن سبب فشله في دخول الأراضي الاسبانية يقول كما الذي لم يرغب في الرد على سؤالنا مكتفيا بقوله ''ماكنتش نعرف الدخلات والخرجات'' زيادة على ذلك فالمال الذي كان بحوزتي سرق مني، ولم يكن لدي الخيار إلا العودة إلى أرض الوطن· وفي النهاية لا يجب للشباب أن يغامروا بأنفسهم في هذه الرحلات التي لا تعرف نهايتها، إن كانت السجن أو الموت، فالجزائر بلد وغني، يكفي كل أبنائه، وما عليهم إلى المبادرة والعمل، وقليل من الصبر، فهناك الكثير من الفرص في الجزائر، والكثير من الآليات التي تسمح بفتح مؤسسات صغيرة ومتوسطة خاصة بدعم من الدولة، وهناك الكثير من مناصب العمل تفتح في شتى القطاعات، والخير آت، فإن كانت هذه المغامرة انتهت بالفشل والعودة إلى أحضان الوطن، فإن الكثير منها انتهت بالموت·