يخوض ستة وعشرون مرشحاً غمار انتخابات الرئاسة المبكرة في تونس، في الخامس عشر من سبتمبر الجاري. ويبدو السباق إلى قصر قرطاج شديد السخونة، وسط غليان تشهده مختلف الحملات، كما أن التشويق على أشده بين عدد من المرشحين الذين انطلقوا في المنافسة بنقاط قد تصبّ في صالحهم، في نهاية المطاف. وتؤكد مؤشرات عدة أن رجل الأعمال المثير للجدل، نبيل القروي، ينطلق بحظوظ وافرة، رغم أنه يقبع حاليا بالسجن بعد اتهامه بتبييض الأموال والتهرب الضريبي. ولد القروي عام 1967 بمدينة بنزرت، شمالي البلاد. برز اسمه في نهاية عهد الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، في قطاع الاتصال والعلاقات العامة، قبل أن يؤسس قناة نسمة ، عام 2007، في وقت كان فيه تأسيس وسائل الإعلام الخاصة في البلاد يخضع لأهواء السلطة الحاكمة. وبعد الثورة التي أطاحت ببن علي عام 2011، اتهم القروي بمحاولة التأثير في المشهد السياسي، عبر قناته، قبل أن يلتحق بالنواة المؤسسة لحزب نداء تونس، نهاية عام 2011. وفي غمرة الصدام بين الائتلاف الحاكم، الذي كانت تتزعمه حركة النهضة وزعيم نداء تونس الراحل الباجي قايد السبسي، لعب القروي دورا كبيرا في جمع الرجلين في اجتماع سري بالعاصمة الفرنسية، باريس، في أوت 2013، مثّل بداية جملة من التفاهمات بين الطرفين، من بينها إمكانية تقاسم السلطة أو الدخول في تحالف على الأقل بعد انتخابات 2014. وكان دور القروي حاسما في وصول قايد السبسي إلى الحكم، لكن سرعان ما بدأت الانقسامات تشقّ صفوف نداء تونس. وجمّد القروي عضويته في الحزب، في أفريل 2017. وفي هذه الأثناء، كان الرجل قد أطلق مبادرة خيرية لجمع التبرعات بهدف مساعدة الفئات الاجتماعية الهشة تحمل إسم نجله، خليل، الذي مات في حادث سير في أوت 2016. وجال القروي البلاد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وسط تحذيرات من قوى سياسية ومدنية بأن رجل الأعمال يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية. وأسس القروي فعلا حزب قلب تونس في جوان الماضي، معلنا خوضه للسباق الرئاسي. وسعت أحزاب الائتلاف الحاكم لاستبعاده، باقتراح جملة من التعديلات على القانون الانتخابي، إلا أن السبسي لم يوقعها. ولا يمنع القانون الانتخابي أي سجين من الترشح في الانتخابات طالما لم يصدر في حقه حكم قضائي مبرم. وينافس القروي رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي فوض صلاحياته إلى وزير الوظيفة العمومية، كمال مرجان، إلى غاية انتهاء الحملة الانتخابية. واتهم البعض الشاهد بالسعي إلى توظيف مقدرات الدولة ومؤسساتها لخدمة حملته الانتخابية. وولد الشاهد عام 1975 بتونس العاصمة وعمل خبيرا دوليا في الزراعة لدى السفارة الأمريكيةبتونس ولدى الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة، كما درّس بجامعات فرنسية. وبرز اسم الشاهد بشكل عابر في 2012، كأحد مؤسسي الحزب الجمهوري الذي كان ممثلا في المجلس التأسيسي، لكنه سرعان ما انضمّ إلى حزب نداء تونس الوليد آنذاك. وبعد انتخابات 2014، عين في منصب وزير دولة للفلاحة، قبل أن يصبح وزيرا للشؤون المحلية بداية 2016. ومع سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الحبيب الصيد، فاجأ قايد السبسي الرأي العام التونسي بتكليفه السياسي الشاب بتشكيل حكومة في صيف 2017. لكن سرعان ما اصطدم الرئيس التونسي بالشاهد، على خلفية صراع على إدارة نداء تونس. يقول الشاهد إن نجل الرئيس حافظ قايد السبسي، ساهم في تأجيجه بتدمير الحزب من الداخل. وبعيد وفاة السبسي، أعلن الشاهد ترشحه لانتخابات الرئاسة المبكرة عن حزب تحيا تونس الذي أسسه رفقة قادة سابقين بنداء تونس. ويتهم البعض الشاهد بسوء إدارة شؤون البلاد خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية لحكومته، لكن الرجل يدافع عن نفسه بالإشارة إلى ما يعتبرها نجاحات في مكافحة الإرهاب. وتتجه الأنظار إلى نائب رئيس حركة النهضة، عبد الفتاح مورو، كمرشح بارز، بالنظر إلى ثقل حزبه في المشهد الحزبي. وتتصدر الحركة البرلمان ب69 نائبا. وكانت قد فازت بالانتخابات البلدية، التي جرت العام الماضي، ب28٪ من الأصوات. ويعتبر مورو أول مرشح للرئاسة عن النهضة التي دعمت المنصف المرزوقي عام 2011 في انتخابات غير مباشرة أمام المجلس التأسيسي، بينما تركت الباب مفتوحا أمام أنصارها في انتخابات 2014. ومورو، مواليد عام 1948 بتونس العاصمة، كان قاضيا فمحاميا. وذاع صيته كأحد أبرز الوجوه الإسلامية في البلاد منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، وسجن الرجل قبل أن يضطر للجوء إلى خارج البلاد إبان حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. وفي ذروة حملة قمع شنها بن علي في بداية التسعينيات، اعتقل مورو مجددا وتعرض لحملة تشويه، قبل أن يعلن تعليق عضويته في النهضة. وبعد الإطاحة بن علي، فشل مورو في انتخابات المجلس التأسيسي التي تقدم إليها على قائمة مستقلة، قبل أن ينضم مجددا للنهضة. واستطاع الوصول إلى البرلمان في انتخابات 2014 ليصبح نائبا لرئيسه. وبوفاة السبسي، تقلد رئيس المجلس محمد الناصر منصب الرئيس المؤقت، تاركا رئاسة البرلمان لمورو. وقال زعيم النهضة، راشد الغنوشي، خلال الحملة، إنه يتمنى أن يرى حزبه في الأقطاب الثلاثة للحكم، القصبة - الحكومة، وباردو - البرلمان، وقرطاج - الرئاسة . مفاجآت مدوية ومن مفاجآت ما قبل الانتخابات شعبية أستاذ القانون، قيس سعيد، الذي اشتهر خلال السنوات الأخيرة بأسلوبه الخطابي في تحليل الإشكاليات القانونية وتفكيكها في وسائل الإعلام التونسي. سعيد الذي يخوض الانتخابات كمستقل ولد عام1958 بتونس العاصمة واختص بالقانون الدستوري. وساهم الأكاديمي في إعداد مشروع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، إلى جانب تدريسه في عدد من الجامعات التونسية. ومع الإطاحة ببن علي، خرج الرجل في ثوب الناصح فيما يتعلق بالجدل الحاد الذي أثارته مسائل قانونية عدة خلال الفترة الانتقالية التي سبقت المصادقة على دستور جانفي 2014. ويقول سعيد إنه يخوض غمار انتخابات الرئاسة متسلحا بدعم فئة الشباب. وعلى عكس خصومه، لم يظهر المرشح المستقل في تجمعات انتخابية واسعة بل اكتفى بالتجوّل في عدد من المدن التونسية للقاء المواطنين، كما لم يكثف من ظهوره الإعلامي. ويركز سعيد على ضرورة مراجعة المدونة القانونية التونسية، انطلاقا من الدستور وكيفية ممارسة السلطة التشريعية لصلاحياتها. عميد كلية ووزير دفاع وبدا ترشح وزير الدفاع، عبد الكريم الزبيدي، أمرا مثيرا للانتباه، خاصة خارج تونس إذ إن المنصب مدني بعكس معظم دول المنطقة. والزبيدي، المولود عام 1950 ببلدية رجيش شرقي تونس، طبيب تقلد مناصب عدة إبان حكم بن علي، من بينها وزارة الصحة. كما كان عميدا لكلية الطب بسوسة، بين عامي 2005 و2008. وبعد 2011 عاد الرجل إلى الواجهة بتعيينه وزيرا للدفاع بعد أيام قليلة من رحيل بن علي، وهو المنصب ذاته الذي تقلده في حكومتي السبسي وحمادي الجبالي. وعيّن الزبيدي مجددا على رأس وزارة الدفاع في حكومة يوسف الشاهد في سبتمبر 2017، ويحظى الرجل الذي لا ينتمي إلى أي حزب بدعم نداء تونس وآفاق تونس. ومن بين المرشحين الآخرين الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وزعيم حزب التيار الديمقراطي محمد عبو وزعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي. وفي حال لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50٪ من أصوات الناخبين، فإن السباق الرئاسي سيحسم في جولة إعادة تنظم الشهر المقبل.