تستحضرني، وأنا في قمة الطمأنينة على مصير الجزائر بعد تجاوز رهان رئاسيات 12 ديسمبر بنجاح، قصة سيدنا موسى عليه السلام مع إحدى ابنتي النبي شعيب، لما اقترحت على أبيها أن يتخذ سيدنا موسى مسؤولا بالأجر: يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص: 26]. وفي تفسير الآية الكريمة، قال الإمام الطبري (رحمه الله): تقول: إن خير من تستأجره للرعي، القويُّ على حفظ ماشيتك، والقيامِ عليها في إصلاحها وصلاحها، الأمينُ الذي لا تَخاف خيانته فيما تأمنه عليه . وفي إسقاط بسيط على واقع الحال في الجزائر منذ بداية الحراك الشعبي المبارك في 22 فيفري الفارط، فقد ظهر شعار الجيش الشعب.. خاوة خاوة كأبرز ما رفعه ملايين الجزائريين واتفقوا عليه، منذ بداية الأزمة إلى غاية انتخاب رئيسهم الجديد، عبد المجيد تبون. هذا الشعار، الذي يصفه بعض خبراء السياسة والأمن بأنه تفويض مباشر من الشعب الجزائري لجيشه المولود من رحمه، أعتبره أنا في قاموسي الشخصي بمثابة عقد تأمين بين الجزائريين وجيشهم الأبي، الذي يضعون فيه كامل الثقة ويستأمنونه على أرواحهم وممتلكاتهم، بل وحتى مصيرهم، وهذا لما رأوه فيه من أمانة ووطنية وعقيدة وحكمة وتبصر، أسوة بقصة سيدنا موسى القوي الأمين . ففي شق القوة، لا يختلف أي من الجزائريين على الأشواط الكبرى التي قطعتها قواتنا المسلحة في مسار الاحترافية واكتساب مقومات الحفاظ على امن واستقرار البلاد، بدليل تصدر جيشنا طليعة أقوى الجيوش على المستوى الإقليمي، وحتى الدولي، في التصنيفات الأخيرة، الأمر الذي يجعل بلادنا عصية على التدخلات الأجنبية والمؤامرات العابرة للحدود. أما في شق الأمانة، فالشواهد على كثرتها لا تسعها صفحات الجريدة، لذلك سأركز على تعهد قطعه نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد ڤايد صالح، شهر أفريل المنصرم في عز فترة الحراك الشعبي، حين قال: الجيش حريص بأن لا تراق قطرة دم واحدة لجزائري . وفي نظرة مقارنة بين المآسي التي حصلت في كل من حراك العراق، لبنان والسودان في عالمنا العربي، وانتفاضة السترات الصفراء في فرنسا، التي تدّعي التحضر وحماية حقوق الإنسان، يظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن جيشنا ورغم عظمة العهد وصعوبة تحقيقه في ظرف محتقن داخليا وخارجيا، إلا أنه كان مجددا وفيا للعهد وصائنا للأمانة، كما عهده الجزائريون دائما. وبنجاح رئاسيات 12 ديسمبر، التي أفرزت رئيسا منتخبا ذو شرعية شعبية ودستورية، يكون الجيش الوطني الشعبي قد أحبط مناورة جديدة راهنت عليها مخابر الظلام لجر بلادنا إلى مستنقع العنف والفوضى، حيث سهرت قواتنا المسلحة، على ضوء التعليمات الصارمة والمتبصرة للقيادة العليا للجيش، على الالتزام بالدستور وقوانين الجمهورية لتجنيب بلادنا من الوقوع في مستنقع الدماء وتفادي انزلاقات سياسية وأمنية غير محسوبة العواقب، ليُضرب المتآمرون مجددا في مقتل وتدق الانتخابات الناجحة والآمنة آخر مسمار في نعش الخونة وأزلامهم وعرابيهم.