أضحت الانترنت صاروخا بعيد المدى خاصة من ناحية دورها في تقريب وتقليص الهوة بين المجتمعات والقضاء على كل الحواجز عبر هذه الشبكة العنكبوتية الافتراضية التي أصبحت تستغل في نفس الوقت في التطفل والإطلاع على البيانات الشخصية والتعدي عليها من قبل قراصنة مستعملي الانترنت، فأين نحن من حماية أمن المعلومات؟ وكيف يمكن مواجهة ظاهرة القرصنة التي باتت تهدد خصوصيات الأشخاص والمؤسسات على حد سواء؟ أحدثت الثورة الكبيرة في شبكة الانترنت تغييرا في كل المفاهيم ولذلك يجب الحديث عن المفاهيم الجديدة في نطاقها الجديد وليس بالمفهوم القديم وأمام هذه التطورات التكنولوجية الحاصلة نجد أنفسنا متأخرين نوعا ما، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن 10 بالمائة فقط من الجزائريين يستعملون الانترنيت بصفة شبه يومية و90 بالمائة يتفاوتون بين من لا يستعمل هذه الوسيلة أو نادرا ما يستعملها أو من يستعملها فقط لأغراض ترفيهية، على حسب وجهة نظر المهندس في الإعلام الآلي والخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، بوكعبة مبارك. ويرى بوكعبة مبارك، أن قضية أمن المعلومات في الجزائر هي حالة عادية لأن الانترنيت ليست مستعملة بشكل واسع ولم نصل بعد إلى استعمالها المهني أي ما تعلق بالمعاملات التجارية والتعاملات اليومية، وبالتالي، فمخاطرها ليست بالحجم الذي يمكن التخوف منه لكن هناك تحايل وإجرام يستدعيان وجود إجراءات وقائية من أهمها تكوين وتحسيس الأشخاص بعدم وضع معلوماتهم الخاصة بدون دراية على الانترنت. نشر المعلومات والصور الشخصية عبر «الفايس بوك» يفتح المجال لقرصنتها وعن ظاهرة قرصنة الحسابات الشخصية التي انتشرت خاصة مع بروز مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية حماية هذه الخصوصيات، اعتبر الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال أن مثل هذه المخاطر تحدث بشكل طبيعي لأنها تصحب كل تطور، ولكن يجب العمل على تجنبها بالحيطة والحذر خاصة وان هناك عددا كبيرا من الأشخاص يقومون بوضع بياناتهم الشخصية أو السرية ونشر صورهم وصور عائلاتهم عبر الشبكات الاجتماعية و«الفايس بوك» بدون أي تفكير في العواقب واصفا مثل هذه التصرفات باللامبالاة وهذا ما يفتح المجال للقرصنة. وأضاف بوكعبة مبارك أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست آمنة لأن هناك من لديه الآلاف من الأصدقاء عبر هذه الشبكات لايعرفهم ويروي لهم حياته الشخصية ويرسل لهم صوره من دون أن يعرف ان كان هؤلاء حقيقيين أومتخفيين، فالقرصنة الأولى تبدأ من هنا ومن حيث أن الإنسان لا يتسلح بأي حذر أو حيطة، إضافة إلى ان هناك من يضع بياناته الخاصة في قرص مضغوط أو مفتاح انترنت ويضيع منه، ليقع في أيدي أشخاص لا يمكن توقع ما سيفعلون به وبما احتوى من معلومات. «يجب تحصين أنفسنا بأنفسنا.. لحماية أمن معلوماتنا» كما أكد الخبير، أن أفضل طريقة لأمن معلوماتنا هي تحصين أنفسنا بأنفسنا فالحصانة الأولى تبدأ من الإنسان نفسه لأن الوقاية خير من العلاج ،كما أن الدولة تتحمل مسؤولية حماية شبكة الانترنيت بطرق تعتمد على وسائل التحري لحماية مواطنيها وهناك مؤسسات قائمة على محاربة الإجرام في الجزائر وهي موجودة في الشرطة وفي الدرك من خلال وسائل الشرطة القضائية التي تقوم بالتحريات الضرورية وتكون بذلك أداة للعدالة وللقانون لحماية المواطن الذي يشكو من تعدي وقرصنة بياناته الشخصية. والشيء ذاته ينطبق على البنوك وأرباب العمل، يضيف المتحدث، فهناك وسائل وإجراءات لضمان مثل هذه الحماية وتتمثل في البنوك مثلا في إلزام الموظف بالانضباط ومنعه من استعمال مفتاح الانترنت لتفادي إدخال فيروسات في الحاسوب الذي يعمل عليه في موقع عمله.
الأبواب الخلفية من أهم الثغرات التي تنشّط الفيروسات وبخصوص أهم الثغرات التي يمكن أن يستغلها القراصنة من أجل الدخول إلى الحسابات الشخصية، أبرز بوكعبة مبارك أنه ومن الناحية التقنية كل البرامج تحتوي على ثغرات ومن أهمها ما يسمى بالأبواب الخلفية أي أن هناك بعض البرمجيات الملوثة بالفيروسات وفي حال وضع هذا البرنامج في الحاسوب، تنشط هذه الفيروسات وتفتح أبوابا افتراضية لها، ليصبح هذا البرنامج يعمل خلف الستار وداخل الكمبيوتر. وشدّد الخبير في هذا الصدد على ضرورة وضع برنامج للحماية من خلال الماسحات الضوئية وبرامج ضد الفيروسات ونوافذ للرقابة خاصة على مستوى الحواسيب الموجودة داخل البنوك لحماية المعلومات البنكية، موضحا عدم وجود تكوين خاص في هذا المجال ولم نرافق هذا التطور الهائل، فالشركات الخاصة بتكنولوجيات أمن المعلومات في الجزائر قليلة جدا ولا توجد ديناميكية تتوقف بالدرجة الأولى على توجه وانفتاح الاقتصاد على تكنولوجيات الإعلام والاتصال. ضرورة استحداث هيئة للتصديق الإلكتروني لبعث المعاملات التجارية من جهة أخرى، أبرز الخبير أهمية التصديق الالكتروني التي هي من مسؤولية الدولة، فجميع البلدان لديها هيئة وطنية تضمن إمضاءً للتصديق الالكتروني وهو أمر ضروري قبل اطلاق الانترنت، فالتاجر مثلا يرفض استعمال الانترنت ان لم تكن له ضمانات من الدولة لأنه في حال تعرضه للقرصنة لا يوجد من يضمن له تعويض الخسارة. وأكد بوكعبة مبارك على أن الدولة هي الضامن الأساسي، فعندما تعتمد اجراء التصديق الالكتروني وتعطي المفتاح للتاجر، فستضمن في هذه الحالة التاجر وكذا الزبون الذي سيطمئن لوجود مفتاح الشفرة وأن الموقع مؤمن، مضيفا انه حتى ولو حدثت القرصنة، فيمكن عن طريق هذا المفتاح والتحريات الوصول إلى المعتدي إلى جانب أن التاجر سيستفيد من التأمين وتعويض خسارته. وقال في ذات السياق "إن التاجر وفي حال وجود التصديق الكتروني، يتوجه إلى شركة التأمين لتأمين رأسماله ورقم أعماله حتى يتمكن من القيام بمعاملاته التجارية عن طريق الانترنت وفي هذه الحالة يقبل المواطن بالقيام بهذا النوع من التجارة الالكترونية"، معتبرا أن هذا الأمر صعب تحقيقه حاليا في الجزائر بالنظر إلى عدم وجود هيئة التصديق الالكتروني ومن هنا، فلا يمكن للانترنت النفعية أي المتعلقة بالاقتصاد والتجارة والمعاملات اليومية أن تنطلق بسبب ما يكتنفها من مخاطر عديدة. التكامل بين الخبرات والقوانين أفضل طريقة للتصدي للجرائم الإلكترونية وعن كيفية التصدي لمختلف الجرائم الالكترونية من قرصنة وتحميل غير قانوني وتهديد وتشهير في ظل الفراغ القانوني الذي سهّل من انتهاكات مستعملي الانترنت، أوضح بوكعبة مبارك انه لمواجهة هذا النوع من الجرائم يجب الاعتماد على عاملين أساسيين أولهما الوسائل والخبرات وثانيهما القانون الردعي لأن العدالة موجودة وتحكم بالقانون وتستعمل الخبراء مشددا على أهمية تكوين القضاة والمحامين في مجال الانترنت لمنح سلك العدالة الوسائل الملائمة فعندما يحكم القاضي في قضية قرصنة يجب على الأقل أن تكون له دراية بالمعلومات التي يقدمها له الخبير، فالقانون الردعي لا يكفي لوحده، لأنه وبدون وجود خبراء في هذا المجال لا يمكن للعدالة أن تصل إلى المجرم الافتراضي. وبالمقابل، نجد أن الكثير من البلدان المتقدمة يضيف المتحدث وصلوا إلى تحقيق نتائج كبيرة من خلال الوسائل التي تستخدمها في مجال الانترنيت والمتمثلة في شرطة الانترنت العالمية "الانتربول"، التي تقوم بتحريات في حال تلقيها شكوى من جانب معين تعلق بالتعدي على معلومات أو حسابات شخصية وهنا تبدأ التحريات التي تكون أحيانا بطرق تقنية معقدة تكشف عن الجاني إما في البلد نفسه أو في بلد آخر وعلى الرغم من أن هذه التحريات تطلب وقتا غير أنها تمكن من ردع قراصنة الانترنت. على المنظومة التربوية تكوين الأطفال في كيفية الاستعمال الآمن للأنترنت وعلى صعيد ما تعلق بشق التكوين، يرى الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال أن للدولة مسؤولية كبيرة في التكوين وخاصة فيما يتعلق بالأطفال لأننا متوجهون حتما نحو الانترنيت وستصبح الطريقة الوحيدة في التعامل اليومي، وقال بوكعبة مبارك، إن المسؤولية الأولى ملقاة على عاتق المنظومة التربوية التي يجب عليها إدراج مواد في الاعلام الآلي وتكنولوجيات الاعلام والاتصال كمواد أساسية من الطور الابتدائي إلى الجامعة، لتوجه الطفل إلى هذه الوسيلة بكل معانيها ليكون على دراية بعالم الانترنيت مثل الدراية التي اكتسبها في مجال القراءة والكتابة خاصة وأن الاطفال يستعملون الكمبيوتر والهاتف المحمول بطريقة أحسن من أوليائهم ولكنهم لا يدركون مخاطر هذه الوسائل. وأبرز الخبير أن إدراج الانترنت كمادة أساسية ليس فقط من الناحية التقنية وإنما من الناحية العملية والإجرائية وكذا كيفية الاستعمال الآمن لحماية الطفل في المدرسة من خلال التطرق إلى موضوع الفيروسات الموجودة في الكمبيوتر ليتمتع في نموه بتفكير وقائي يجعله يلتزم بالحذر ويدرك مخاطر الانترنت