إختيار هذا الكاتب "هارتز" يخضع للعديد من الاعتبارات في هذا الموضوع المثير "شريف ورڤلة" منها: 1 المؤلف الذي أخذت منه هذه المعطيات لا يتحدث بالخصوص عن "محمد بن عبد الله" ولكن عن الجزائر البدوية والقصورية، أي أنها دراسة شاملة. 2 الكتاب صدر حديثا، ويتبع نفس الطريقة التي كان يتبعها أسلافه من كتبة، ومقررين عسكريين، وأنتربولوجيين وغيرهم.. وقد قام بملاحظات عيانية في المناطق التي انتقل إليها. 3 الرسالة التي يوجهها الكاتب إلى الجزائريين، مع طبعته الحديثة هي "رسالة السلام"، واعتبار أن الانتفاضات والثورات المتعاقبة، وثورة التحرير هي عهود مظلمة سيطر عليها الإرهاب، ويقصد به كل المقاومين لفرنسا. من هو محمد بن عبد الله؟ السيرة الذاتية: حسب "غولدزيقر"، فإنه مرابط من أولاد سيدي الشيخ، كان مناوئا للأمير عبد القادر في 1841م استسلم لفرنسا، في 1842م أسند له المرسوم الملكي منصب خليفة الغرب على إمارة وهران. حاول "بيجو" استمالته في صراعه مع الأمير، ولكن آماله خابت، نفي في 1845 إلى مكة، وعاد متخفيًا في1851، وجعل من ورڤلة والرويسات مراكز لحركته، قام بحركته في 31 أكتوبر1851م، أين قام بوبكر حمزة بحبسه، ثم سجن في "سانت مرڤرفيت"، ثم في حصن باربينيون . أطلق سراحه في 25 ماي 1863م بعفو من الأمبواطور، وبطلب من العقيد "دورييه "، سكن في عنابة تحت المراقبة الجبرية قدمت له منحة سنوية تقدر بمائتي فرنك 200 ف، وتوفي بعد قليل من الأشهر. أما سي حمزة بوبكر، فيقول عنه أنه شخصية "لغز"، ويتساءل من محمد بن عبد الله هذا؟ هل هو محارب عن العقيدة أو مغامر؟ أو أنه بيدق في يد القيادة الفرنسية؟ وإذا كان شريفا، فمن أي فرع؟ ومن أي شجرة سلالية تبرز هذا الإنحدار؟ يعتقد سي حمزة بوبكر بأن ذلك لم يكن إلا اختراعا فرنسيا صرفا، ويتساءل إذا قيل أنه أتى من الشرف، فمن أي بلد من المشرق؟ يجزم بأنه شبه شريف، حيث يتساءل عن الباعث الذي جعله يقف ضد الأمير عبد القادر، القائد الوطني الذي هو بشريف أيضا. هذه هي السيرة الذاتية ''لمحمد بن الله'' حسب المؤلفين، لكن ما الذي يضيفه هرتز؟ يقول عنه بأن هذا الشريف جاء من تلمسان، كان مناوئا للأمير عبد القادر، وقد عين خليفة على قبائل الغرب الوهراني في 1842م من طرف فرنسا ولكن طموحه ورغباته اللامتناهية حسب الكاتب جعل فرنسا تسحب منه هذا اللقب، مما دفعه إلى التحالف مع مرابط آخر هو "سي محمد بن علي السنوسي" الذي أسس للطريقة السنوسية بالاتفاق مع الأتراك، وقد ذكر الكاتب أيضا أن ابن شهرة قد أنضم إلى شريف ورڤلة (محمد بن عبد الله)، بعد أن قاد تمرد "الأرباع"، وأتجه إلى الجنوب، وطلب من المنسقين، وأنضم إلى الشريف. إذن، بطرح تساؤل من هو هذا الشريف؟ وما الذي يحمله كثائر أو مقاوم! ما هي الفئات الاجتماعية، التي آزرته؟ ولأي مرجعية إقناع أستند إليها؟ وهذا حتى تكون التدخلات، والآراء موضوعية تحقق المعرفة التاريخية، تبتعد عن المغالاة ول اتنزع إلى الهيمنة الإحتلالية. يقول سي حمزة بوبكر: "حين كان سي حمزة في خلاف مع فرنسا، أعلن نفسه - يقصد محمد بن عبد الله - سلطانا على ورڤلة وعلى منطقتها، "وهو الحصن الذي تلجأ إليه إخوانية سيدي الشيخ". وهذا ما لقي قبولاً من السلطات الفرنسية، وقد كانت هناك عدة محاولات لإثارة سي حمزة، لكنه لم يأبه بها". يضيف: "هذا الغريب الموهوم! أراد أن يعوض بواسطة سلطته، السلطة التاريخية لزعيم أولاد سيدي الشيخ الشراڤة في إمارته الوراثية، لقد أستغل كل ما يسيئ إلى سي حمزة، ليعطي لذلك دعاية إشهارية". أطروحات "هارتز": 1 يبين الكاتب دعم الطريقة السنوسية لحركة محمد بن عبد الله، وعلى أساس ذلك الدعم رجع إلى الصحراء الجزائرية في 1851 لتنظيم المقاومة ضد التدخل الفرنسي في ورڤلة. 2 يوضح أيضا خوف فرنسا من حركة تحالف محتملة مع أولاد سيدي الشيخ في الجنوب الوهراني، الذين أبدوا إشارات للتمرد، تدخل الجنرال "لادميرو" وأضطرهم للنزوح نحو الشمال.. والمقابل الذي أخذه سي حمزة من جراء إخباره لفرنسا عن خفايا التمرد والشبكة التي تغذي التآمر تحت غطاء ديني، هو بحسب الكاتب منحه العفو. 3 المناوئ الآخر الذي كانت فرنسا تخشى تحالفه هو ناصر بن شهرة، كما أشرنا سابقا والذي مكث بالقوة في قصر الحيران. 4 شريف ورڤلة جمع المناصرين في الشرق، توڤرت، وميزاب، التي كانت تمونه بالغذاء، وبالسلاح، وبالمعدات أنظم أولاد سرغين بعقد ولاء له، وبانتصار الأحلاف أيضا طلبوا مجيئه، ومن ثم أعلن الحرب المقدسة، حدثت المواجهة مع الفرق العسكرية في 03 ديسمبر 1852م التي يقودها الجنرال يوسف والرائد باين ، والعميد باليسبيه . أما نتائج هذه المواجهة العسكرية، فهي تجاه الشريف، وبن شهرة، وبلغ عدد القتلى ألفين في صفوفهما، وخسائر فرنسا ستين 60 رجلا، منهم عدد من الضباط الكبار 5- الاستيلاء على الأغواط أثر على كل العالم البدوي والصحراوي، فطلب "بني ميزاب" الأمان من باليسبيه آنذاك وقرر الأرباع المنسقون الخضوع للسلطة الفرنسية وقرر القائد أن ينشئ حامية عسكرية قوية تتناسب مع المكانة الإستراتيجية والسياسية للمدينة. 6 متابعة الشريف ومناصريه، والقضاء على حركته، ويتمثل ذلك في القناعة التي مفادها بأنه لا يمكن إقامة سلام دائم في التل دون تقييد حرية الشريف في إعادة تنظيم قواته، وإحداث أنشقاقات أخرى. لقد أخرج الشريف من ورڤلة، وتبعه روندون توڤرت، حيث هزمه، فهرب إلى نفزاوة التونسية بعد أربع سنوات ظهر في عين صالح، وجمع مناصريه من الشعانبة والطوارق، وأقترب من قصر الحيران في1861م، فقبض عليه خارج ورڤلة، وحبس في بارينيون ، ثم نقل لعنابة طبقا لظروفه الصحية. خلفيات الحركة وملابساتها العلاقة بتونس لدى المحللين حولى حركة محمد بن عبد الله تعود بصفة متواترة، فغياب محمد بن عبد الله ترك وراءه غموضا كبيرا، ومن رؤساء أولاد يعقوب محمد بن بوعلاق الذي تراجع إلى أراضيه في إمارة تونس، أخذ في تحين الفرصة لهجومات جديدة، وكان وادي سوف معرضا لهذه الغزوات. أما ناصر بن شهرة الذي أنضم إلى الشريف، فإنه تراجع إلى تونس، وأخذ في تحضير مخططات جديدة للهجوم، وفي التحرك بحرية في الجنوب، هذا ما حرّك القبائل الغاضبة، وأخذت التجزئة القبلية في الإحتداد. * العلاقة الثانية الجديرة بالاهتمام، هي مع الحركة السنوسية، التي سجلت نجاحات باهرة، ولكن هذا النجاح اصطدم في المغرب بمشاكل الصف التي نزعت الغطاء عن طبيعة هذه الحرب الدينية - حسب غولدزايڤر - وقلصت دورها إلى صراع محتدم بين مجموعات متنازعة، بعض الفرديات النخبوية مثل محمد بن عبد الله، تجاوزت مشكلة الصف لتطرح المشكلة في كليتها السياسية والدينية، وفي الجزائر، فإن بعث الإخوانيات كان صرحا يدعم الإستياء العميق، والخشية المستمرة. أما في الجانب الإجتماعي، فإن اختفاء محمد بن عبد الله لم يجلب الهدوء إلى المنطقة الصحراوية، بل على العكس من ذلك، فالسكان كانوا تحت ضغط التهديد بواسطة الحركات العسكرية، وبواسطة المهمات التجارية لدوفرييه ومرشر ، حيث فشلت بهزيمة الطوارق والشعانبة وصدم هؤلاء السكان بفشل "محمد بن عبد الله"، ورغم أن أراضيهم لم تمس مباشرة، فإنهم عرفوا أن مجتمعهم الذي هوجم من طرف رؤسائه، ومن طرف صفوفه، وإخوانياته، سوف يتعرض إلى خطورة تفككه، فالغزو الاستعماري لحق بالغزو العسكري. استغلت فرنسا الصراعات القبلية، والتناحرات بين الصفوف، والانشقاقات في الطرق الصوفية، مثل ذلك ما وقع بين بوعكاز، وبن ڤانة، وبين ما وقع بين سي حمزة ومحمد بن عبد الله، وهذا ما سمع بالتسهيل لدخول فرنسا إلى الصحراء، كما حرك الاحتلال التناقضات بين الرحمانية، والقادرية والتي اشتهرت بالصرامة، وواجهت بين سكان القصور والبدو، وإثارة القبائل العربية الجزائرية ضد جيرانها من القبائل التونسية والليبية، وذلك بهدف عزل الصحراويين الجزائريين، وتجزئ مجتمعهم إلى ذرات. هذه السياسة الخاصة بالتجزئة الذرية للمجتمع، والتي مارسها الضباط المتخصصون الذين يعرفون البلد والعادات قد أعطت ابتداء من 1865م نتائج واضحة فالشرق الصحراوي لم يتلق الصدمة المعاكسة لثورة 1864- 1965م أما المحاول اليائسة لمحمد بن عبد الله