لم تكن المشاركة الجزائرية في مونديال جنوب إفريقيا 2010 مخيبة، بالرغم من المآخذ الكثيرة على اختيارات المدرب الوطني رابح سعدان، الذي يرى في الكثير من الانتقادات التي وجهت له، على أنها تفتقر للموضوعية وهي عاطفية أكثر منها تقنية، وفي كل الحالات يمكن القول شتان بين الذي يخطط ويواجه الضغط من كل حدب وصوب، و بين الذين لا يؤمنون إلا بالملموس وربما تأتي أحلامهم وتطلعاتهم أكبر بكثير من الواقع الذي أعيد فيه بناء المنتخب الوطني والظروف التي تحكمت في كثير من جوانب تحضيره. وقد حاولت "السياسي" قراءة هذا الواقع، وقد تأكد لنا قبل انطلاق هذا المونديال أن سقف مشاركتنا ومهما أطلقنا العنان لعواطفنا أو لأحكامنا أو حتى لبعض نزواتنا، فهو لن يتعدى الدور الأول، إنه مستوانا وربما تصنيفنا أو هي تلك حدودنا، وهذه حقيقة لا يجب القفز فوقها، حتى لا نتحول إلى ملاحظين سلبيين أو إلى متتبعيين يبنون أحكامهم على حديث الشارع والمقاهي أو غوغائيين. وحتى يسكت بعض الذين انتقدوا أداء المنتخب الوطني من على الشاشات وتحولوا إلى محللين بالصدفة وفي ظل لجوء بعض وسائل الإعلام الكبيرة إليهم، دون أن تدرك أن تحاليل بعض هؤلاء فيها الكثير من المغالطات وفيها الكثير من التشكيك في قدرات واختيارات المدرب الوطني الذي كان مستهدفا بالدرجة الأولى. لقد شرع الناخب الوطني في تحضير المنتخب الوطني بلاعبين، فيهم من عانى التهميش في صفوف ناديه ويكفي هنا أن نشير إلى ما تعرض له كريم زياني الذي قاد المنتخب الوطني بنجاح للدورة النهائية للمنوديال وكأس إفريقيا، وربما يدرك الكل القيمة الحقيقية لهذا اللاعب الذي يجب أن ننصفه، كما تعرض النجم مراد مغني إلى ضربة موجعة أفسدت حسابات المدرب لوطني وأثرت على رفاقه حيث تم شطبه من قائمة المونديال بعد أن يئس الأطباء من علاجه وتأكد للمدرب رابح سعدان أنه لا يمكن الاعتماد عليه ففضل تأمينه على المجازفة به، كما تعرض عنتر يحيى القائد الجديد للإصابة وتغيب عن الملاعب لفترة طويلة ولم يعد إلى مستواه، وأصيب يبدة، ومني صايفي بانتكاسة تمثلت في فسخ عقده من ناديه القطري، فضلا عن إصابة بلحاج نذير الذي نقل للعلاج في قطر وظل بعيدا عن الملاعب لفترة طويلة، ولم يتماثل للشفاء إلا قبل انطلاق المرحلة النهائية من التحضير للمونديال بكرانس مونتانا. هذا الواقع جعل المنتخب الوطني يعيش حالة طوارئ قصوى، وربما يضاف إلى كل هذا ضغط الشارع الذي تغذيه صحافة تجارية بعيدة كل البعد عن حقيقة الأشياء والتي لا تكتب إلا بالأسلوب الذي يمليه منطق الربح والخسارة، بعد أن أوهمت قاعدة قرائها بأن المنتخب الوطني "طبعة سعدان" ليس له ما يقوله في المونديال وأطلقوا عليه تسمية "دار سبيطار". وقالوا إن النتيجة التي حققناها، جاءت بفضل ما قدموه وأن هزيمتهم أمام الولاياتالمتحدة لم تعكس واقع المباراة من الناحية الفنية وأن أبناء العم سام لم يتفوقوا عليهم إلا من خلال لياقتهم البدنية العالية وبعض الحوافز الأخرى، خاصة وأنهم، أي الأمريكيين، كانوا يلعبون على التعادل أو الفوز بأصغر نتيجة، فيما كان أمام لاعبينا خيار واحد فقط هو الفوز بأكثر من هدفين. وبصرف النظر عما تحقق من نتائج، فإن واقع مشاركتنا، يقول أن سعدان و"كومندوسه" لعبا مباراة إنجلترا بروح الفريق، وهي خاصية ذكرتنا بلقاء أم درمان في مباراة السد أمام منتخب مصر، وذكرتنا أيضا بلقائي مالي وكوت ديفوار في الدورة النهائية لكأس إفريقيا للأمم الأخيرة. ولا شك أن عودة الروح الجماعية للمنتخب الوطني في لقائي إنجلتراوالولاياتالمتحدة قد أدى بالكثير من الملاحظين إلى الإشادة بذلك وقالوا صراحة، لقد وقفنا على المنتخب الجزائري الذي نعرفه، وأنه لعب بشخصيته الحقيقية التي تتسم بالشجاعة والندية وربما ما قاله الناخب الولاياتالمتحدة الذي بكى عند تسجيل هدف الفوز على الجزائر في الوقت الضائع، ما يكفي للدلالة على أن المنتخب الوطني كان الكل يحترمه، وأن الأداء الذي قدمه كان يزيده احتراما عند النقاد، فالناخب الأمريكي ودون أية مجاملات قال "إنكم تملكون منتخبا له الكثير من خصائص المنتخبات الكبار في العالم وهو يستحق الاحترام على كل الأصعدة" وحتى كابيلو الذي كتم غيضه بعد التعادل الذي حققه منتخبه وبطعم الهزيمة، ربما في لحظة من لحظات مساءلة الذات اعترف بأن المنتخب الجزائري قد لعب باحترافية وأنه لم يخرج مطأطئ الرأس، لأن حظوظه ظلت قائمة حتى آخر لحظات المباراة الثالثة أمام الولاياتالمتحدة. ولم يخرج الكثير من النقاد والتقنيين على هذا السقف من أحكامهم على المنتخب الجزائري، وإن الكثير منهم نوه بأشياء كثيرة وفي مقدمتها الاكتشافات التي تمت على صعيد التشكيلة الوطنية، ببروز نخبة جديدة من اللاعبين الذين سيتسلمون المشعل ابتداء من تصفيات المونديال المقبل، من أمثال الحارس مبولحي، قادير أو قديورة.