لا أحد يملك قرار الإبقاء على سعدان أو إبعاده من العارضة الفنية للمنتخب الوطني إلا الاتحادية الجزائرية لكرة القدم التي هي وحدها من يملك الجواب وسلطة القرار بالإبقاء عليه مدربا أو الانفصال بالتي هي أحسن. أما الأصوات التي بدأت تراهن على ذهابه، فهي في الواقع لا تملك من الحجج سوى أن ''الشيخ'' فشل في وضع أكثر من 35 مليون تعداد وطني للعب ثلاث مباريات في مونديال جنوب إفريقيا .2010 لقد بدأت مثل هذه الرهانات تغذي حديث الساحة الكروية بمجرد انتهاء مباراة الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالجزائر لحساب اليوم الثالث من المجموعة الثالثة بملعب تيشوان ببريتوريا، عندما خرج بعض الصحفيين للتحدث عن ضرورة ذهاب سعدان لأنه أخفق في الفوز على أمريكا، ولأنه أدخل صايفي عوض بودبوز ولأنه عاد لتوظيف ورقة غزال، ولم يقر هؤلاء بأن سعدان قد ساهم في تأهل الجزائر لمونديال 1982 وكان وراء صعود الجزائر إلى مونديالي 1986 بالمكسيك و2010 بجنوب افريقيا. وهنا يجب القول أن آية قراءة هادئة لواقع المشاركة الجزائرية في المونديال الأخير، يجب أن تستند لواقع الحال، لنطرح بعدها السؤال التالي هل نجح رابح سعدان في ثالث خرجة مونديالية أم فشل؟ هذا السؤال ربما لا نعطيه حقه من الأجوبة التقنية كصحافيين أو كملاحظين، لأن دورنا قد يقتصر على نقل الخبر ومعالجته معالجة قد تكون سطحية في بعض جوانبها، مثلما ذهبت إليه بعض الأصوات والكتابات الصحفية التي حاولت إيهام الرأي، بأن المنتخب الوطني ذهب ضحية خطط مدربه واختياره غير الصائب للاعبين، مع أن هذه الأصوات أو هذه الكتابات كانت أول من هلل لتعادل الخضر أمام انكلترا، أما لماذا هذا الانقلاب في بعض الكتابات، فهذا أمر لا يعرفه إلا من وضع مصلحة جريدته فوق كل الاعتبارات الأخرى. وقد حاولت بعض الكتابات الهادئة أو القراءات المتزنة ان تجيب على الكثير من الأسئلة التقنية، في محاولة لفك شفرة الخطط التي توخاها سعدان في التعامل مع خصومه في المونديال، لكن دون جدوى، لأنه مهما كتب وقيل عن الفريق الوطني، فإن هذه الكتابات قد لا تنصفه، وقد تأكد للكثير من الذين عاصروا سعدان من خلال ثلاث مونديالات، بأنه شتان بين الذي يخطط ويحمل على أكتافه ضغط 35 مليون جزائري، فلكل واحد منهم تعداده المفضل، ونجمه الذي يصنع اللعب، وهدافه الذي يعالج عقم ''الخضر'' وبين الذي ينتهج لغة الرصيف ويسوق أي كلام ويحاضر في الخطط مع أن الكثير من أصحاب هذه الكتابات لم يسبق لهم أن مارسوا لعبة كرة القدم إطلاقا، ولا حتى تثقفوا بأبجدياتها ولو من خلال متابعة أخبارها من على مدرجات الملاعب. ومع ذلك فإن بعض القراءات الهادئة والتي مع الأسف لم يأخذ بها بعض الصحافيين، تضع سعدان وتعداده في موضع يليق بهم جميعا كمجموعة أدت المونديال الإفريقي في أبهى صورة، وهذه القراءات تشيد بانجازات ''الخضرا'' وعبقرية سعدان، وتذهب إلى ابعد من ذلك حين يقول أصحابها، أن المنتخب الوطني لم يخيب ولم يكن مخيبا، ويكفيه فخرا انه لعب بندية في كل لقاءاته الثلاثة، وان هزيمته من سلوفينيا ربما أضاعت مفاتيح تأهله، لكن تعادله مع انكلترا ليس في متناول أي منتخب آخر، وإسالته العرق البارد لمنتخب الولاياتالمتحدة، لخير دليل على انه قوي مع الأقوياء، وأن الحظ فقط هو من رهن حظوظه. ويعود هؤلاء ويقولون كيف لا نتحدث عن الحظ ومنتخبنا قد استحوذ على الكرة في اللقاء الأول بنسبة عالية وكان أقرب الى الفوز لو لم تهدر فرصه ولم يحضر الحظ إلى جانب خصمه. ويكفي أن تجلس مع بعض الوجوه من الرعيل الاول للاعبين الذين حملوا ألوان المنتخب الوطني في مرحلة ما بعد الاستقلال لنستمتع ببعض القراءات الهادئة، خاصة وأن من بين هذه الوجوه من لعبوا لهذا المنتخب على فترات متقاطعة وان فيهم من كان بمثابة الصخرة التي تحطمت عليها أحلام مهاجمين كبار كملاكسو الملقب ب''حمة'' مدافع مولودية باتنة، الذي لعب إلى جانب لالماس حسن، وكذا اللاعب مختار كالام والحارس عبروق، ونجم اتحاد الجزائر جمال كدو ولاعب رائد القبة وزميله الحارس ثلجة.هؤلاء ورغم تقدم البعض منهم في السن إلا أنهم تحملوا مشاق التنقل الى جنوب افريقيا حيث قطعوا ما مسافته 15000 كلم جوا وتكبدوا صعوبات النقل برا بين المدن في بلد مانديلا، فقطعوا مسافة 4000 كلم بين بريتوريا وكيب تاون في اجواء لم يألفوها اطلاقا وقضوا ليالي باردة في إقامات جامعية تفتقر للتدفئة في وقت كانت فيه درجات الحرارة تصل إلى 5 درجات مئوية تحت الصفر. وفي اللقاءات الانفرادية التي جمعتنا ببعض هؤلاء الوجوه، حاولنا استقراء واقع النتائج التي حققها المنتخب الوطني فوجدنا النظرة تختلف كثيرا عن القراءات الصحفية بالرغم من أن هناك منهم من يقر ببعض الأخطاء الفنية ويعيب على سعدان بعض الميل إلى النجوم كأوراق أساسية، لكن دون التقليل من قيمة زياني أو غزال أوبلحاج.
ملاكسو: المنتخب أدى ما عليه ومباراة انكلترا هي المرجع وربما ما قاله اللاعب الدولى الأسبق ملاكسو الذي كان يلقب في عز أيامه الكروية ب''حمة'' أهم نموذج للقراءة المتزنة، فهو يقول: ''قبل الحديث عن النتائج الفنية للمنتخب الوطني أو الخوض في بعض الجزئيات البسيطة لابد من الإقرار بأن المدرب رابح سعدان قد وفق في قيادة المنتخب الوطني، وأنه حتى ولو ذهب اليوم قبل الغد فهو قد ترك منتخبا وطنيا بمهارات عالية ومواهب كبيرة أي انه رسم أفقا جديدا للكرة الجزائرية، وأظن أن من سيأتي بعده سيجد كل الظروف مهيأة، أما إذا بقي على رأس العارضة الفنية فهو مطالب بمعالجة بعض النقائص الفنية التي كرسها عقم الهجوم، أي بمعنى أن المنتخب الجزائري المستقبلي لا يحتاج لأشياء جديدة وكبيرة''. وانتقد ملاكسو بعض الأصوات التي تطالب بإحداث التغيير من أجل التغيير، وكأن سعدان في رأي هذه الفئة اقترف ذنبا يجب أن يدفع ثمنه بالإقالة ويقول: ''ما يروج له البعض أكثر من أي جرم والمدرب الذي يجهز فريقه للعب مباراة قوية أمام انكلترا بدون عقدة ويتفوق تكيتيكيا في تلك المباراة يستحق أن نثني عليه، كما أن المدرب الذي يجهز تعداده للعب مباراة على نسق عال أمام الولاياتالمتحدة ولا ينهزم إلا في الوقت الضائع، فهو يستحق أيضا أن تقال فيه كلمة جميلة''.. هكذا كان رد ملاكسو الذي حاولنا معرفة رأيه في كل كبيرة وصغيرة عندما التقيناه بمدينة بريتوريا في آخر يوم من مونديال الجزائريين والذي خصصوه للسياحة والتسوق على طريقتهم. لكن ملاكسو قال وهو يشكرنا على التفاتتنا له أنه يجب أن نضمن الاستمرارية لهذا المنتخب، كما يجب معالجة كل كبيرة وصغيرة على مستوى خطوطه، وأشاد بالاكتشافات الجديدة مبولحي وقادير وبودبوز وبلعيد وغيرهم والتي قال عنها :''إنها بصمات تشكل أهم اكتشافات المدرب الوطني رابح سعدان''.
جمال كدو: الأفناك لعبوا بندية ويستحقون التنويه ولم يختلف طرح المدرب جمال كدوالمدافع العملاق الذي شكل لسنوات طويلة صرحا يعتد به في صفوف فريقه اتحاد الجزائر والمنتخب الوطني ''طبعة .''1975 كدو الذي لعب للفريق الوطني وتوج معه بالميدالية الذهبية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط لم يخف إعجابه بنتائج المنتخب وقال: ''كان بالإمكان تحقيق أكبر منها، لكنه سرعان ما تدارك كلامه بالقول: ''لقد لعبنا ضمن مجموعة صعبة، تضم منتخبات لها باع طويل في المونديال، وأعطى مثالا بمنتخب انكلترا الذي ترشحه كل الأوساط للعب أدوار متقدمة وكذا منتخب الولاياتالمتحدة الذي خاض ست مشاركات ويتمتع لاعبوه بالقوة والتقنيات العالية وحتى منتخب سلوفينيا لم يكن سهلا، فهو يلعب بواقعية ولم يسرق نتائجه، هذه معطيات يجب أن تكون على الطاولة عند الحديث عن المشاركة الجزائرية''. وعندما يعود كدو الذي التقيناه هو الآخر رفقة ملاكسو، كاوة أو الروجي الذي تألق بشكل ملفت في صفوف المنتخب الوطني في تلك الحقبة التي برز فيها كدو، وكانوا مع أبناء جيلهم خير خلف لجيل لالماس وملاكسو وكالام وعطوي، لتحليل نتائج المنتخب الوطني وواقع مشاركته تجد نفسك في وضع غير الذي كنت تعيشه كصحفي في مركز الصحافة أو في بعض النقاشات التي كانت تطرح بين تجار الكلمة. وقال كدو: ''ربما هناك الكثير من الأشياء التي يجب الوقوف عندها، لكنني وكلاعب دولي سابق وحتى كمدرب، لا يمكنني الخوض في بعض الجوانب الهامشية أو الأحاديث السطحية، فالمنتخب ومن زاوية تقنية، خاض مباريات قوية وأن لاعبيه في مباراة الولاياتالمتحدة لعبوا فوق طاقتهم فأحييهم على ما بذلوه من جهد واستماتة، وفي مباراة انكلترا تفوق سعدان تقنيا وأن اللاعبين تقيدوا بالخطة ولعبوا بدون عقدة وهي ميزة تحسب لهم أيضا ويجب تدوينها لصالحهم، لكن تبقى بعض الأخطاء التقديرية في إجراء بعض التعديلات فوق الميدان، وربما يدرك الكل أن المدرب أدرى من غيره بضرورة التغيير، حتى ولو لم يعجب ذلك كل من يحيطون به. لكن سعدان في رأي كدو لم يخطئ تقنيا بل انه نجح في أشياء كثيرة، لأن بصمات اكتشافاته كثيرة وأن المنتخب الوطني لمرحلة ما بعد سعدان لا يحتاج للكثير من التعديلات، لكنه يبقى في حاجة إلى مهاجمين فاعلين يتمتعون بحس تهديفي، كما يحتاج للاعبي وسط يجيدون التموقع إلى جانب المهاجمين، ويظن أن سعدان تحدث مطولا في هذا الجانب ووعد بالمزيد من العمل لمعالجة نقاط الضعف والوقت في صالح المنتخب الوطني.
كاوة: الحديث عن الإخفاق فيه الكثير من المغالطات أما اللاعب كاوة الذي لعب لرائد القبة لفترة طويلة ولعب للمنتخب الوطني في دورة البحر الأبيض المتوسط وكان له باع طويل ومساهمة فعالة في تتويجه بالميدالية الذهبية، فقد كان تحليله مبسطا، لأنه قال: ''لقد بلغ المنتخب الوطني سقف التوقعات، وتأهله للمونديال أو مشاركته إلى جانب كبار العالم يعد حدثا في حد ذاته، أما الحديث عن سقف أعلى كان على المنتخب الوطني بلوغه، فيه الكثير من المبالغة، كما فيه الكثير من المغالطات''. كاوة تحدث عن الهجوم وقال يجب تطعيمه بمواهب قادرة على التفاعل مع أية خطة ترسم من قبل المدرب الوطني مستقبلا وقال إن مهمة الكشف عن المواهب يجب أن تسند لتقنيين من ذوي الكفاءات ويعتقد أن سعدان يدرك أنه يجب معالجة هذا الجانب بهدوء وبتركيز كبير، وأنه يملك التصور الأمثل إذا بقي على رأس العارضة الفنية، أما إذا ذهب فهو والحق يقال قد ترك نواة منتخب المستقبل. كاوة وعلى غرار ملاكسو وكدو قال: ''يجب الحذر في التعامل مع المرحلة المقبلة، لأن المنتخب الوطني الحالي لا تنقصه إلا رتوشات طفيفة في الهجوم، وضمان الاستمرارية أحسن من التغيير الجذري الذي يروج له البعض''.هذه عبارات قالها كاوة وهو يودعنا ليلتحق بزملائه، بالرغم من أننا خطفنا منه زميله ثلجة الياس الذي كان يعد من أبرز حراس المرمى في الجزائر والذي ترك أيضا بصمات مؤثرة وكبيرة في صفوف فريقه رائد القبة. ثلجة وبهدوء كبير رد على بعض أسئلتنا وقال: ''لقد قدم المنتخب الوطني كل ما لديه ونجح الى ابعد الحدود في تحقيق سقف التوقعات، وأظن أن التقييم الفعلي يحتاج إلى تركيز أفضل وتفكير جاد، وهنا يجب التحلي بالشجاعة والانضباط حتى لا يظلم أحد من اللاعبين أو حتى لا نسيىء لسمعة مدرب قاد المنتخب الوطني باقتدار كبير للمرحلة النهائية من المونديال ونجح في إبراز الوجه الحقيقي للكرة الجزائرية، لقد تعادلنا مع انكلترا ولعبنا بندية مع منتخب الولاياتالمتحدة رغم انهزامنا في آخر لحظة، كما تفوق منتخبنا على سلوفينيا من حيث الانتشار فوق الميدان بالرغم من هزيمته الباهتة أمام هذا المنتخب، ولو أن مثل هذه الهزيمة قد جاءت في لحظات قاتلة وفي ظروف تميزت ببعض الأخطاء التي تسبب فيها بعض اللاعبين. ولم يشأ ثلجة إحراج أي لاعب معين أو تحميله مسؤولية الهزيمة، لكننا فهمنا من بعض إشاراته انه كان يتحدث بحدس حارس مرمى بمعنى أنه كان يقصد الحارس شاوشي وليس غزال المطرود بسبب خطإ ربما شاهدنا الكثير مثله في هذا المونديال دون أن يعاقب مرتكبوه، ولعل في الكيفية التي سجل بها فابيانو البرازيلي في مرمى كوت ديفوار، ما يجعلنا نقول إن خطأ غزال بسيط جدا مقارنة بفعلة فابيانو الذي لمس الكرة بيده مرتين قبل أن يسجل.
كالام مختار: التقييم لابد أن يتم في هدوء وبتركيز مسؤول ولم يختلف مختار كالام الرئيس السابق لشباب بلوزداد ولاعبه الدولي السابق يوم كان بلوزداد يحمل تسمية بلكور، في إبداء رأيه في المشاركة الجزائرية، لكن كالام الذي تأثر بعض الشيء بالواقع الذي عاشه أثناء إقامته ببريتوريا وسفره برا من العاصمة بريتوريا إلى كيب تاون عاصمة الجنوب ووقوفه على بعض التصرفات، أبدى الكثير من التحفظ وقال إنه من السابق لأوانه الحديث عن الإخفاق أوالفشل، وأن سعدان الذي قاد سفينة المنتخب يدرك أنه المسؤول عن النجاح كما هو مسؤول عن الفشل وأن الاتحادية الجزائرية لكرة القدم وسعدان سيدرسان الأمر سويا قبل الخروج بأي استنتاج يرون فيه الخير للمنتخب الوطني.هذه خلاصة آراء لعينات توخت الهدوء في قراءة واقع المنتخب الوطني لكرة القدم، وربما نستشف من بعضها أن هناك شبه إجماع على أنه ربما لم يحسن فرصة لقائه الأول أمام سلوفينيا، لتعزيز حظوظه من البداية أما أحاديث سوق الكلام وطروحات تجار الكلمة فقد سبقها سعدان بقوله في أعقاب مباراة الجزائر - الولاياتالمتحدة، حيث قال ''هناك من كانوا يرغبون في ذهابي، وأن قراري جاهز وسأدرس الأمر مع رئيس الفاف''.