مؤلفا الكتاب (عيون في غزة) هما البروفيسور مادس غيلبرت أخصائي التخدير، والبروفيسور إيريك فوس أخصائي جراحة القلب. يروي المؤلفان في الكتاب الأحداث التي عاشاها على مدار 16 يوما في قطاع غزة في الفترة من أواخر ديسمبر 2008 وحتى الثاني عشر من جانفي خلال المرحلة الأخيرة من الهجوم الإسرائيلي على القطاع، ويخصصان فصلا لكل يوم من تلك الأيام العصيبة. استمر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة 22 يوما، وأسفر عن مصرع وإصابة آلاف الفلسطينيين أغلبهم من المدنيين، وألحق دمارا وأضرارا فادحة بعدد هائل من المساكن الخاصة، والطرقات، والمنشآت العامة. فرض الإسرائيليون خلال الحرب طوقا محكما على القطاع، فحالوا دون دخول الصحافيين الأجانب، وفرق المساعدات الطبية والإنسانية، لكن الطبيبين النرويجيين، وكلاهما عضو في لجنة الإغاثة النرويجية نجحا في الوصول إلى القطاع، فتحوّل كتابهما إلى شهادة حيّة من الميدان عن حقيقة ما حصل في تلك الأيام، وحاول الإسرائيليون حجبه عن أنظار العالم. وقد نال الكتاب شهرة واسعة في الغرب بمجرد صدوره في النرويج، واشترت حقوق ترجمته وطباعته دور مختلفة للنشر في السويد، وإيطاليا، وفنلندا، وتركيا. هذا، ويحظى المؤلفان بمكانة مرموقة في مجال تخصصهما العلمي، إضافة إلى نشاطهما على مدار ثلاثة عقود مضت في مجال تقديم الخدمات الطبية في مناطق الحروب والصراع، خاصة في الشرق الأوسط، وكلاهما عضو في منظمة الإغاثة النرويجية، وهما يحاضران في النرويج وخارجها، وينشران كتبا علمية ومقالات، ويحاولان لفت الأنظار في الغرب إلى حقيقة الدمار الذي تلحقه آلة الحرب الإسرائيلية بالفلسطينيين. ويمكن تكوين لمحة عامة عن شهادة غيلبرت وفوس التي تشبه صرخة مدوية يشوبها الأسى والغضب من خلال الفقرة التالية الواردة في الكتاب: »لم تكن ثمة حاجة لتخدير الطفل الذي أُصيب في دماغه، فلم يعد يشعر بالألم. والطفل الثاني رقد في حالة غيبوبة اصطناعية، وتم حقنه بالمخدر لتسكين الألم، وتمكين جهاز التنفس الاصطناعي من العمل دون مقاومة من جهازه التنفسي، غُطيت عيناه بضمادة كبيرة، على أية حال لم يعد قادرا على رؤية شيء، فقد أصيب بالعمى«. أين يمكن الصراخ والتعبير عن اليأس والغضب بعد كل هذا المصير المأساوي الذي نعاينه عن كثب؟ هل ستسمع السماء؟ هل يسمع العالم؟ ولكنهم يعرفون كل ما يحدث هنا، أعداد الضحايا تدق في الغرب كل مساء، لدى وكالات الأنباء، وأجهزة الاستخبارات، والبعثات الدبلوماسية لأقوى الدول في العالم، التي لا تحاول حتى أن تكبح جنون آلة الحرب الإسرائيلية«. الطبيبان فوسه وغيلبيرت منذ عادا من قطاع غزة وهما يتنقلان من مكان إلى آخر، يتحدثان عن إجرام إسرائيل، وعن بشاعة آلاتها العسكرية الفتاكة، التي لا تفرق بين كبير وصغير ولا بين مستشفى ومدرسة أو موقع عسكري.. نالا عقب عودتهما من غزة عدة جوائز نرويجية هامة. يحتوي الكتاب على عمل مشترك وأحاديث لكل من الدكتورين النرويجيين مادس غيلبيرت وأريك فوسه وكيف عاشا تلك المرحلة في مستشفى الشفاء بقطاع غزة، الذي كان يخضع لعملية عدوان كبيرة لم تميز بين عسكري أو مدني. ويروي الكتاب أيضاً كيف كانا يحملان ويجمعان الأجساد والأشلاء والجثامين المحترقة والممزقة نتيجة القنابل الإسرائيلية دقيقة التوجيه. ففي تلك الحرب الهمجية التي امتدت من فترة شتاء 2008 / 2009 سقط أكثر من 300 طفل فلسطيني ضحايا لتلك القنابل الذكية والفسفورية التي استخدمهتا آلة البطش الصهيونية في العدوان على غزة. كل من تابع الإعلام النرويجي أيام حرب غزة وكذلك فضائية الجزيرة فيما بعد عودة الدكتوران من القطاع، حيث أدليا بأحاديث وتصريحات وأجريا مقابلات خاصة مع الجزيرة.. تعرف قليلاً عليهما وعرف منهما ما لم يقدم في أي وسيلة إعلامية اوروبية. هذان الطبيبان الشجاعان، المتضامنان منذ زمن طويل مع القضية الفلسطينية، أصرا على التوجه خلال بداية العدوان والحرب على غزة، سافرا إلى هناك ودخلا القطاع حيث عملا في مستشفى الشفاء. كتب ونشر وقيل الكثير عنهما، لكنهما الآن هما من يقدم للقارئ الرواية كاملة وبهدوء ما بعد العاصفة. يقدمان حكاية العيون التي كانت في غزة وشاهدت ما شاهدته من إرهاب صهيوني، في 300 صفحة توزعت بين الأحاديث والذكريات والمشاهد والصور للضحايا والعدوان في غزة. يقول الكتاب أن ما أظهرته وسائل الإعلام يمثل فقط القشرة الخارجية للواقع وللحقيقة. فهنا نحن نرى صوراً للقنابل والسيارات ولأقارب المرضى البائسين.. كتاب عيون في غزة يسهب في تقديم واقع العدوان وإظهار الحقيقة التي يجب أن لا تنتسى. جاء في الكتاب على لسان أحد مؤلفيه: »نزعت الورقة التي غطت الجثمان.. ساقاه كانتا (في مهب الريح)، طارتا نتيجة الانفجار.. كانت هناك علامات للسخام والحروق الناتجة عن الأضرار التي الحقتها النار في العظام. أنه لا ينزف، كما أن هناك دلائل على أن الكثير من الأنسجة المتبقية قد ماتت«. هذه كانت بداية وصف حالة فتى جريح يبلغ من العمر 12 عاماً. يقول الصحفي والناقد أوليه يان لارسن ، الذي يكتب في موقع التلفزيون النرويجي الرسمي أنركو تعليقاً على ما سمعه ورآه عن الكتاب أنه لم يسبق له أن حصل على مثل هذا الفهم الواضح للنتائج السيئة للحرب التي لا تحمد عقباها.. أبداً لن أنسى ما رأيت في كتاب »عيون في غزة«. وأضاف لارسن الذي تابع واستعرض فصول الكتاب: »أن كل منهما (فوسه وغيلبرت) كتب جيداً. وأن محتوى الكتاب مثير للأعجاب«. كتاب عيون في غزة هو كتاب توثيقي يحتوي على كثير من الصور المؤلمة والوحشية، ويقدم لمعاناة سكان غزة، وما تكبدوه خلال ثلاثة أسابيع من الهجمات العسكرية.. كما نحصل في هذا الكتاب على لمحة تاريخية عامة عن خلفية الصراع في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة. وكذلك استعراض الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ويظهر كل من جيلبرت وفوسه الصور الخاصة بكل منهما أثناء إقامتهما في غزة. بعض الصور تظهر الأطفال المصايبن بجروح خطيرة. كانت الإصابات وحشية واضطر الأطباء إجراء عمليات جراحية لإنقاذ حياة المصابين.