إجلاء صحي ل 3 مسافرين بريطانيين شمال رأس ماتيفو بالجزائر العاصمة    تنصّيب قائد الدرك الوطني الجديد    الأونروا: الحصار الراهن على قطاع غزة هو الأشد    الولايات المتحدة تستهدف الصين بضرائب جديدة    عشرات الشهداء بغزة وتحذير أممي من انهيار إنساني وشيك    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات من البلاد    برنامج ثري ومتنوع للاحتفاء بشهر التراث    افتتاح المهرجان الدولي ال14 للموسيقى السيمفونية    تنظيم لقاء حول آليات حماية التراث المعماري والحضري    لا تسوية لقضية الصحراء الغربية إلا بتوافق طرفي النزاع    الرابطة الأولى: م. الجزائر و ش. بلوزداد يحافظان على مركزي الصدارة والملاحقة    الجزائر بحاجة إلى صحافيين ملتزمين بالدفاع عن الوطن    "أشوك ليلاند" الهندية مهتمّة بالاستثمار في الجزائر    الجزائر ترسم مسارا جريئا لتنويع اقتصادها    ترسيخ ثقافة الأمن السيبراني لدى تلاميذ الثانوي    موناكو ونوتنغهام فوريست يتنافسان لضمّ حاج موسى    محرز يحقق رقما قياسيا في السعودية ويردّ على منتقديه    صادي يتحرك لإنهاء أزمة التحكيم في البطولة الوطنية    شباب يرفضون العمل بأعذار واهية    حجز عتاد ووسائل مستغَلة بصفة "غير شرعية"    الموروث الشعبي النسوي في "وعدة لالا حليمة"    دعوى لتجنيب الأطفال الاطعمة المصنعة    شايب يجري لقاء تفاعليا مع المتعاملين الاقتصاديين والكفاءات الوطنية ببلجيكا ولوكسمبورغ    نقابات عمالية عالمية تدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    إبراز دور الشباب في تعزيز التكامل الإفريقي    مشروع فيلم جزائري - هولندي بالبويرة    سأظل وفيا لفن كتابة السيناريو مهما كانت الضغوطات    "القرقابو" أو "الديوان" محاكاة للتضامن و الروابط الاجتماعية    وهران.. يوم دراسي دولي حول التطورات وآفاق الإنعاش في طب الأطفال    رئيس الاتحادية الجزائرية للفروسية يفوز بعضوية مجلس إدارة الاتحاد العربي للفروسية    الفريق أول السعيد شنقريحة ينصّب قائد الدرك الوطني الجديد    وزير الاتصال يفتتح دورة تكوينية لفائدة الصحفيين بالعاصمة    سوناطراك تستكشف الوسائل اللوجيستية والبنى التحتية ل "شيفرون" الأمريكية    المؤتمر أل10 لإتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب: إتحادات نقابية إفريقية تؤكد دعمها اللامشروط للعمال الصحراويين    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51157 شهيدا و116724 جريحا    لقاء حول آليات حماية التراث المعماري والحضري    الرئيس يتلقّى رسالة من السيسي    فلسطينيون يشكرون الجزائر وتبّون    سعيود يسلط الضوء على الأثر الإيجابي لتيليفيريك قسنطينة    محرز يحب المزاح    البكالوريا المهنية في 13 ولاية    هذا جديد مديرية الضرائب    عودة لانسبيكتور    مقتل 7 أشخاص وجرح 178 آخرين    شركة موبيليس تجري تجارب ناجحة على الجيل الخامس    العاصمة : توقيف 3 أشخاص وحجز قرابة 5000 قرص مؤثر عقلي    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    بطولة افريقيا للجيدو فردي: الجزائر تشارك ب 17 مصارعا في موعد ابيدجان    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    تقييم أداء مصالح الاستعجالات الطبية: سايحي يعقد اجتماعا مع إطارات الإدارة المركزية    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد وجهاً لوجه    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة‮ جاسوس‮ ساعد‮ إسرائيل‮ في‮ الحصول‮ على‮ المستحيل الموساد‮ يسرق‮ »‬الميغ‮ ‮ 21‮«

-‬‮ إسرائيل‮ لا‮ تمتلك‮ طائرة‮ تماثل‮ »‬الميغ‮ ‮ 21‮« قوة‮ تستطيع‮ الدخول‮ معها‮ في‮ اشتباك‮ وإجبارها‮ على‮ الهبوط‮ في‮ أحد‮ مطاراتها
-‬‮ اكتشفت‮ الإسرائيلية‮ أن‮ المواطن‮ العراقي‮ ساخط‮ على‮ نظام‮ الحكم‮ في‮ بلاده‮ وعلى‮ حزب‮ البعث‮ الذي‮ كان‮ ممسكا‮ بزمام‮ الأمور‮ واستفزته‮ قائلة‮: »‬يبدو‮ أنك‮ تبالغ‮ في‮ تضخيم‮ الأمور‮«‬
-‬‮ قضى‮ العميل‮ الإسرائيلي‮ يوسف‮ منصور‮ أربعة‮ أسابيع‮ في‮ التدريب‮ المكثّف‮ على‮ معدات‮ أشعة‮ إكس،‮ لأنه‮ سيسافر‮ إلى‮ بغداد‮ باعتباره‮ مواطنا‮ إنكليزيا‮ خبيرا‮ في‮ تلك‮ المعدات
====‬
في بداية الستينات من القرن الماضي، وبينما كانت الحرب الباردة بين القوتين الأعظم على أشدّها، فاجأ السوفيات العالم بالطائرة المقاتلة »ميغ 21« التي كانت حديث الأوساط العسكرية كافة بسبب تفوُّقها على نظيراتها في دول حلف الأطلنطي، وكانت تتميز بسرعة 2062 كلم/ ساعة في دائرة مغلقة طولها 500 كلم، وبسرعة 1298 كلم/ساعة في دائرة مغلقة طولها 100 كلم، وبلغت أقصى سرعة مستوية للطائرة 2375 كلم/ساعة، في حين كانت السرعة بمقدار النصف عند الطائرة »سكاي هووكش في ذلك الوقت، و1400 للفانتوم و1500 للميراج، وكانت أبعاد ومقاسات الطائرة محيّرة، إذ بلغ عرض أجنحتها 760 سم، وطول جسمها 16.75مترًا، وذلك ما لم يتوافر للطائرات الأمريكية والفرنسية أو الإنجليزية. تحولت الطائرة بالنسبة إلى دول حلف الأطلنطي إلى كابوس مزعج ولغز محيّر يسعون بشتى الطرق إلى فك طلاسمه، والأهم من ذلك كله أن الميزات كلها كانت موضوعة بين أيدي الطيارين العرب في مصر وسورية والعراق، تفتقد إليها إسرائيل، فكانت الرغبة عارمة في كشف أسرارها عن قرب، وصار الحصول عليها بأي ثمن هدفًا أمريكيا إسرائيليا مشتركاً للوقوف على خفايا قوتها وأسرارها.
في تلك الفترة، من نهاية عام 1961، ألقت المخابرات المصرية القبض على الجاسوس المصري، الأرمني الأصل، جان ليون توماس، واعترف خلال التحقيق أن الإسرائيليين أغروه بمبلغ ضخم إذا استطاع تجنيد طيار مصري يقبل الهروب بطائرة »ميغ 21« إلى إسرائيل مقابل مليون دولار، فبات‮ الأمر‮ بعد‮ انكشافه‮ وإعدامه‮ أكثر‮ صعوبة‮.‬
اتجه تفكير الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية إلى اعتراض طائرة مصرية أو سوريّة وإجبارها على الهبوط في إسرائيل، لكن الفكرة رُفضت، لأن إسرائيل لا تمتلك طائرة تماثلها قوة تستطيع الدخول معها في اشتباك وإجبارها على الهبوط في أحد مطاراتها، وبالتالي فاعتراض »الميغ 21« بدا مغامرة فاشلة، ففكروا في زرع عميل طيار في أحد أسلحة الجو العربية، لكن رُفض الاقتراح لأنه يستلزم فترة طويلة ليست في مصلحتهم ونسبة نجاحه لا تتعدى الواحد في المائة، من هنا اعتمد الخيار الأخير وهو تجنيد طيار عربي وإغراؤه بمبلغ كبير للهروب بطائرته إلى إسرائيل وكان الأمر يحتمل النجاح بنسبة 25٪، لذا بدأ التنسيق المخابراتي لمعرفة أية معلومة ولو كانت تافهة عن طياري مصر وسورية والعراق من خلال العملاء في العواصم العربية وما تنشره الصحافة العربية في صفحات النعي والاجتماعيات، وبدأت الخطوات التنفيذية لخطتهم الشيطانية‮.‬
ليلة‮ »‬أنس‮« في‮ باريس
ذات ليلة من ليالي باريس الصاخبة في أواخر صيف عام 1964، كان في أحد ملاهيها ضيف عراقي غدا محط أنظار، إنه سائح أتى من بلاد الرافدين ليستمتع بكل لحظة في رحلته إلى باريس، وشدّت انتباهه فتاة تبدو متحررة تمامًا، ومنجذبة إليه من النظرة الأولى.
كان يركّز عينيه عليها يتأمل جسدها، وهي أيضا تركز عينيها عليه، لكن لأسباب مختلفة، فهي تعمل ملحقة ثانية في سفارة إسرائيل في باريس، لكنها، وكان ذلك عرفا سائدا وقتها، كانت إذا قابلت عربًا تخفي جنسيتها الإسرائيلية، وتقدم نفسها على أنها مواطنة فرنسية تريد أن تستمتع‮ بوقتها،‮ لكنها‮ بعد‮ قليل‮ تحرّك‮ دفة‮ الحديث‮ بحرفية‮ شديدة‮ نحو‮ السياسة‮.‬
اكتشفت‮ الإسرائيلية‮ أن‮ المواطن‮ العراقي‮ ساخط‮ على‮ نظام‮ الحكم‮ في‮ بلاده،‮ وعلى‮ حزب‮ البعث‮ الذي‮ كان‮ ممسكا‮ بزمام‮ الأمور،‮ واستفزته‮ قائلة‮: »‬يبدو‮ أنك‮ تبالغ‮ في‮ تضخيم‮ الأمور‮«.‬
لكن السائح العراقي كمن ألقى بقنبلة رهيبة أمامها، قال: »إطلاقا لا أبالغ، إن لي مثلا صديقا أعرفه في بغداد، يستطيع بمفرده أن يعطي لإسرائيل أحدث طائرات الجيش العراقي، وهي الطائرة السوفياتية »الميغ 21«، فغرقت محدِّثته في الدهشة والذهول وهي تقول له: »هذا جنون‮ مطبق‮«.‬
قال لها: »أبدا، لأن صديقي هذا كرر لي كثيرا أنه لو وجد الطريقة المناسبة فإنه سينتقم من هؤلاء الأوغاد في السلطة بتسليمه طائرة ميغ 21 لإسرائيل«. ردت بحرفية وبعفوية: »تعرف أنني كنت أفكر مع صديقة لي بزيارة العراق، إن جو الشرق يسحرني، ولا شك في أننا سنكون أكثر‮ متعة‮ لو‮ قضينا‮ معا‮ نحن‮ الأربعة،‮ أنا‮ وأنت‮ وصديقك‮ وصديقتي،‮ أسبوعين‮ أو‮ ثلاثة‮ معا‮ في‮ بغداد‮ الساحرة،‮ بلد‮ علاء‮ الدين‮ والمصباح‮ السحري‮«.‬
قال لها وبكل زهو: »بكل سرور، عليك الاتصال بنا فحسب قبل مجيئك من باريس، لا أقيم في مدينة بغداد ذاتها، لذلك سأعطيك رقم تلفون صديقي في بغداد وهو سيدبر كل شيء فورا«. أعطاها رقم هاتف صديقه، واسمه »جوزيف«، ثم غيرت دفة الحديث إلى موضوع آخر بعيدا عن السياسة كي لا تلفت‮ انتباهه‮.‬
في اليوم التالي، اتجهت الفتاة الإسرائيلية إلى مقر عملها في سفارة بلدها في باريس، والتقت بزميلها مندوب الموساد، وقصت عليه ما حدث، فطلب منها فورا أن تتابع العلاقة، لكنها أصيبت بخيبة أمل حينما اتصلت به في الفندق ووجدت أنه غادره صباحًا، ربما إلى فندق آخر أو ربما‮ عاد‮ إلى‮ بغداد،‮ فأرسل‮ مندوب‮ الموساد‮ تقريرا‮ عاجلا‮ بالموضوع‮ إلى‮ قيادته‮ في‮ تل‮ أبيب‮.‬
مجازفة
في‮ تل‮ أبيب‮ توقّف‮ مائير‮ أميت‮ (‬أو‮ عاميت‮)‬،‮ رئيس‮ الموساد،‮ أمام‮ كلمة‮ »‬الميغ‮ ‮ 21‮«‬،‮ فهو‮ تقرير‮ روتيني،‮ لكن‮ تلك‮ الكلمة‮ بدت‮ مثيرة‮ تمامًا،‮ فالطائرة‮ هي‮ حلمهم‮ وشغلهم‮ الشاغل‮ منذ‮ فترة‮.‬
كانت المشكلة أنه حينما عيِّن أميت رئيسًا للمخابرات الإسرائيلية في 25 مارس عام 1963، أي قبل عام ونصف، عقد اجتماعات متتالية مع كبار المسؤولين في وزارات الحكومة الإسرائيلية كافة بهدف التوصل إلى مزيد من التنسيق بين كل منها وبين الموساد.
حينما جاء الدور على »أميت« كي يجتمع مع »موردخاي هود«، رئيس سلاح الطيران الإسرائيلي، سأله: »ما هي الأولويات التي تتصدر طلبات سلاح الطيران الموساد؟«، فرد عليه هود بكلمات حزينة: »لدينا طلبات عدة، لكن أخطرها هو ما يبدو لي كالحلم المستحيل، إننا نريد أن نعرف على‮ وجه‮ الدقة‮ أسرار‮ تلك‮ الطائرة‮ السوفياتية‮ الجديدة‮ التي‮ حصل‮ عليها‮ العرب،‮ الطائرة‮ ميغ‮ 21‮«.‬
كانت‮ الأخيرة‮ حصلت‮ عليها‮ كل‮ من‮ مصر‮ وسورية‮ والعراق،‮ وأصبحت‮ تشكّل‮ العمود‮ الفقري‮ لسلاح‮ الجو‮ في‮ تلك‮ البلاد،‮ وأصبح‮ على‮ إسرائيل‮ أن‮ تعرف‮ أسرار‮ السلاح‮ الذي‮ ستواجه‮ به‮ في‮ أي‮ حرب‮ محتملة‮ مع‮ العرب‮.‬
كانت المشكلة أن السوفياتيين متيقظون تمامًا على أسرار »الميغ 21«، وكان إقدامهم على بيع هذا الطراز للمرة الأولى لدول خارج كتلة حلف وارسو يمثل مجازفة كبرى، لذلك، قبل أن يوافقوا على بيعها لمصر وسورية والعراق اشترطوا الحصول على تعهدات باتخاذ أكثر الإجراءات صرامة‮ لحماية‮ أسرار‮ الطائرة‮ »‬الميغ‮ ‮ 21‮« من‮ التسرب‮ إلى‮ أية‮ دولة‮.‬
هكذا أصبحت كل واحدة من الدول العربية الثلاث تتخذ إجراءات مشددة لاختيار نوعية الطيارين الذين يُسمح لهم بقيادة طائرات »الميغ 21«، فيراعى في شخصية من يتم اختياره أن يكون محصنًا ضد أي اختراق، لا يقبل الرشوة، لا يثرثر خارج قاعدته الجوية عن أي شيء يتعلق بالطائرة،‮ ولا‮ يضعف‮ أمام‮ النساء‮.‬
من هنا عندما ورد ذكر »الميغ« في تقرير مندوب الموساد في السفارة الإسرائيلية في باريس، أضاءت مصابيح الخطر في عقل »أميت«، صحيح أن كلام السائح العراقي قد يكون مجرد ثرثرة أو نوع من المزاح، وقد يكون مجرد طُعم يقدم إلى المخابرات الإسرائيلية لتقع في الفخ، فجهاز المخابرات يواجه يوميًا عشرات الأفخاخ المزيفة والإغراءات غير الحقيقية، وكلما زاد بريق هذه الإغراءات وجاذبيتها كانت أدعى إلى الشك، وفحصها يكلّف وقتا طويلا ومالا كثيرا، لكن.. إنها »الميغ 21«، إنها الحلم الكبير.. المستحيل.
طلب أميت تقريرا عاجلا خلال 24 ساعة بالتقييم المحتمل لإمكانات المجازفة، ومن خلاله تبين أن الخطر الأكبر بشأن الشخص العراقي الغامض في باريس ليس قصته الملفقة، بل أن يكون مجرد أداة لتقديم الطعم للإيقاع بالمخابرات الإسرائيلية.
المطلوب الآن هو متابعة المخاطرة، والتأكد من هوية الاسم، في بغداد اسم »جوزيفش ورقم هاتفه، فإذا أوكلت الموساد المهمة إلى أحد أفراد شبكتها الخاصة من الجواسيس السريين في بغداد، فإن أي خطأ سيؤدي إلى الإيقاع بالشبكة الإسرائيلية كلها. من ناحية أخرى، فإن فحص أحد عملاء‮ إسرائيل‮ السريين‮ في‮ بغداد‮ رقم‮ الهاتف‮ من‮ خلال‮ مصلحة‮ التلفونات‮ العراقية‮ معناه‮ المجازفة‮ بانكشافه،‮ لأن‮ ثمة‮ احتمالا‮ قويًا‮ بأن‮ السلطات‮ العراقية‮ تراقب‮ الهواتف‮.‬
مهمة‮ انتحارية‮ في‮ بغداد
هكذا أصبح من الضروري وضع خطة أخرى تنفّذها المخابرات الإسرائيلية، وتسريب عميل إسرائيلي إلى بغداد، تكون لديه التجربة والخبرة الكافيتان لعمل تقييم ميداني سريع للموقف من داخل بغداد، وفي الوقت نفسه لا تكون لديه أية معلومات ذات قيمة عن جهاز المخابرات الإسرائيلية‮ من‮ الداخل،‮ كي‮ لا‮ يضطر‮ إلى‮ إفشائها‮ في‮ حالة‮ نجاح‮ العراقيين‮ في‮ كشفه‮ والقبض‮ عليه‮.‬
قال ميشيل شارون رئيس العمليات في الموساد: »الاحتمال الأكبر لمثل هذا العميل الذي سنرسله إلى العراق هو أنه سيلقى حتفه، فاحتمال انكشافه أكبر من احتمال نجاحه، فما رأيك؟«، فرد أميت: »حصولنا على أسرار الميغ 21 أهم من حياة شخص أو مائة شخص، فإذا كان الذي سنختاره‮ كي‮ يلقى‮ حتفه‮ هناك‮.. فليكن‮«.‬
استقر الأمر في النهاية على اختيار الشخص المطلوب، والذي ستقوم إسرائيل بإرساله سراً إلى بغداد، اسمه »يوسف منشو« (منصور)، يهودي إسرائيلي من أصل عربي، سبق له التدريب بسلاح المظلات، حاصل على شهادة في الدراسات العربية من جامعة القدس، وبحكم أصله ودراسته ولغته كان‮ مناسبا‮ جدا‮ للمهمة،‮ فضلا‮ عن‮ أنه‮ لا‮ يعرف‮ أي‮ شيء‮ عن‮ جهاز‮ المخابرات‮ الإسرائيلية‮ من‮ الداخل،‮ وبالتالي‮ ليست‮ ثمة‮ خطورة‮ على‮ الموساد‮ في‮ ما‮ لو‮ قبض‮ عليه‮.‬
في مكان خاص في تل أبيب بعيدًا عن مبنى الموساد، اجتمع أميت، رئيس الجهاز، مع »يوسف منصور«، ليشرح له طبيعة مهمته، فقال له: »تشير المعلومات التي أدلى بها العراقي الغامض عن جوزيف إلى أنه شخص متعصّب بشدة ضد الحكومة العراقية القائمة، ومن هنا يمكن أن تأتي خطورته، فمثل هذا النوع من الأشخاص يمكن أن يتحول من النقيض إلى النقيض في لحظة واحدة، فمثلا بمجرد أن يتم الاتصال التلفوني بينك وبينه ثمة احتمال أن يبادر هو بالاتصال بسلطات الأمن العراقية كي يثبت لهم ولاءه، لكن عليك ألا تشغل بالك بشيء، لأننا نرتب للأمر بتفاصيله كلها«‮.‬
كان الترتيب الذي أشار إليه رئيس الموساد متميزا، فأمام خطورة المهمة واحتمالاتها المتأرجحة في بغداد، رفض أميت أن يضحّي بأي احتمال لانكشاف شبكة جواسيسه السرية في بغداد، في حال القبض على يوسف منصور، لكن في الوقت نفسه أخذ التفكير اتجاهًا آخر.
قبلها بسنوات قليلة، كان جهاز الموساد أقام في أوروبا شركة لصناعة الأجهزة الكهربائية والطبية وبيعها، وأنشأها خصيصا، كي تبرم أكبر عدد من الصفقات التجارية مع أكبر عدد ممكن من الدول العربية، وبينما كانت هذه الشركة تحقق أرباحا لا بأس بها كل سنة، فإنها كانت غطاءً كافيا لعملاء المخابرات الإسرائيلية، الذين تريد إسرائيل تسريبهم بين وقت وآخر إلى الدول العربية على أساس أن العميل المخابراتي هنا سيدخل على أنه بريطاني أو ألماني أو فرنسي الجنسية، وباعتباره ممثل مبيعات لشركة أوروبية كبرى، وتحت الستار التجاري يجمع المعلومات لحساب‮ إسرائيل،‮ من‮ دون‮ أن‮ تعرف‮ الدولة‮ أنها‮ تتعامل‮ مع‮ جهاز‮ المخابرات‮ الإسرائيلي‮.‬
أدرك أميت، رئيس المخابرات الإسرائيلية، أنه لو نجح العراقيون في كشف الشخصية الحقيقية ليوسف منصور، فإن القبض عليه سيقودهم بالضرورة إلى الكشف عن حقيقة تلك الشركة ودورها السري، ومن ثم ثمة احتمال أن تضطر المخابرات الإسرائيلية إلى إيقاف نشاطها والتضحية به، لكن يقابل‮ ذلك‮ أن‮ الصيد‮ المطلوب‮ الآن‮ هو‮ أسرار‮ الطائرة‮ »‬الميغ‮ ‮ 21‮«‬،‮ وذلك‮ يكفي‮ للمغامرة‮ بأي‮ شيء‮.‬
قضى العميل الإسرائيلي يوسف منصور أربعة أسابيع في التدريب المكثّف على معدات أشعة إكس، لأنه سيسافر إلى بغداد باعتباره مواطنا إنكليزيا خبيرا في تلك المعدات، وممثلا عن الشركة المشار إليها في الترويج لمبيعاتها المختلفة في العراق، وبعدما أتقن حفظ دوره تماما، تقرَّر‮ أن‮ يسافر‮ فورا‮ إلى‮ بغداد‮.‬
ماذا‮ فعل‮ منصور‮ في‮ بغداد؟‮ هل‮ نجح‮ في‮ مهمته‮ الخطيرة؟‮ ذلك‮ موضوع‮ حلقتنا‮ المقبلة‮... انتظرونا‮.‬
‮... يتبع
إعداد‮: جمال/‬‮ ب
===‬
تقرؤون‮ في‮ الحلقة‮ الثانية‮:‬
-‬‮ أسرار‮ نجاح‮ الموساد‮ في‮ سرقة‮ الميغ
-‬‮ خطة‮ عالمية‮ محكمة‮ لخطف‮ الطائرة‮ من‮ العراق
-‬‮ استراتيجية‮ الموساد‮.. ابتزاز‮ وخطف‮ وفيلم‮ مخل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.