كل مؤشرات ومعطيات الحرب الدائرة رحاها في سوريا، تصب في وعاء واحد، وهي أن شرارة الحرب العالمية الثالثة قد تندلع في أي لحظة، ودون سابق إنذار، يكفي خطأ استفزازي بسيط من جانب القوتين العظمتين روسيا، وأمريكا، أن يحرك مشاعر الخصم حتى تصبح هذه المعطيات الافتراضية، أمرا واقعا لا مفر منه، فكيف نفسر مثلا أن تقريرا للتلفزيون الروسي، ينشر صورا تحضّر فيه الحكومة لملاجئ لحماية الشعب من ضربات نووية، في الوقت نفسه، يطالب نواب الكونغرس من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالتخلي عن ضربة نووية استباقية. أي شخص يتابع التلفزيون في روسيا يستنتج بأنها بدأت مع تزايد الحديث عن ضربات لإسقاط طائرات أمريكية او تجهيز ملاجئ تحسبا لقصف نووي في موسكو، وعلى المحطة الأولى في تلفزيون الدولة، يعلن مقدم النشرة المسائية الرئيسية، ان بطاريات المضادات الجوية الروسية في سوريا ستسقط الطائرات الأمريكية. وعلى محطة الأخبار المتواصلة روسيا 24 ، يبث تقرير حول تحضير ملاجئ للحماية من ضربات نووية في موسكو. وفي سان بطرسبورغ، يتحدث موقع الأخبار فونتانكا عن إمكانية قيام حاكم المدينة بتقنين الخبز استعدادا لحرب مقبلة رغم التفسيرات التي قدّمتها السلطات ومفادها انها تريد فقط تثبيت أسعار الطحين. وعلى الإذاعة، يجري بحث تدريبات دفاع مدني تحشد بحسب وزارة الأوضاع الطارئة 40 مليون روسي على مدى اسبوع. وعلى جدول الأعمال إخلاء مبان وتدريبات على مواجهة حريق. أما بالنسبة للذين أطفأوا جهاز التلفزيون وفضّلوا التنزه في شوارع موسكو، فستقع أنظارهم على رسومات وطنية تغطي الجدران رسمها فنانون موالون للرئيس فلاديمير بوتين من منظمة سيت ، وهذا يدفع للتساؤل حول سبب هذه الفورة، هل هي استعداد لحرب عالمية ثالثة؟. وخصوصا بعد توقف المفاوضات في 3 أكتوبر بين موسكو وواشنطن حول النزاع السوري إثر فشل وقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه القوتان في جنيف في سبتمبر. وفي خضم ذلك، حولت القنابل الروسية والسورية مدينة حلب الى جهنم على الأرض، بحسب تعبير الأممالمتحدة ما أثار انتقادات شديدة من الغربيين. وميدانيا، واصل الجيش الروسي التحرك وحيدا حيث نشر في قاعدته البحرية في ميناء طرطوس السوري، بطاريات صواريخ آس 300 القادرة على تدمير مقاتلات، لكن ايضا عبر إرسال مدمرات مجهزة بصواريخ يمكنها إغراق سفن حربية. وبالتالي، فإن استعراض القوة هذا لا يستهدف فقط الإرهابيين او فصائل المعارضة السورية، وإنما ايضا البحرية والطائرات الأمريكية. وفي موسكو، ينام الصحافيون الروس والغربيون ويستيقظون على بيانات من وزارة الدفاع الروسية تنقل أجواء المواجهة والتي تضخمها وسائل الإعلام. ويوجه الناطق باسم الجيش الروسي الجنرال، ايغور كوناشنيكوف، تحذيراته الى البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية. وقال في 6 أكتوبر فيما يشكّل تهديدا مبطنا للولايات المتحدة: أذكّر المخططين الإستراتيجيين الأمريكيين بان صواريخ آس 300 المضادة للطيران، التي تؤمّن غطاء جويا لقاعدتي حميميم وطرطوس لديها نطاق تحرك يمكن ان يباغت اي طائرة غير معروفة هويتها . وعلى شبكة روسيا 1 الرسمية، يلخص المقدم ديمتري كيسيليف وهو ايضا مدير وكالة الأنباء ريا نوفوستي ، أفكار الجنرال، ايغور كوناشنيكوف، للأشخاص البسطاء مثلك ومثلي ، قائلا: سنسقط الطائرات الأمريكية ، ثم يكشف عن الخطة البديلة للولايات المتحدة في سوريا. ويقول: الخطة البديلة تنص عموما على استخدام الولاياتالمتحدة بشكل مباشر القوة ضد القوات السورية التابعة للرئيس بشار الأسد وضد الطيران الروسي . ويخلص الى القول: هل يجب ان نخشى استفزازات؟ الأمر يشبه تدخل الولاياتالمتحدة في فيتنام لخوض الحرب ، قبل ان يحذّر الغربيين قائلا ان الصواريخ التي نشرت في كالينينغراد، الجيب الروسي القريب من بولندا، يمكن ان تجهز برؤوس نووية. وقال جورجي بوفت في مقالة نشرها موقع الأخبار غازيتا ، ان روسيا حاليا جاهزة تماما، وقبل كل شيء نفسيا، لدوامة مواجهة جديدة مع الغرب. ويتحدث الخبراء السياسيون عن احتمالين نظرا للصعوبات الاقتصادية لروسيا. الأول متفائل حيث تتفق القوتان على شروط جديدة للتعايش، فيما يشبه يالطا 2، في إشارة الى تقاسم مناطق النفوذ بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية. أما السيناريو الثاني والكارثي، فهو ان تتحرك روسيا وفقا لمثل شعبي معروف إذا كان لا يمكن تجنب المواجهة، فاضرب أولا . وفي مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي ، حذّر آخر رئيس سوفياتي، ميخائيل غورباتشيوف، في الآونة الأخيرة من ان العالم يشارف، بشكل خطير، على منطقة الخطر. والأربعاء، فيما يدل على أجواء تهدئة بعد أيام من التصعيد الكلامي، أعلنت موسكو عن اجتماع دولي حول سوريا يعقد اليوم السبت في لوزان يحضره وزيرا خارجية الولاياتالمتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف، وهو ما اعتبر بانه اجتماع الفرصة الأخيرة. نواب من الكونغرس يطالبون أوباما بالتخلي عن ضربة النووي الاستباقية بعث 22 عضوا في الكونغرس الأمريكي برسالة إلى الرئيس باراك أوباما مطالبين إياه بالتخلي عن خيار الضربة النووية الاستباقية، وجاء في الرسالة التي وقّع عليها 22 من أعضاء الكونغرس: إذا نفذت الولاياتالمتحدة خططها المحتملة لاستخدام الأسلحة النووية بصورة استباقية ضد عدو يملك ترسانة نووية مشابهة، فقد يؤدي ذلك لتبادل واسع النطاق للضربات النووية، وإلى مقتل آلاف المدنيين . وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت في وقت سابق أن البيت الأبيض درس إمكانية إصدار بيان حول سياسية عدم المبادرة إلى استخدام الأسلحة النووية، لكن أوباما رفض هذه الفكرة في نهاية المطاف، يذكر أن الدولة الوحيدة باستثناء الولاياتالمتحدة، التي تملك ما يطلق عليه الثلاثية النووية ، أي أسلحة نووية تطلق من على الأرض والبحر والجو، هي روسيا. وما زال البنتاغون يتمسك بخيار الضربة النووية الاستباقية ضمن عقيدته العسكرية، باعتبار أن مثل هذه الضربة، في حال كانت محدودة النطاق، قد تدفع بالعدو إلى الاستسلام، دون أن تنجم عنها عواقب كارثية وخسائر بشرية فادحة. وكانت الهيئة الوطنية للأمن النووي في الولاياتالمتحدة، قد أعلنت عن نجاح اختبارات قنابل 61 النووية بعد أن خضعت لعمليات تحديث عميقة وأصبحت أصغر حجما وأكثر تطورا. وفي مطلع الشهر الجاري، أعلنت روسيا عن تعليق التعاون مع الجانب الأمريكي في إطار الاتفاقيات الخاصة بالدراسات والابتكارات في مجالي الطاقة والطاقة النووية. وبررت موسكو هذا القرار بعدم وفاء الولاياتالمتحدة بالتزاماتها وفق هذه الاتفاقات واتباعها نهجا غير ودي تجاه روسيا.لكن فكرة الضربة النووية الاستباقية، تثير جدلا واسع النطاق داخل الولاياتالمتحدة. وكان المرشح الجمهوري دونالد ترامب قد أعلن خلال آخر جولة من المناقشة مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، أنه في حال فوزه في الانتخابات، سيعمل بأقصى طاقاته للحيلولة دون استخدام السلاح النووي. لكنه أصر على عدم جواز التخلي عن هذا القرار نهائيا، طالما ما زالت هناك دول تتخذ مواقف عدائية تجاه الولاياتالمتحدة. الأسد: ما نراه أقل من حرب فعلية اعتبر الرئيس السوري، بشار الأسد، أن التصعيد الأخير في سوريا، والذي جاء في ظل مشاركة لاعبين خارجيين، بينهم روسياوأمريكا، يمثل مرحلة من مراحل حرب أكثر من حرب باردة وأقل من حرب فعلية. وفي مقابلة مع صحيفة كومسومولسكايا برافدا الروسية، نشرت بالكامل يوم أمس الجمعة، سئل الأسد، ما إذا كان يخشى من أن تنجم عن الصراع السوري حرب عالمية ثالثة أم أن حربا عالمية ثالثة قد بدأت فعلا؟ ورد الأسد قائلا: فيما يتعلق بالحرب العالمية الثالثة، فإن هذا التعبير استخدم كثيراً في الآونة الأخيرة خصوصاً بعد التصعيد الأخير فيما يتعلق بالوضع في سوريا، يمكن القول إن ما نشهده الآن، ما شهدناه خلال الأسابيع، وربما الأشهر القليلة الماضية، هو أكثر من حرب باردة وأقل من حرب فعلية، لا أعرف كيف أسميها، لكنها ليست شيئاً ظهر مؤخراً وحسب لأني لا أعتقد أن الغرب وخصوصاً الولاياتالمتحدة أوقف حربه الباردة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي . وتابع أن سوريا تمثل إحدى هذه المراحل المهمة في هذه الحرب التي ليس لها اسم، واعتبر أن القضية برمتها تتعلق بالمحافظة على الهيمنة الأمريكية على العالم وعدم السماح لأي كان بأن يكون شريكاً على الساحة السياسية أو الدولية سواء كان روسيا أو حتى أحد حلفاء أمريكا الغربيين.وتابع أن هذا هو جوهر هذه الحرب التي توصف بأنها حرب عالمية ثالثة. واستدرك قائلا: إنها حرب عالمية، لكنها ليست حرباً عسكرية، جزء منها عسكري وجزء يتعلق بالإرهاب والأمن والجزء الآخر سياسي . وأصر على أن جوهر القضية السورية هو الإرهاب. وأضاف: بصرف النظر عمن يتدخل في سوريا الآن، فإن الأمر الأكثر أهمية هو، من يدعم الإرهابيين بشكل يومي وعلى مدار الساعة، هذه هي القضية الرئيسية، إذا تمكنا من حلها، فإن هذه الصورة المعقدة التي وصفتها لن تكون مشكلة كبيرة وبوسعنا حلها . وأكد أن روسيا وإيران و حزب الله حلفاؤنا وأتوا إلى سوريا بشكل قانوني، إنهم يدعموننا ضد الإرهابيين بينما تقوم الدول الأخرى التي تتدخل في سوريا بدعم أولئك الإرهابيين . وشدّد قائلا: بالتالي، فإن المسألة لا تتعلق بالعدد، بل بالقضية الجوهرية المتمثلة في الإرهاب .