مقهى نسائي هو عنوان مشروع وحلم تحقق في قلب مدينة الجلفة، بفضل إرادة وعزيمة تحلت بهما الشابتان بن ساعد نزيهة وبولنوار أسمهان لمجابهة قيود المجتمع بجرأة ودون تردد، من أجل تنفيذ ما كان بالأمس القريب ضربا من الخيال. وفي حديث مع صاحبتي المقهى النسائي المتواجد بنهج أمام مقر الولاية، لم تخف الشابتان الإرهاصات الأولى للمشروع الذي كان، حسب الآنسة أسمهان، فكرة من نسج خيال صديقتها نزيهة. غير أن تحقيقه حصل دون كلل أو ملل وجعل من هذا الحلم حقيقة على أرض الواقع، كما تقولان. وراحت نزيهة، التي لها من الخبرة ما يكفيها كونها كانت تعمل في فندق جعلها أكثر استعدادا في ميدان المعاملات مع الزبائن في مرفق الاستقبال، تبرز فكرة مشروع المقهى النسائي وكيف كان التحدي عنوانا في كل مراحل تجسيد الفكرة نظرا لخصوصية المنطقة المحافظة. ولعل البداية كانت صعبة وغير مرنة، لاسيما وأن هناك من كان ضد المشروع، تقول أسمهان ونزيهة حيث كان الكثير يروج في صفحات التواصل الاجتماعي لإشاعات خاطئة تنقص من قيمة هذه المبادرة من خلال الاستخفاف بالفكرة. ودافعت أسمهان، التي تشتغل كفنية أسنان، عن فكرة المشروع الذي تم تجسيده في أوت 2016 والذي يساهم، حسبها، بشكل كبير، في توفير مناخ ملائم للمرأة الجلفاوية العاملة وغيرها حيث يلتقين في قاعة مكيّفة ومريحة يقضين ويستمتعن بوقتهن في مكان عام تحترم فيه كل الخصوصيات. وأوضحتا أنهما تحرصان كل الحرص على تقديم خدمة في مستوى الجنس اللطيف وذلك بمراعاة أدق التفاصيل، مضيفتان أن إصلاح أي شيء في المقهى، ولو كان بصفة استعجالية ويتطلب وجود الرجال، يكون دائما خارج أوقات العمل من أجل عدم إرباك الزبونات في جلساتهن وجعلهن أكثر أريحية والمحافظة على الجو العام الذي يسوده الاحترام. كما أن المقهى مفتوح أمام مصالح الرقابة التجارية التي تتكرر زيارات ممثليها دوريا حيث يتم الاستجابة لطلباتهم بخصوص قيامهم بإجراءات مراقبة الجودة والنوعية وكل ما يخص الممارسة التجارية. فتح مقهى نسائي.. كسر للحواجز المجتمعية المجتمع الجلفاوي بدا بين متقبل ورافض لهذه المبادرة الأولى من نوعها، ولكن البارز هو أن الرهان تحقق لأسمهان ونزيهة اللتين تواجهان صعوبات مادية وتسعيان دوما للتغلب عليها من أجل عدم الاستسلام والرضوخ لتحامل البعض ممن قابل المشروع بالسب والشتم والتهديد، رغم أن الفكرة طبيعية في فحواها وتحفظ للمرأة كرامتها، حسبهن. وفي استطلاع للرأي في محيط المقهى، عبّرت الكثير من النساء عن رضاهن لتحقيق هذه الفكرة العادية، كما أجمعن على وصفها، في عصر يجب، على حد تعبيرهن، أن تجد المرأة مكانا لها ولما لا تنزوي لوحدها أو مع رفيقاتها في مكان خاص بها. وبعيدا عن الجنس الناعم، لوحظ تأرجح في المواقف عند الرجال بين رافض ومؤيد للمشروع ولكل مبرراته. فأحدهم يلوح بأصالة المنطقة وتقاليدها وآخرون يرون في المبادرة كسرا للحواجز المجتمعية البالية وحق للمرأة في أن تستمتع و أن تجد متنفسا لها خارج أماكن العمل والزوايا الأربع للمسكن العائلي. فرق واضح بين مقهى النساء والمقاهي الكلاسيكية للرجال وقد تعود المواطن الجلفاوي على النظر في شوارع المدينة إلى مقاهي الفرارة التي تعج بزبائنها صباحا ومساء وبحركية كبيرة وأصعدة لدخان السجائر هنا وهنالك. ولكن الملفت في المقهى النسائي بطابعه العصري أن إشارة الضوء الأحمر الافتراضية موضوعة أمام الرجال، فالمكان ممنوع عليهم. كما يتمتع المكان المؤشر عليه بلافتة إشهارية عاكسة لضوء الشمس بالهدوء والسكينة. وتحمل هذه اللافتة الإشهارية المتواجدة على باب المقهى والمكتوبة باللغة الإنجليزية صورة معبرة لحسناء أمامها فنجان قهوة وحلويات بأشكال متنوعة تخطف الأبصار. كما يلفت الإعلان انتباه زبوناته بأن فضاء المقهى مزود بالأنترنت عبر نظام الويفي ، ما يجعل المقهى يقدم خدمات تساير متطلبات عصر أصبحت فيه المرأة تتقاسم الرجل الدور والمكانة.