عندما تجد رجلا تزوج بامرأة عاملة، طمعا في راتبها الذي تتقاضاه، لكي تصرف عليه، وتخرجه من جحيم البطالة والتفنين الذي كبل يومياته التافهة منذ نشأته، وتجد امرأة أنهكتها العنوسة والتصقت بهكذا رجل لتختبئ من النظرات الاجتماعية الإستهزائية التي أغرقتها في حطام اليأس، وهي تعتقد أنها أوقعته في شراكها المقطعة، فأهلا بكم في الجزائر.. أهلا بكم في بلد بلغت فيه نسبة الطلاق في 2017، 70 ألف حالة، وهو رقم مهول يساوي تقريبا عدد سكان دولة دومينيكان في البحر الكاريبي!. ليس الطمع هو المسبب الوحيد لظاهرة الطلاق في الجزائر، بل هناك أسباب متعددة ومتشعبة وأبرزها الفهم الخاطئ لفكرة الزواج، التي أصبحت اليوم تنطلق من دردشة عبر الفايس بوك لتنتهي بين قضبان السجن بتهمة الإهمال، بهذه البساطة يبدأ بناء ما يسمى ب العش الزوجي في زمن التقشف، ليتحول إلى زنزانات يقبع فيها الأزواج لأنه مبني على تفاصيل خاطئة، وبالتالي تأتينا الأرقام وكأنها صادمة بالرغم أنها معقولة ومسلمات اذا أمعنا النظر في المنطلقات، فعندما تجد مجتمعا يتباهى فيه الرجل بأنه قضى سنوات من عمره في السجن، ويجد في ذلك مفخرة، وتتباهى فيه بدروها المرأة بأنها مطلقة وتقيم من أجل ذلك حفلة احتفاء بهذا الإنجاز وتنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع الاعجابات، فنحن أمام نماذج مشوهة لمجتمع مريض الى حد لا يوصف. عملية التشويه للمجتمع تنطلق من غياب للمسؤولية عن أذهان الشباب الراغب في تأسيس حياتهم، وغياب الوعي الحقيقي حول ما ينتظروه بعد الدخول في القفص الحديدي بالجزائر!، لذلك وهروبا من كل هذه الواقع الصادم، سيلجئون حتما إلى الخيال العلمي الجزائري (الكذب) من أجل تمرير المشاريع الفاشلة، والذي سيدخلون بها بعد مدة قصيرة من العرس في حيط الواقع الحقيقي. وبتراكم الأيام والمعضلات، يلجؤون بكل سهولة إلى أبغض الحلال عند الله، وكأن لسان حالهم يقول: زوجني اليوم وطلقني غدوة ، الهروب من الواقع الاجتماعي بتلك الطريقة المبتكرة، تزيده وسائل الإعلام الطين بلة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤسس طرفين متشبعين الى حد التخمة، بالنظرة المثالية للزواج من خلال تأثرات المسلسلات والقصص الرومانسية المستوردة، ك مهند ونور ، ليستفيقا على وقع حليب الصاشيات غير متوفر في الدكاكاين، فتلعن تلك ال نور التي تختبئ وراء اسمها الحقيقي نوارة بنت الطاوس قدرها التعيس وتلقي باللوم على ذلك الكذاب مهند الذي رسم لها تركيا واسطنبول وأنقرة ولاس فيغاس وذوب خيالها بالأحلام قبل الزواج، وهو لم يغادر جدران حيه الذي يستند إليه يوميا وكأنه متخوف من سقوطها على البلدة أو على العالم!. وزير العدل المحترم قارن الرقم المهول من الطلاق بالجزائر بالدول العربية والأوروبية، وهي نماذج فاشلة تماما في بناء الأسر، وقال أنه ضئيل جدا بالمقارنة مع بعض المجتمعات الفاشلة في نظامها الأسري، لكنه لم يقارنا بماليزيا التي تأتي في المرتبة الاولى عالميا في إنخفاض ظاهرة الطلاق بنسبة تقل عن 5 بالمائة في السنوات الأخيرة، رغم أنها كانت تعيش إرتفاعا رهيبا في نسبة الطلاق في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، أين فرض نظام لكل مقبل ومقبلة على الزواج بأن يعفى من العمل لمدة شهر ليأخذ دورة عن كيفية التعامل مع الشريك وكيف يتصرف مع المشاكل البسيطة التي قد تعتريهما، بواسطة مختصين نفسانين واجتماعين، ففي عام 1992 وجد رئيس الوزراء الماليزي السابق، محمد مهاتير، أن نسبة الطلاق وصلت إلى 32 بالمائة، بمعنى أن كل 100 حالة زواج يفشل منها 32، ولاحظ مهاتير بأن هذه النسبة المرتفعة تؤثر سلبا على مستقبل بلاده اجتماعيا واقتصاديا وحتى سياسيا، لذلك لجأ إلى استحداث رخصة الزواج ، وبموجبها أُلزم كل من يرغب في الزواج من الجنسين بأن يخضعوا إلى دورات تدريبية متخصصة يحصلون بعدها على رخصة تخولهم الزواج، وفي نهاية العقد نفسه، انخفضت نسبة الطلاق في بلاده إلى 7 بالمائة، لتكون هذه الدولة رائدة اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا. فالأسرة ليس مشروع بين شخصين فقط، بل هو مشروع مجتمع، يؤثر بشكل كبير في دورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية للبلاد، وبفشله تفشل كل فرص الإقلاع بالبلاد نحو المستقبل، وهذا ما يحدث تماما في الجزائر إضافة إلى عوامل أخرى!.