أتقمص شخصيات قصصي وأجد صعوبة في العودة إلى شخصيتي الكتابة التي لا تعلمنا مخاطبة الناس بأدب لا يمكنها أن تكون أدبا " إن الكاتب الذي لا يعرف كيف يحب نفسه لا يمكنه أبدا أن يزرع المحبة بين الآخرين، كما أن الكتابة التي لا تعلمنا كيف نخاطب الناس بأدب لا يمكنها أن تكون أدبا فالكتابة عندي تمثل حالة حب يعيشها الكاتب مع نفسه أولا ثم مع القراء ثانيا" بهذه الكلمات أنهت الأديبة والكاتبة زكية علال الأمسية التي نشطتها ونظمها على شرفها النادي الأدبي والفكري أحمد الغوالمي لدار الثقافة مبارك الميلي بميلة قصد تمكينها من عرض إصداريها القديم " رسائل تتحدى النار والحصار " الذي أعادت طبعه عن طريق دار ابن الشاطئ للنشر والتوزيع بعدما طبع وسوّق بمصر بدار النيل والإشهار عام 2009 دون أن يدخل الجزائر، وإصدارها الجديد الموسوم" شرايين عارية " الذي يطبع لأول مرة بالجزائر بنفس دار النشر. زكية علال التي ولجت عالم الكتابة والتصقت بالحرف مع منتصف ثمانينات القرن الماضي وبدأت في نشر كتاباتها وقصصها وقتذاك عبر الجرائد الوطنية وفي مقدمتها النصر جمعت في أمسية باردة بدار الثقافة مبارك الميلي حولها أدباء , وأساتذة جامعيين وإعلاميين وجمهور قراء عريض، باحت في جو حميمي بكل ما يختلج في صدرها سواء من خلال ما خطه قلمها ضمن هذه الكتابات وصدح به صوتها أو بالرد على الأسئلة التي تهاطلت عليها عقب كل قراءة لواحدة من قصصها وبنات أفكارها التي جعلتهن سواء عندها من حيث المحبة والحنان، كما أكدت مشيرة إلى أنها تتقمص شخصيات قصصها طيلة مدة كتابتها وهي تقدر بالسنين، حتى أنها عندما تفرغ منها تجد صعوبة كبرى في العودة لشخصيتها الحقيقية ولعائلتها بل أن الذين تتبعوا نشر " رسائل تتحدى النار والحصار " من العرب والفلسطينيين بالخصوص عبر مجلة القصة السورية ومواقع عربية عديدة نشرت فيها تباعا ( بعدما نشر بعضها من قبل بجريدة المساء وأسبوعية الحياة الجزائريتين )، مثلما كشفت الكاتبة كانوا يظنون أنها فلسطينية المولد والمسكن لما وجدوه من وصف دقيق ليومياتهم وملامسة الكاتبة لجرحهم الذي لازال ينزف إلى اليوم ، غير أن الحقيقة أنها كانت تكتب وهي بعيدة عن هذا البلد ولم يكتشفوا جنسيتها الجزائرية إلا مؤخرا قبيل طبع هذه الرسائل التي شرعت في كتابتها كما سلف ذكره منتصف الثمانينات وهي في العشرينات من العمر. وحول أسباب انتقالها من كتابة القصة نحو الرواية وهل تحتاج الكتابة السردية لنمط معين أم أن الإحساس فيها هو سيد الكتابة ؟ ردت علال أنها في حقيقة الأمر، لم تنتقل للرواية ما دامت هذه الأخيرة شكلت بداياتها الأولى من خلال كتابتها للرواية المسرحية المدرسية وهي لا تزال تلميذة في مرحلة الإعدادي، لتنتقل بعدها وترحل لكتابة القصة إحساسا منها أن هذه الأخيرة أسرع وأذكى كونها تصل للقارئ في وقت قصير وهي جنس أدبي فني لا يمكن الاستغناء عنه، لتعود مؤخرا لكتابة الرواية، علما وأن أصل عودتها كانت عن طريق قصة قصيرة سرعان ما تحوّلت إلى رواية بعدما لاحظت تمرّد أبطال قصتها وتعبيرهم عن رغبتهم في العيش مدة أطول وهو ما دفعها إلى تحويلها إلى رواية هي حاليا جاهزة للطبع تحت عنوان " عائد إلى قبره " التي ينتظر أن تصدر قريبا، ومضمونها مؤلم جدا يجري بعضه في الجزائر والبعض الآخر في العراق يوم سقوط بغداد، يصف حياة صحفي جزائري عاش مأساة بلاده ثم انتقل للعراق لعيش مأساة أخرى قبل أن يعود مجددا لبلده بنفس محطمة وهو عبارة عن نصف رجل، بعد أن بترت رجله و فقد رغبته في الحياة وإدراكه لها. وعن القول بأن قصص الكاتبة المنشورة توحي بأنها إسقاط لما عايشته كشخص وتعبر عن خبرة الكاتب في الحياة أكثر منها إبداعا، أكدت زكية على أن الكاتب من وجهة نظرها لا يمكنه أبدا أن يكون خارج نفسه ونصه ومن ادعى غير ذلك فهو غير صادق، فليس شرطا، أن يكون الكاتب هو من عاش الحدث ولكن على الأقل عايشه بطريقة أو بأخرى، فالنص يفضح صاحبه مثلما تقول و تفضل الكاتبة أن يكون العنوان صادما للقارئ، كما هو الحال مع قصصها، فالعنوان الباهت حسبها، قد يفوت على القارئ ويحول دون مطالعته لنص جميل جدا والعكس صحيح، ثم أن القارئ ينجذب أحيانا للحزن الذي هو بالتأكيد ليس عقيما بل محركا لمشاعر أخرى أكثر من انجذابه للفرح، الذي عادة لا ينتج عنه شيء "الكتابة عندي لا أمارسها من باب الترف أو الترويح عن النفس وإنما من منطلق وعي جارح بما يحدث ويدور حولي من أحداث وبتفاعل إيجابي مع المحيط وتأريخ لمرحلة ما والقبض عليها في حينها كما أن الأدب هو الوجه الأخر للتاريخ الذي درسته أكثر من دراسة الأدب والنكسة والبداية الأولى لعلال انطلقت من صراع سقيفة بني ساعده وما صاحبها من فتنة وصراع"، تضيف الكاتبة معترفة بأن علال جاء بفضل العائلة وخاصة الزوج (الأستاذ عمار بولحبال ) الذي آثرها في الكثير من المواقف على نفسه وضحى برغبته الخاصة في أن قدم طبع أعمالها على حساب أعماله علما وأنه هو الأخر أديب ( موقوف حاليا بإرادته عن الكتابة ) لكون وظيفته الإدارية ومسؤولياته العائلية، حالت دون مواصلتها، ولأجل مواكبة زوجته وتوفير لها جو الكتابة والإبداع خاصة لما لمسه عندها، مثلما لامس ذلك أبوها رحمه الله، من امتلاك لأسس وعناصر الإرادة لاسيما وأنها ابنة بيئة محافظة جدا وعائلة كثيرة العدد أيام طفولتها ولكنها مكنتها وأفردت لها غرفة، سمتها المكتبة لتوفير لها جو الدراسة والمطالعة والكتابة لتمارس هذه الأخيرة كلما ألحت عليها فكرة ما، في أي ساعة من اليوم تترجم فيما بعد لقصة. وبالعودة لإصدارها الأخير " شرايين عارية " قالت الكاتبة أن القصة تدور حول عائلة فقيرة أنهكها الاملاق، غير أن الزوج والزوجة يهبان لنجدة أبناء وطنهم من سكان العاصمة التي ضربها زلزال مدمر، وجدا أنه ليس بمقدورهما أمام حالة الفقر التي تعاني منها الأسرة سوى التبرّع بدمهما، حيث توّجه الزوج للمستشفى قصد التبرع بكمية من دمه، غير أن صدمته كانت كبيرة لما اكتشف بأن شرايينه فارغة ليس بها دم، وقد جففتها مختلف الأزمات والصدمات اليومية التي كان يتابعها بلهفة وحسرة عبر القنوات التلفزيونية، وكذا بسبب متاعب الحياة ومتطلباتها التي لم يجد إليها سبيلا وهو الجامعي الذي تحوّل لبائع في محل ألبسة نسوية، علما وأن هذه المجموعة القصصية التي نالت بها صاحبتها جائزة العلامة عبد الحميد بن باديس للسرد الأولى المنظمة مسابقتها من قبل المجلس الولائي لقسنطينة سنة 2009، تنوّع مضمونها بين القصص النفسية , الاجتماعية والتاريخية. كما ضم هذا الكتاب القصص التي نالت بها الكاتبة معظم جوائزها مثل قصة "نزيف آخر الشرايين" التي حازت على جائزة وزارة المجاهدين الأولى عام 2003، بعدما تميّزت بالجرأة في الطرح التاريخي حيث تناولت الدوامة التي وقع فيها رجل "حركي " أي خائن لوطنه زمن الثورة وحالة الندم التي وقع فيها وتعب بسببها خلال سنوات الاستقلال الى غاية وفاته. أما بخصوص مجموعة الإصدار الأول "رسائل تتحدى النار والحصار " فقد ترجمت البعض منها لأعمال مسرحية ومنها رسالة " زوجة في عصمة حلم آخر" التي نالت بواسطتها الممثلة المصرية سماء ابراهيم جائزة أحسن عرض مسرحي في مهرجان المونولوج عام 2008، وهي كما يوحي عنوانها تمثل رسائل داومت على إرسالها مطلع التسعينات زوجة فلسطينية (فاطمة ) تقطن بغزة لزوجها(عبد الله) الذي آثر الهجرة نحو بلاد الأحلام أمريكا، قبل أن يعود لبلده منهك القوى، وفيها أرادت فاطمة التي كانت تعرف أن رسائلها لن تصل لزوجها ولن يطلع عليها، أن تلامس بها قلب كل رجل عربي، و تصوّر له حالة الحصار والتقتيل التي عايشتها غزة وكأن الكاتبة تنبأت بما سيحدث لهذا الجزء من فلسطين خلال سنوات 2000. وعن الصعوبات التي يجدها الكاتب مع النشر اكتفت الأديبة علال، بالإشارة في هذا المقام، إلى تحايل صاحب دار نشر عليها لحظة رغبتها في طبع ونشر باكورة أعمالها، حيث أخذ منها مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم مع ما يمثله هذا المبلغ منتصف الثمانينات من قيمة، وغادر هاربا نحو فرنسا معبرة عن استعدادها اليوم لمنح موافقتها ومن دون مقابل للمخرجين الراغبين في تحويل كتاباتها لأعمال مسرحية و درامية" فالمادة على قيمتها لا تمثل شيئا بالنسبة إليها مقارنة مع الفائدة والمتعة المعنوية التي يلامسها المبدع عندما تترجم أعماله لمسرحيات أو أفلام مع الإشارة وأننا إن كنا أكثر صدقا في كتابتنا من عرب المشرق، إلا أنهم أكثر تقبلا واستغلالا للإبداع والأدب منا". و للتذكير فإن الأديبة زكية علال، كانت قد فازت بالإضافة للجوائز السالف ذكرها بالجائزة الثانية للقصة لمديرية الثقافة لولاية بومرداس وجائزة وزارة المجاهدين الأولى عام 2007 عن قصتها " جنون فوق العادة " جائزة كتامة للقصة عام 2005 , الجائزة الاولى لمسابقة إذاعة البي بي سي بالاشتراك مع مجلة العربي عن قصة "القبر المفتوح ", جائزة منتدى دولة الامارات العربية المتحدة ، كما كرمتها المنظمة الدولية للمترجمين واللغويين العرب مطلع 2008 ضمن 149 كاتبا عربيا وهي متفرغة حاليا للكتابة بعدما انقطعت عن التدريس كونه كما قالت "أثر سلبا على قوة الابداع وتسلسل الكتابة عندها " . كما تأخذ بيد المبدعين الشباب عن طريق تنشيط حصة أسبوعية تحت عنوان " أقلام على الطريق " بإذاعة ميلة الجهوية.