ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    بوريل: مذكرات الجنائية الدولية ملزمة ويجب أن تحترم    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    السيد ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائية الجزائرية زهرة ديك للنصر
نشر في النصر يوم 31 - 01 - 2011

الحكم على كتابات المحنة بالأدب الإستعجالي هو الذي كان استعجاليا
لم أتعمد كسر الطابوهات ولا أظنها تكسر بمجرد عنوان
زهرة ديك كاتبة وروائية وإعلامية جزائرية قضت ما يزيد عن ربع قرن في وكالة الأنباء الجزائرية، وفي عام 2000 أصبحت أول رئيسة تحرير في تاريخ الوكالة لمدة فاقت 3 سنوات. حاليا تشرف على الموعد الأدبي بيومية ''الحوار''. آخر رواية صدرت لها كانت بعنوان ''قليل من العيب يكفي'' عن منشورات بغدادي، تمتد أحداثها على حيز 352 صفحة و40 فصلا وهي ثالث عمل روائي لها بعد ''في الجبة لا أحد''، و''بين فكي وطن''. زهرة ديك في حوارها هذا تتحدث عن روايتها الأخيرة وعن العناوين الصادمة والجريئة وعن الطابوهات التي لا تكسر بمجرد عنوان جريء وصادم وعن النقد الذي ترى أنه الغائب الأكبر عن المشهد الأدبي وإن حدث و وجد فإنه مجرد استعراض مفردات ومصطلحات نظرية رنانة لإبهار القارئ بما يقول الناقد لا بما يقول النص، كما تتحدث عن أبطالها وعن الواقع والمخيال وعن الأدب الإستعجالي الذي ترفض أن يلصق بكتابات المحنة وعن هواجس وانشغالات وإشكالات أدبية وإبداعية أخرى. حاورتها/ نوّارة لحرش
عنوان روايتك الأخيرة "قليل من العيب يكفي" مستفز وجريء بعض الشيء هل تراهنين على العناوين الصادمة الغرائبية من أجل جذب انتباه القارئ؟
زهرة ديك: وما نفع العنوان وما دوره إن لم يجلب القارئ، مسألة العنونة تعني لي الكثير ككاتبة. لذلك أوليها إهتماما كبيرا قد يعادل اهتمامي بالنص، العنوان كالواجهة بالنسبة للدكان فما الفائدة من أن يكون عامرا بأشياء ذات قيمة وواجهته لا تقول ذلك أو تقول عكسه، هو كالوجه بالنسبة للإنسان. الناس تتعارف وتنجذب لبعضها البعض بالوجه أولا ثم تأتي الأشياء الأخرى لذلك ترينني أحرص في عناوين أعمالي على استعمالها كطعم أقتنص به القارئ في زمن عز فيه القارئ، فلا ضير إذن من إغرائه وإثارة فضوله بواسطة العنوان. أنجح العناوين أقواها صدمة وأكثرها غرائبية وأشدها إغراء. ثمة مؤلفات أوصلتها عناوينها إلى قمة الشهرة وحققت بفضلها نجاحا ما كان النص وحده قادرا على الوصول إليه، ثم من منا لا تشده العناوين المثيرة. بصرنا يعلق أولا بالعنوان، نتأمله، نحاوره، نتصفح الكتاب ثم نعود إليه كأنما نختبر قدرته على إقناعنا أن نشتري الكتاب أم لا، وهنا تكمن أهمية العنوان في استدراج المتلقي، لكن للأسف الكاتب الحزائري والعربي عامة لا يطمح لنجاحات كبيرة يحققها بفضل عنوان وإن بلغت قوته أقصى درجات سلم ريتشر. وعموما وأمام هذا النفور والموت القرائي يكون المبدع ظالما لنفسه ولنصه إن هو أهمل قضية العنونة ولم يشتغل عليها بنفس الجدية التي يشتغل بها على نصه. حرام أن يوحي لك عنوان ما بالإهمال أو السطحية بينما يخفي وراءه نصا جميلا مكتمل الصفات الإبداعية والجمالية، العنوان أيضا إبداع وعبقرية وجرأة وذكاء وذائقة، وفي صالحتالكاتب أن يجتهد ويتعب من أجل أن يضمنه شحنة تأثيرية وإيحائية وإشهارية وجمالية، مراعاة كل هاته الوظائف لا يمكن إلا أن تخدم النص وتعلن عنه بالشكل اللائق به. أعرف كُتابا من كثرة إهتمامهم بقضية العنوان وانشغالهم بها أجلوا نشر أعمالهم لفترات طويلة لأنهم لم يعثروا على العنوان المناسب. ولكني أعرف أيضا من لا يكترث لمسألة العنونة ويعتبرها مجرد تسمية لا غير.
لكن العناوين الصادمة أو الجريئة تعتبر كسرا للطابوهات وأحيانا تعطي ملمحا ولو بالغلط عن فحوى الرواية؟
زهرة ديك: العنوان في رأيي ليس ملزما بأن يلخص محتوى النص بقدر ما هو مطالب باستخدام طاقته الفنية والإغرائية لإستدراج القارئ وتشويقه لإكتشاف عالم النص، ولكن لا يجب أن يكون العنوان بمثابة التفاح الشهي وما وراءه ليس أكثر من كدس بطاطا مثلا. أنا أحب العناوين وأحب أن أعول عليها، ويمتعني أن أشتغل عليها كثيرا لإيماني بها كمغامرة جمالية أولا وكعنصر هام في العملية الإبداعية ثانيا. بالنسبة ل "قليل من العيب يكفي" صحيح أنه قد يوحي بأن الرواية مليئة ب "العيب"، أي العيب بمعناه الحسي والجنسي وهي لفظة في مفهوم العامة تحيل مباشرة إلى المحرمات الجنسية، لكني لم أتعمد كسر الطابوهات فهي لا تكسر بمجرد عنوانتولم أنو تغليط القارئ أو غشه بعنوان مارق عن النص، من قرأ الرواية والتي أردتها أن تكون قطعة ساخنة منا كجزائريين وكعرب سوف يلاحظ ذاك الكم من العيب الطاغي على تفاصيلنا ومصائرنا وعلى حياتنا ككل. أليست كل العيوب منصبة علينا كأمة تفتقر إلى العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية، أين نحن من القيم الأخلاقية، من الحق في الحياة اللائقة، بلا توتر، بلا خوف من الغد، بلا مظالم على كافة الأصعدة، بلا شعور باللاأمن واللاإستقرار المادي والمعنوي، من الحق في هوية راكزة مفرحة ومشرفة، في الصحة النفسية، في المزاج المتوازن، في الوجود المجدي المنتج الإيجابي إنسانيا وفكريا وعلميا، الحق في الثروات الوطنية، إلى غير ذلك من العيوب والتعاسة التي نسبح فيها..
"قليل من العيب يكفي" رواية الموضوعات الكثيرة والمتشابكة، والطرق كان بمستويات مختلفة من السخرية إلى الدرامية، إلى التهكم والطرافة، لماذا هذه المعالجة المتصادمة مع بعضها البعض؟
زهرة ديك: هذه الرواية كتبتها للذين لا يعرفون الكراسي الوثيرة ولا يعرفون المكاتب المعطرة البراقة ولا ملمس السيارات الفارهة ولا يعرفون المطارات ولا الطائرات ولا أنواع الجبن ولا ماركات البدل والملابس، ولا يعرفون ربما تولستوي وكافكا وهمنغواي ولكنهم يعرفون بؤسهم الشخصي. يعرفون تعب حياتهم ويعرفون حقهم في جيب من. هي رواية أردتها أن تكون زاخرة بتفاصيل الإنسان الجزائري امراة كان أم رجلا، وكأني أردت أن أفعل له شيئا، أن قدم له شيئا، أن أقول له شيئا أو كل شيء، لذلك لم أكتف بحكاية واحدة وببطل واحد. عندما تحتدم بداخلك الأشياء وتزدحم في رأسك الأحداث وفي قلبك المواجع وتتناسل في جوفك الخيبات لابد أنك ستبكي حد الضحك وتضحك حد البكاء وتكتب حد الحنون والفوضى، حد التصادم كما قلتِ. الرواية يمكن أن تُقرأ على شكل أجزاء ولكنها مترابطة جميعها بشخصية "بهتة" المحورية "بهتة" السعيد في تعاسته، الفرح بشقائه لم يفلح في شيء مثلما فلح في تخزين بؤسه إلى أن قرر ذات نكسة أن يعاقب وطنه بالجنون ويفتك منه دوره ويجعله تحت إمرته. ومن فرط حرصي على أن أقبض على كثير من الأشياء بقلم واحد لم أدر إلا والشخصيات الثانوية تكبر وتتنامى وتتطور إلى أن تقوت وباتت تهدد وجود "بهتة" كبطل رئيسي في الرواية. التنوع والتنقل من حدث لآخر ومن حكاية لأخرى يبدو لي أنه في صالح القارئ ذي النفس القصير خاصة، فهو سوف لن يضجر من طول الرواية كما أن بامكانه ألا يقرأ سوى الجزء أو الحكاية التي راقته فيها بلا أن يشعر بأي انقطاع في خيطها السردي. وزيادة في تدليل القارئ تعمدت التركيز على عنصر الدعابة والطرافة في معالجة تفاصيل قاتمة وواقع مر لأخفف من سوداوية المناخات المخيمة على أحداث الرواية. ولا أعتبر ذلك تصادم بقدر ما هو تعاط صادق مع هواجسي ومع الآخر.
هناك ملامح بعض الذاتية الباهتة في روايتك، هل كل رواية تأخذ من كاتبها بالضرورة بعض تفاصيله وسيرته؟
زهرة ديك: مبعثرة أنا في نصوصي، مفضوحة في كلماتي، أعمالي لا يمكن إلا أن تكون أنا وإن ليست أنا، وما الكتابة إن لم تكن ذاك التراث النفسي والمزاجي وتلك الرؤى والأحلام والأوهام والمكبوتات والإحباطات والتوتر والقلق المزمن والإنتقام والتجارب والفقد والغضب، لا أعقد ولا أغمض من كيمياء الكتابة. الكتابة الأصيلة لابد أن تشبه كاتبها. أن تقوله بشكل ما، أن تفضحه أن تعريه بطريقة ما. كل مبدع يقبع وراء كلماته، يسرب من ذاته من تفاصيله فيها، فتتناسل المعاني ويزهر النص ذرية من جيناته الإبداعية والجمالية والفنية، الكتابة رائحتنا الخام، إفرازاتنا العزيزة، إن جاء النص هكذا فلأني أنا هكذا. آرنستو ساباتو يقول: "إن كل رواية عميقة سيرة ذاتية"، وتشيشون يذهب حد اعتبار السير الذاتية الحقيقية للكتاب موجودة في كتاباتهم لا في تلك الكتب السطحية التي تروي قصص حياتهم.
الرواية ضخمة ب:352 صفحة في حين أغلب الروايات الجديدة لا تتعدى ال200 صفحة أو أقل، القاريء أصبح ينفر من الروايات الطويلة، القاريء النخبوي تقريبا وحده من يقرأ هذه الروايات الطويلة بحكم تواجده في الوسط واشتغالاته الأدبية والنقدية، أم أن رهانك على القاريء النخبوي أهم؟
زهرة ديك: لا أراهن على أحد بالتحديد لأني أعرف مع الأسف أن قلة من هؤلاء وقلة من هؤلاء فقط تقرأ قراءة حقيقية، لم أتعمد تكبير حجم الرواية بل بالعكس وجدت بعض الصعوبة في قفل أحداثها، ربما ما جعل صفحاتها ضخمة كثرة الحكايات التي عالجتها، أربع حكايات تختلف كل واحدة عن الأخرى لكنها موصولة بشكل ما كما ذكرت سابقا بالشخصية المحورية "بهتة"، يمكن أن تقرأ كل واحدة منها على حِدَةٍ، ثم أني كما إني ذكرت أحببت أن أقول أشياء كثيرة عبر أحداث وشخصيات الرواية. حجم الرواية كبيرا كان أم صغيرا لا يعكس طبعا قيمتها ولا يعتبر مقياسا لأهميتها ونجاحها، الرواية الجيدة بمحتواها وحمولتها الإبداعية والفنية وكثافتها الجمالية لا بعدد صفحاتها كثيرة ة كانت أم قليلة.
قلت: "لم أركز في عملي كعادة الكتاب على المكان وإنما ركزت على الإنسان الجزائري"، هل المكان كفضاء وتيمة يتعارض مع الإنسان؟، أليس المكان والإنسان شريكين في فضاء الواقع والرواية؟
زهرة ديك: أنا منشغلة على الدوام بالإنسان الجزائري، أحسه مختلفا، منتقصا لشيء، يبحث عن شيء ما، ينوء بسر ما، بغضب ما بصمت ما، بحزن ما لا يدري منبعه، وفي هذا العمل خضت في تفاصيله وانخرطت في هواجسه وأسئلته وأوجاعه وغموضه. كان تيمة رئيسية في حين كان المكان تيمة متخفية أو الوجه الآخر لتيمة الإنسان، الإنسان والمكان وجهان لتيمة واحدة، وحدها المعالجة وتقنية السرد تظهر الكاتب منحازا لأحدهما، ومع ذلك لا أظن أني في هذا العمل تغاضيت كليا عن المكان، لعلي تناولته بشكل إيحائي وفلسفي ما جعل الإحساس به غامضا نوعا ما.
الملاحظ أن روايتك لم تأخذ حقها من النقد كفاية، وهو شأن معظم الأعمال الأدبية التي تصدر في الجزائر، ما رأيك وككاتبة إلى أي مدى يعنيك النقد؟
زهرة ديك: وأي رواية أخذت حقها من النقد في الجزائر؟، سقطت من آمالنا هذه الكلمة، شخصيا نسيت شيئا إسمه نقد، ولا أكتب للنقاد، وأين هم النقاد؟، يكفيني أن يقرأني القارئ البسيط وأصدقائي وأفراد عائلتي، ولا أظن أنه هذا موقفي وحدي. ألِفنا الكتابة بلا نقد وكما قالت إحدى الكاتبات العربيات "نحن جيل بلا نقاد"، ولكنها ليست نهاية العالم، فالمبدع رغم حاجته للنقد إلا أنه لن يتوقف عن الكتابة ولن يثنيه ذلك عن الإنتاج، صحيح أن مستقبل الإبداع مرتبط بمدى الضوء الذي يسلط عليه لكن إبداعنا والأمر منسحب على كامل الوطن العربي تقريبا تعلم أن يكون يتيما وتعلم كيف يتولى أمره بنفسه، حيث أصبح المبدعون يتولون نقد بعضهم البعض في حين يظل النقاد مشغولين بكل شيء ما عدا النقد. وعموما ما عاد المبدعون ينتظرون نقدا يحفل بنصوصهم ويعلن عن قيمتها ويصنف مستواها وإن حدثت المعجزة وحظي نص بنقد فهو لن يكون أكثر من استعراض مفردات ومصطلحات نظرية رنانة لإبهار القارئ بما يقول الناقد لا بما يقول النص.
صنفت كتاباتك وبخاصة "بين فكي وطن" و"في الجبة لا أحد" ضمن الأدب الاستعجالي لكن رفضت هذا التصنيف بشدة وقلت أن الذين يقولون هذا يريدون إلصاق وصمة بالجيل الذي كتب أيام المحنة؟
زهرة ديك: ليست كتاباتي وحدها التي صنفت ووصمت بالأدب الإستعجالي، كل من كتب في تلك المرحلة العصيبة الدموية التي عاشتها الجزائر رجم بهكذا وصف. الفورة الإبداعية التي شهدتها فترة التسعينيات لم يكن مرحبا بها ولم تحتف بها أسماء أدبية راسخة في الوسط الثقافي ليس فقط ذلك بل ابتدعوا لها شتى التهم وألحقوا بها شتى النعوت "تقريرية، سطحية، ليست بعمق الأزمة، يغلب عليها الأسلوب الصحفي" إلى غير ذلك من العصي التي انهالت عليها، وكأنهم ما كانوا يحيون نفس المحنة، وما كانوا يعرفون أن تلك الكتابات تحدت صوت الرصاص ولم تأبه بخطر القتل المتربص بها وانبثقت من قلب الفجيعة واللهب، راحت تجاهد وتحارب وتشهد على جرائم صناع الموت والدمار وتؤرخ بطريقتها لحقبة عاصفة من تاريخنا وحياتنا أغرقتها حمرة الدماء طيلة عشرية وأزيد. لا أدري أي قياسا استخدمه هؤلاء النقاد إن كانوا كذلك فعلا لإبتداع هذه المصطلحات الظالمة والحاقدة والمغرضة، لا أدعي هنا أن كل ما كتب في تلك الفترة يرقى إلى مستويات إبداعية وفنية عالية لكن من اللامنطق ومن الجور الثقافي والأدبي أن نسارع ونلمها في كيس واحد ونشمعه بعلامة "استعجالية لا تصلح للاستهلاك"، لكن في الأخير ورغم الضرب الذي أكله جيل التسعينات ورغم محاولات بعض السابقين و"المتمرسين" في مجال الإبداع وإمعانهم في إفراغ إنتاجات التسعينيات من قيمتها والإستخفاف بها لم تتوقف عجلة الكتابة ولم ينضب سيل الإبداعات، وهاهي الساحة الأدبية تينع بأسماء كثيرة أثبتت مقدرتها وتميزها على الصعيد الداخلي والخارجي. ومهما يكن فهذا المصطلح في نظري آيل للسقوط إن لم يكن سقط على يد روائيين تحدوا ولازالوا قوى الإحباط والحسد والإفشال ونصوص بشير مفتي وياسمينة صالح وسمير قاسيمي وعبد الرزاق بوكبة وغيرهم كثر، سيشهد لها التاريخ وسيكافئها على شهاداتها وصدقيتها وتعاطيها المشرف والبطولي مع المواقف العصيبة التي مرت بها البلاد وسيبرهن أن الحكم عليها هو الذي كان استعجاليا.
كتابة الواقع إلى ماذا تحتاج أكثر، إلى التعاطي معه بفنية وبمخيال موازي، بجنون، بحكمة، بدراية، بماذا تحديدا؟
زهرة ديك: كل شيء في الحياة ومنها الكتابة الإبداعية لابد وأن تستند على الواقع وإن كانتتوهمية ومخيالية. الواقع صانعنا وصانع مصائرنا، هواجسنا، خيالنا، رؤانا، أحلامنا، خيباتنا، نجاحنا، عجزنا، جنوننا، أوهامنا، والعملية الإبداعية في حاجة إلى هذه الخلطة بكل مكوناتها، لكن اللغز الإبداعي في نظري لا يكمن في ما تحتاج إليه لكتابة الواقع. الواقع إناءنا ونحن غاطسين فيه أحببنا أم كرهنا، مشبعين بكل مكوناته ظاهرها وباطنها، المأزق الإبداعي يتمثل في ماذا نكتب؟ ما الشيء الذي لم يكتب عنه أحد لنكتب عنه؟، كيف يجب أن نكتب، ماذا يحب القارئ، أي لغة أي حكاية أي أسلوب أي أفكار أي شيء يرغب القارئ اليوم في العثور عليه وهو يقرأ رواية؟، أسئلة تؤرق كل مبدع يريد أن تصل نصوصه إلى أوسع شريحة من القراء ويريد أن يكون لأعماله أوسع صدى وأكبر رواج. والكاتب الناجح هو من يسعفه إما الحظ أو العبقرية في التكشف على أهواء القارئ ووضع قلمه على ما يتمنى قراءته. لا أظن أن ثمة كاتب لا يعيش على هذا الأمل.
أبطالك ضحايا الواقع والتاريخ والمحنة والظروف والأخطاء والقتل العبثي والمجاني والصراعات مع الذات؟، كيف هم أبطال روايتك القادمة، ضحايا ماذا؟، أم أنهم سيكونون أبطال الأمل والحياة؟
زهرة ديك: من منا لا يحب الفرح والأمل؟، لا أدري بالضبط، لكني أشعر كأن لي ميل للتفاؤل ومع ذلك لا أتوقع أن تكون شخوص أعمالي القادمة إن شاء الله غارقة في السعادة والحياة الهنيئة، من المؤكد أني سأسرب لها من قلقي وشكوكي واضطرابي وعقدي وكآبتي وخبثي وبراءتي وخيباتي وإحباطاتي وكل ما تختزنه دواخلي من تناقضات وأشياء غريبة وعجيبة. هذه الأشياء هي عتادي لأسبر أغوار الشخوص، ومعالجة المواضيع والأحداث لا مفر لها من ذلك. لكني أتمنى أن تكون نصوصي القادمة منشرحة وملونة رغم قتامة عمقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.