لا أثر للمتشردين و المتسولين في الشوارع و شجارات لأسباب تافهة تتغير ملامح وسط مدينة قسنطينة تغيرا كبيرا، قبل ساعة واحدة من آذان المغرب في الشهر الفضيل، لتصبح الشوارع التي كانت شديدة الاكتظاظ شبه خالية من حركة المارة ، و لا أثر للمتشردين و المتسولين بها ، لكن تبقى الشجارات التي تنشب هنا وهناك ، لأسباب تافهة هي الخاصية التي لا تزول طوال النهار و إلى غاية رفع الآذان . أغلب سيارات الأجرة تنسحب من وسط المدينة و حافلات النقل العمومي تتوقف في هذه الفترة ، ما يضاعف معاناة الأشخاص الذين تأخروا لسبب أو لآخر في العودة إلى منازلهم . شباب على متن دراجات نارية يقودونها ببطء في انتظار آذان المغرب ، كافة المحلات التجارية مغلقة، باستثناء محلات بيع الزلابية التي لا تغلق في هذا الوقت، و تستقطب بعض الزبائن الذين تأخروا عن اقتنائها لسبب أو آخر... البحث عن سيارة أجرة أو فرود مهمة تكاد تكون مستحيلة يقف بعض الراجلين أمام فندق سيرتا وأمام مدخل شارع قيطوني و مقابل قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة، تبرز الحيرة على ملامحهم ، نظرا لانعدام سيارات الأجرة قبيل آذان المغرب، لتجدهم ينظرون في السيارات القليلة العابرة ،علهم يجدون شخصا من أقاربهم أو جيرانهم ومعارفهم، ليقلهم معه إلى المنزل وتناول الإفطار رفقة العائلة. النصر حضرت تلك اللحظات الحرجة مع المارة و هم ينتظرون سيارة أجرة ، لاحظنا أن عددهم يتناقص بشكل كبير كلما اقترب موعد الإفطار ، حيث أن هناك أصحاب سيارات من فاعلي الخير يسألون الواقفين عن وجهتهم التي هي في الغالب تكون قريبة من وجهة صاحب السيارة فيتفق معه على المكان الذي يمكن له أن يوصله إليه أو يقربه أكثر من منزله. البعض الآخر من المنتظرين قرروا التوجه إلى بيوتهم راجلين، بعد أن تسلل اليأس إليهم. قبيل لحظات من آذان المغرب ينعدم الفرود وهو أمر غير معتاد عليه نظرا لنشاط السيارات غير الشرعية في الأوقات والأماكن التي تغيب فيها سيارة الأجرة. المتشردون في مطاعم الهلال الأحمر وموائد رمضان لعابري السبيل في وسط المدينة لا أثر للمتشردين الذين كانوا يتوزعون في الشوارع الرئيسية، لست الوحيد الذي يبحث عنهم فهناك، شباب متطوع يرتدي زيا موحدا ويحمل علب يبدو أنها محملة بالطعام يبحثون عنهم ليقدموا لهم وجبات الإفطار، التي قيل لنا أنها أعدت في المنازل من قبل أمهاتهم، ويحبون أن يشاركوا بها، من لا يملك إفطارا خلال الشهر الفضيل. نقصت حركة الأرجل في الشوارع ، نكاد نكون وحدنا في ساحة الشهداء، يبدو الأمر غريبا بأن يكون وسط المدينة بهذا الهدوء ، نلمح من بعيد شبابا يرتدون زي الهلال الأحمر الجزائري دعونا للإفطار في مائدتهم التي أقيمت خصيصا في شهر رمضان خلف البريد المركزي. تحدثنا مع الشباب الذين أخبرونا بأنهم يحبون العمل التطوعي، ويقدرون عمل الخير، خاصة وأن رمضان هو شهر التكافل والتآزر، حيث لم يفوتوا الفرصة لحثنا على الإفطار معهم، اعتذرنا لكي نكمل جولتنا وسط المدينة، لكننا طلبنا منهم الإذن لإلقاء نظرة على المكان، فوجدنا الوجوه المعتادة في وسط المدينة، والمعروفة بعدم امتلاك مأوى، وجدناهم ينتظرون الإفطار في جو جميل من الضحك والسخرية، وتفوح من المكان رائحة الأكل الطيب مع جمال الطاولات المصفوفة والتي تظهر عليها علامات النظافة. في شارع عواطي مصطفى هناك مطعم يفتح أبوابه كتب عليه مائدة رمضان، رغم أن عدد المنتظرين قليل، إلا أن عمال المطعم يبدو عليهم الاهتمام الكبير بالتفاصيل الصغيرة لإسعاد المفطرين، حيث تقدم لهم وجبات ساخنة مثلما تقدم في المنازل من شوربة الفريك إلى البوراك، وغيرها من الأطباق اللذيذة ،نفس الأمر في شارع عبان رمضان هناك مائدة للإفطار وفي مدخل حي القصبة مائدة أخرى مقامة في مطعم غير نشاطه لفائدة المفطرين، وفي شارع بن مليك إعلان عن مجانية الطعام لأي كان ومرحب به، وبعد استفسارنا عن من يقوم بنشاط موائد الإفطار أخبرنا العاملين فيها بأن هناك من الأغنياء من يستأجر هذه الأماكن ويحولها لموائد إفطار حيث يتكفل بتمويلها بالمواد الغدائية، أما بعض الموائد الأخرى فهي تعود لأصحاب المطاعم الذين يواصلون نشاطهم في الشهر الفضيل، ويغيرون تجارتهم إلى موائد للإفطار مجانية لعابري السبيل والمحتاج. قبل الإفطار الأعصاب مشدودة وأسباب تافهة للشجار في جولة صغيرة في الشوارع الرئيسية وسط المدينة فاجأتنا كثرة الشجارات التي افتعلت في هذا الوقت والذي يترقب فيه الصائم الإفطار بعد يوم من الجهد والصبر، ما تمت ملاحظته أن اغلب الشجارات غير متوقعة بين أشخاص لا يعرفون بعضهم، في شارع بلوزداد ينزل شاب من سيارته ويصفع كهلا في سيارة قبله يبدو الأمر مرتبط بإعاقة سير السيارات المستعجلة، يتم فض الشجار بسرعة من قبل المارة لكن الشاب يبقى يتوعد بعد أن أصبح حافي الأرجل جراء محاولته التقدم أكثر من أجل الاعتداء بدنيا على الكهل ويتم منعه من قبل الشباب الذين كانوا جالسين بمحاذاة الطريق. في شارع عبان رمضان هناك تجمع، يظهر من التفاف الناس بأنه شجار، نقترب قليلا لنعرف بأن سبب الخصام يعود لنظرة لم يتقبلها أحد الشباب من شاب كان يمر بالشارع فوجه له الكلام عن سبب النظرة الحادة، نواصل السير فنسمع صياحا من احدهم يقول «اللهم أني صائم». طوابير محلات بيع الزلابية مكان للشجار أو لانتظار أدان المغرب رغم ما تشهده الأسواق من ازدحام كبير طيلة أيام شهر رمضان فإن محلات بيع حلويات الزلابية تصنع الحدث من خلال وجود طوابير طويلة في انتظار هذه الحلوى التي أضحت تعتبر من أساسيات مائدة رمضان لدى الجزائريين وذلك قبل ساعات من أذان المغرب. وأضحت عادة شراء الزلابية طقسا من طقوس رمضان لدى الكثير من الصائمين حيث يعتبر مكان ملائم لالتقاء الأصدقاء و شراء الزلابية التي تأخذ وقتا طويلا، أين تتخلل أحاديث وطرائف بين الصائمين في الطوابير وأضحت عادة شراء الزلابية قبل وقت قصير من أدان المغرب فرصة لانتظار موعد الإفطار. كما أن محلات شراء الزلابية لا تخلو من الجو المشحون حيث أن في كثير من الأوقات ما يتم الاختلاف عن الدور الذي ينجم عنه شجار لفظي وأحيانا بدني، كما أن التزاحم يزعج الصائمين الذين يحاولون أن يضفروا بالزلابية في وقت قصير. وأثناء تواجدنا في أحد الطوابير التي امتدت بشكل طويل لتصل إلى وسط الطريق سألنا المشترين عن السبب وراء هذا الطابور فأرجعوه إلى نوعية الزلابية التي تباع في هذا المحل وسمعتها في الحي . وأثناء تجولنا في المدينة القديمة بالسويقة لاحظنا إقبالا يصل لحد المشاجرات ما بين الزبائن على ذات المحلات حيث عبر لنا العديد منهم عن رغبتهم في اقتناء الزلابية وغيرها من حلويات شهر رمضان وهي ساخنة . طاولات بيع الخبز والشاربات تجار حتى اللحظات الأخيرة من وقت الصيام شباب في درجات نارية يعبرون الطرقات بسرعة بطيئة، تظهر عليهم علامات الملل والرغبة في تمضية الوقت، تحت العمارات والأبنية شباب هنا وهناك يتحدثون ويترقبون ، سيارات مسرعة سرعة جنونية تكسر الهدوء الذي يطبع المكان، رائحة نتنة أمام الأسواق في شارع بلوزداد قمامة على الرصيف، إنها من مخلفات تجار سوق بطو، نفس الأمر أمام نقابة العمال، مخلفات تجارة سوق الرحمة، مظاهر الوسخ تشوه صورة المكان، تطاير بقايا السلطة والبصل في الساحة أمام سوق بومزو يجعل من المكان وسخا. طاولات بيع العصائر لا تزال منصوبة رغم تأخر الوقت طاولة لبيع خبز الدار وأخرى لبيع الشاربات بمحاذاة بعضهما ، صاحبهما يبدو حزينا ربما لعدم بيعه الخبز المنصوب على الطاولة.