سيدي جليس أقدم حي مختص في صناعة الحلوى التقليدية لا تمر أيام رمضان على الكثير من القسنطينيين و حتى زوار مدينة الجسور المعلّقة، دون زيارة حي سيدي جليس أعرق حي مختص في صناعة الحلوى التقليدية كالجوزية، الكاوكاوية، النوقة، حلوة الحلقوم و الفاندا،التي لا زالت لها مكانة خاصة بالصينية القسنطينية، رغم تخلي الكثير من الحرفيين عن إعدادها . الوافدون على مختلف الأزقة و الأحياء المجاورة، أو القاصدين لأزقة أخرى و الذين يفضلون اتخاذ حي سيدي جليس مسلكا خاصا للوصول إليها، لاسيّما القادمين من الجهة السفلية كالأربعين شريف و زنقة حلموشة و الروتيار و الشارع و دروج الرماح أو القادمين من الجهة العلوية كرحبة الصوف، عادة ما يتوقفون بإحدى المحلات الصغيرة لشراء أحد أنواع هذه الحلوى التي يزيد الطلب عليها بشكل ملفت في هذا الشهر الفضيل، لسعرها المنخفض مقارنة بما يعرض بباقي الأسواق و المحلات. و رغم تراجع عدد المحلات المتخصصة في صناعة الكاوكاوية و النوقة و الفاندا، غير أن الكثيرين حافظوا على وفائهم لهذا الحي الذي لم يبق فيه سوى بضع محلات لا يكاد عددها يتجاوز أصابع اليد الواحدة اكتفى أصحاب أغلبها بالبيع بدل الصناعة، ما عدا محل زيداني مخلوف المعروف بمحل تواتي الذي لا زال صامدا منذ ما يقارب 120سنة، حافظ خلالها الآباء و الأحفاد على حرفة الجد الذي كان له فضل تعليم باقي الحلوانيين، كما كان له فضل منح عديد المتمدرسين في مؤسسة «جول فيري» سابقا، فرصة كسب مصروف الجيب من خلال ممارسة نشاط يومي بسيط بالمحل الذي يحتفظ بين أركانه بذكريات كثيرة لشخصيات مرت بالمكان و أحداث مهمة راسخة بذاكرة المدينة. و بمجرّد ولوج حي سيدي جليس من الجهة العلوية و عبور حي رحبة الصوف، تقابلك طاولات مرتبة بجوار محلات ضيقة لا تزيد مساحتها عن المترين و نصف، تزينها قطع الحلويات التقليدية المتنوعة بألوانها المختلفة و المتراوحة بين الأبيض للنوقة و الجوزية و البني و الأخضر و الوردي لحلوة الحلقوم و الفاندا و الذهبي بالنسبة للكاوكاوية. و يتذكر سكان الحي أقدم الحلوانيين الذين اشتهروا في هذا المجال منهم علاوة بوعيطة و بوكرو و بلفاسي و بلمشري و بن مالك و غيرهم من الحرفيين الذين جعلوا من مدينة قسنطينة و بشكل خاص من حي سيدي جليس قطبا لصناعة الحلوى التقليدية يقصده الزبائن من كل حدب و صوب طيلة قرن من الزمن، و يحرص المهاجرون على زيارته كلما عادوا إلى أرض الوطن و شراء بعض الحلويات التي تذكرهم بطفولتهم و بشكل خاص حلوى منقوع الشعير و السكر «سيكر دورج» بشكلها المغري في عيدان بألوان متموجة غالبا ما تترواح بين الأحمر و الأبيض أو الأخضر و الأبيض أو الأصفر و الأبيض. و اشتكى بعض الباعة من تراجع نشاطهم في ظل المنافسة الشديدة للحلويات المستوردة و العصرية، غير أن وريث أقدم محل لصناعة الحلوى التقليدية، أكد وفاء القسنطينيين و حتى زوار قسنطينة لمختلف أصناف الحلوى الشيء الذي شجعه على الحفاظ على حرفة جده و والده رغم صعوبة تحضير بعضها خاصة الجوزية التي تتطلب حسبه حوالي 6ساعات لإعداد ما يقارب ثلاثة كيلوغرامات منها يفضل إعدادها ليلا و تقطيعها و تزيينها في الصباح الباكر قبل وصول الزبائن. الحرفي زيداني الذي وجدناه بمحله الصغير المقابل لمدرسة «جول فيري» و الذي كان بصدد تقطيع و تزيين حلوى الجوزية، أوضح لنا خطوات إعداد الحلوى التقليدية و الوسائل المستعملة فيها، كالخلاط الذي أكد لنا بأن عمره يزيد عن الأربعين سنة و الذي يساعده في خلط وتحريك الكميات الكبيرة لحلوى الجوزية و كذا النوقة ، مشيرا إلى مقياس حرارة خاص بالمطبخ و الذي أكد بأن سر نجاح خلطته يعتمد بشكل كبير عليه. و ذكر حرفي آخر بمحل بمدخل الحي بأن أكثر الباعة اليوم يجلبون حلوياتهم من المناطق المجاورة بعد أن كانت تلك المناطق تعتمد على حي سيدي جليس لتموين محلاتهم. و قال بعض الباعة الذين تحدثنا إليهم بأن الحرفة فقدت مكانتها منذ حوالي عشر سنوات، بعد أن تخلى عنها الأحفاد و الأبناء الذين فضل بعضهم التوّجه إلى مجالات و نشاطات تجارية أخرى غير التي توارثوها عن الأجداد و الآباء، ما عدا عدد ضئيل جدا لا زال متشبثا بالحرفة وفاء للأولين و تلبية لذوق بعض الزبائن الأوفياء الذين لا زالوا يترددون على الحي بحثا عن حلوى تذكرهم بماضيهم و طفولتهم.