الأولياء الصالحون يتفقدون الجزائر في القرن 21 عاد أشهر الأولياء الصالحين الذين عرفتهم الجزائر في مختلف حقبها التاريخية لتفقد بلدهم في القرن 21، حيث طلبوا أن يستضيفهم أهلها ، ضمن أحداث المسرحية المتشابكة الأحداث التي عرضت لثلاثة أيام على التوالي، بمسرح قسنطينة الجهوي، وحملت عنوان «القراب والصالحين» و هي من إنتاج المسرح الجهوي للعلمة، وهي عبارة عن تكريم للراحل ولد عبد الرحمن كاكي (1935 - 1995 ) و تندرج ضمن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. تدور أحداث المسرحية حول طلب أشهر الأولياء الصالحين وهم سيدي عبد الرحمن، وسيدي بومدين، وسيدي عبد القادر من أهل قرية صغيرة استضافتهم، و يرفض سكانها ذلك بحجة الفقر ، لكن بائع الماء أو ما يعرف ب «القراب» يرشدهم إلى بيت صليحة و هي امرأة تعيش بمفردها وعرف عنها بأنها «بائعة هوى» ، فتستضيفهم و ترحب بهم و تذبح لهم عنزتها الوحيدة، دون أن تخشى الفقر رغم تحذير جارتها لها من المستقبل. المسرحية رصدت بشكل رمزي تغيرات المجتمع الجزائري، وتخليه عن الإيمان الصادق ومبادئ الضيافة التي عرفت عنه في زمن الأولياء الصالحين، حيث أن علامات الاستغراب والتساؤل ظهرت على وجوههم ، بعد أن قام أهل القرية برفض ضيافتهم، وتساءلوا بلغة صوفية جميلة عن أسباب هذا التغير في أخلاق المجتمع الجزائري. يقوم الأولياء الصالحون بتكريم صليحة بملبغ مالي خيالي جزاءا لها على ما فعلته، لكن حارس مقام الولي الصالح سيدي دحان ، يحاول أن يحتال و ينصب عليها بمساعدة كل من رئيس البلدية وإمام المسجد، وقاضي البلدية، من خلال صرف أموالها في الولائم و الزردات اليومية ،بحجة تكريم الأولياء الصالحين. ونتيجة انتشار الأموال بين أهل القرية ،فقد عمت الظواهر السلبية مثل تصديق الخرافات و الشعوذة، لكن صليحة تتفطن للأمر،و تدرك أن أموالها أفسدت القرية، لأنها لم تستثمرها استثمارا حسنا، في إشارة واضحة لما تؤول إليه المجتمعات نتيجة توفر ريع مالي، دون التوجه إلى العمل كقيمة جوهرية ، وهو ما ستقوم به مع قرب نهاية أحداث المسرحية، و قد شارك في التمثيل 21 ممثلا وممثلة تقاسموا أدوار: فطيمة والعاشقة، الأعمى، الشاب، القاضي، الراقي، الخديم، القراب، الولي الصالح، عويشة، المير، صليحة و سليم. المسرحية اشتغلت على ديكور بسيط ،لكنه مليء بالمفاجآت، حيث يتحول إلى زاوية، وأحيانا إلى شارع، و مقهى القرية ،كما أن أحد أهم نقاط قوة المسرحية هي اللغة الصوفية الجميلة التي استحضرت إيمان المتصوفين وبراعتهم في التعبير عن النفس ،وما يختلجها من أهواء و ميولات. المسرحية اعتمدت على الكوميديا الهادفة،حيث دخل جمهور المسرح في موجات من الضحك والتفاعل مع مختلف أحداث المسرحية ،و استعانت بأهم الأغاني التي أثارت نقاشا في أوساط المجتمع الجزائري و وظفتها داخل العمل الدرامي، و قد تفاعل الجمهور بشكل كبير مع المسرحية ، حيث استهجن هذا الأخير بعض التصرفات ،على غرار رفضهم لتصرفات سكان القرية لعدم استضافة الأولياء الصالحين في منازلهم،و تعالت الأصوات المستنكرة من مقاعد الجمهور و اعتبرت هذا التصرف لا يمت بصلة لمواقف و تصرفات الجزائريين. مسرحية «القراب والصالحين» لولد عبد الرحمان كاكي التي أنتجها المسرح الجهوي لوهران عام 1982 ، تعود في سنة 2015 من إنتاج مسرح العلمة، برؤية جديدة ،حيث تضمنتها نكهات وبهارات المسرحي الكبير برشت إذ أن العمل الجديد يقترب كثيرا من مسرحية «الإنسان الطيب من سيتشوان» وهو ما أعطى تمازجا فنيا جميلا. وحسب المدير الفني للمسرحية لزهر بلباز، فإن العمل هو هدية لروح الفقيد كاكي، لكن طاقم المسرحية تجنب إعادتها كما قدمها كاكي، قبل أكثر من ثلاثة عقود، حيث استعانوا بلمسات برشت، عبر إسقاط أحداث العمل المسرحي على المرحلة الراهنة، وذلك من خلال إعادة الصياغة الدرامية ،بما يتلاءم مع سنة 2015 ، كما أن المسرحية حاولت أن تفتح النقاش حول الصوفية في الجزائر و استغلالها من بعض الانتهازيين الذين حولوها إلى سوق تجارية محضة.