"مافيا" الدواء والصناعات الصيدلانية أفسدت أخلاقيات الطب كشف البروفيسور بيار شولي، استشاري الصحة العمومية بالمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي (CNES) وخبير بالمنظمة العالمية للصحة بأن ثلثي المساعدات التي يقدمها الصندوق العالمي لمكافحة السيدا والسل والملاريا التابع للمنظمة لبعض الدول الافريقية لاتستغل لعلاج ضحايا هذه الأمراض ووضع آليات الوقاية منها بل يتم استغلالها من طرف "وسطاء" بمواقع ومراكز مختلفة لأغراض خاصة، مؤكدا بأن طغيان المصالح الخاصة على العامة يؤثر سلبا على المنظومة الصحية العالمية ويحتم اللجوء الى حلول جذرية عاجلة. والمثال المذكور ليس الا نقطة في محيط من الرشوة والفساد وصراع المصالح يأكل فيه الحوت الكبير، الصغير .. والصغير الأصغر ! صديق الثورة الجزائرية الوفي وعميد الأطباء الجزائريين الذي استضافه مساء أمس السبت مجلس أخلاقيات مهنة الطب لناحية قسنطينة لتقديم مداخلة بقصر الثقافة مالك حداد، عنوانها "صراع المصالح في المنظومة الصحية" متبوعة بنقاش واسع، أوضح للنصر بأن هذا الصراع عالمي ولايقتصر على البلدان الفقيرة والنامية.. ففي انجلترا مثلا يتم تحويل %10 من الميزانية المخصصة للخدمات العمومية ومن بينها قطاع الصحة لأغراض ومصالح خاصة على يد موظفين "وسطاء" يتموقعون بين أعلى هرم السلطة وقاعدته وإن اختلفت أشكال مصالح كل جهة. ولمافيا الأدوية والصناعات الصيدلانية "نشاطات" كبرى في هذا المجال ترتبط بفضائح فساد ورشوة و"بقشيش" على حد تعبير البروفيسور، الفرنسي الجذور، الجزائري الجنسية، تندلع من حين لآخر عبر أنحاء المعمورة. وآخر فضيحة من توقيع مخابر "سيرفييه" الفرنسية التي أشيع وأذيع بأنها على علاقة بساركوزي، فهذه المخابر المنتجة لدواء "ميدياتور" الذي كان يوصف لمرضى السكري من ضحايا زيادة الوزن ويقبل عليها الراغبون في النحافة، اتضح أنها تتسبب في اضطرابات قلبية حادة وأودت بحياة المئات.. وبتراكم الشكاوى والاحتجاجات تم غلق المخابر في الشهر الماضي لتفصل العدالة بشأنها. وتأسف البروفيسور لأن البلدان الأكثر فقرا هي التي تدفع أغلى الأسعار لدى اقتنائها للأدوية.. فهناك –كما قال- دواء مضاد للسل يتم صنعه من طرف مخبر فرنسي وعندما يصل الى أبيجان بالكوت ديفوار، يتضاعف سعره الأصلي ثلاث مرات، تحت وطأة أطماع الوسطاء .. وكلما "تعرت"مصالح المستوردين وتجار الأدوية بالجملة ومنظمي المناقصات العمومية، يتم تغيير مسار استيراد الأدوية والعتاد الطبي .. وذكر بلد آسيوي، نظم مناقصة لاقتناء تجهيزات ومواد وأدوات صيدلانية مختلفة، وتم توزيع الاحتياجات بين ثلاث سركات بدعوى انهاعرضت اسعار مخفضة بنسب 50 بالمئة و 30 بالمئة و20 بالمئة على التوالي لكنها في الواقع على صلة بوزراء ! كما تم اكتشاف صفقة مشبوهة ببلد خليجي بسبب خطأ سكرتيرة.. فقد اتفق منتجان لدواء مضاد للسل على الهيمنة على السوق بالتناوب كل سنتين.. لكن السكرتيرة وضعت اسم منتج بدل الآخر.. فاندلع صراع المصالح ثم أميط اللثام عن الفضيحة. تشخيص "الصراع" بالجزائر شدد محدثنا بأن المنظومة الصحية بالجزائر تعاني من العديد من الأمراض والنقائص التي تشكل بؤرا لصراع المصالح.. فالكثير من المناقصات العمومية لاقتناء تجهيزات ومعدات طبية ومواد صيدلانية تتم تحت تأثير المصالح الخاصة المباشرة وغير المباشرة لجهات مختلفة ادارية وطبية وتجارية.. ويدفع فواتيرها بشكل أو آخر المرضى والمنظومة الصحية والبحث العلمي بشكل عام. والمؤسف أكثر أن تكوين الأطباء لا يزال ناقصا من كل النواحي... ويتعامل معظمهم مع مخابر عالمية للأدوية تضمن لهم الرسكلة والتكوين المستمر وتساهم في تنظيم ملتقياتهم ونشاطاتهم العلمية المختلفة وبالمقابل يروّجون لمنتوجاتها في وصفاتهم الطبية ومداخلاتهم العلمية، ونقاشاتهم ومن ثمة يمكن أن نقول انهم يستفيدون ويتأثرون بشكل مباشر أو غير مباشر بالامتيازات والخدمات التي تقدمها لهم أو لأبنائهم أو زوجاتهم أو أقاربهم على شكل تكوين أو أسفار أو هدايا وغيرها. حتى الهبات التي يمكن أن تقدمها المخابر لجمعيات خيرية ينخرط بها أطباء، لا يمكن الا أن تؤثر على مواقفهم، وقراراتهم قال البروفيسور. وزاد الطين بلة –حسبه- الترخيص للأطباء بقضاء نصف يوم فقط في العمل بالقطاع العمومي والتفرغ في النصف الآخر للعمل في القطع الخاص لتحقيق الأرباح والمصالح الخاصة وبالتالي تحققت معادلة "أعمل أقل في القطاع العمومي لأربح أكثر في القطاع الخاص!. واستشهد بحالة طبيب جراح قال لمريضته أمام طلابه بأنها بحاجة ماسة الى عملية جراحية استعجالية ويمكن أن يجريها لها بالمستشفى الذي تتواجد به بعد 15 يوما لأن عدد المرضى كبير في قائمة الانتظار، أما اذا أرادت أن تجريها في المساء فلتلتحق بعيادته الخاصة ومعها المبلغ المالي المطلوب(...) ...واعتبر مثل هذه الممارسات العلنية لا أخلاقية وتتنافى مع مبادئ المهنة النبيلة. ووضع في قفص الاتهام الكثير من عمال الوظيف العمومي الذين يعانون من ضعف الأجور ويبحثون عن سبل أخرى للربح.. فعندما يكلف أحدهم بشراء عتاد طبي أو أدوية لا يعرف نوعيها واذا كان السعر المقترح هو الأفضل وبالتالي يكلف باتخاذ قرار عام تحت وطأة دوافع خاصة قد لا يقاومها. ويدعو البروفيسور المولود بالعاصمة في 1930 والذي أشرف على تكوين أجيال من الأطباء بالجزائر، الى بذل الكثير من الجهود على كافة المستويات من أجل محاربة هذه الظواهر والصراعات ببلادنا بدءا باعادة النظر في تكوين الأطباء من الناحية الأخلاقية وابراز مبادئ وقواعد المهنة الانسانية وكذا التكفل بالتكوين المستمر، والرسكلة بمنأى عن تأثيرات واغراءات المخابر المتزايدة. وركز على ضرورة تحسيس وتوعية واعلام المواطنين ليشاركوا في محاربة كل ما من شأنه أن يسيء للمهنة، ويؤثر سلبا على المنظومة الصحية ككل.. ولا يكفي اعلان الحرب بالكلام والاحتجاج الشفوي-قال الخبير- فمجلس أخلاقيات مهنة الطب يمكن أن يتلقى شكاوى مكتوبة من مواطنين تعرضوا للظلم وسقطوا ضحايا لصراع المصالح الخاصة والفساد والرشوة من أجل إتخاذ الاجراءات اللازمة. وحث الجهات المعنية على إلزام الأطباء والباحثين بذكر أسماء المخابر أو الاستشاريين أو المراكز التي ساعدتهم ودعمتهم في نشر أبحاثهم ودراساتهم ومقالاتهم، لرفع كل لبس أو شبهة محتملة.